القائمة الرئيسية

الصفحات

قرار المحكمة الأوروبية...الحيثيات والانعاكسات


في ضربة موجعة، وبعد سلسلة جلسات دامت لسنوات تخللتها أحكام وطعون ثم إعادة المحاكمة، أعلنت المحكمة الأوروبية العليا يوم الجمعة 04 أكتوبر الجاري حكمها النهائي والغير قابل للطعن في ما يتعلق ببنود إتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي من جهة والاحتلال المغربي من جهة ثانية، فما هي الحيثيات السياسية والقانونية والاقتصادية وكذا الانعكاسات المتوقعة للحكم على مجريات ملف القضية الصحراوية؟.
تشكل الثروات الصحراوية كنزا ثمينا للإحتلال المغربي ومحركا رئيسيا للدوافع الأولى لأطماعه التوسعية في الصحراء الغربية منذ نهاية الستينات و مطلع السبعينات، كما تزداد أهمية الموارد الطبيعية الصحراوية بالنسبة للمخزن المغربي إذ تشكل عصبا يمده بأسباب الحياة خاصة في ظل الإفلاس المختفي خلف عباءة كثيفة من الديون المقدمة من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي مطرزة بزخاريف من المنح والهبات التي يقدمها الاتحاد الاوروبي للمغرب نظير خدمات الحراسة الحدودية والتنسيق الامني في مجالات ما تسمى الحرب على "الارهاب"! ومحاربة المخدرات! (المغرب أكبر بلد منتج ومصدر للقنب الهندي)...، عباءة مزركشة بعطايا ومساعدات من الولايات الامريكية المتحدة نظير تنازلات يقدمها المغرب تشمل التآمر ضد الفلسطنيين وتعميق واقع التطبيع مع الكيان الصهيوني ودعمه ومحاولة دمجه في المنطقة الإسلامية والعربية، وتطبيق مزيد من إجراءات التكييف للمجال الاقتصادي المغربي نحو الرأسمالية المتوحشة والعبث في المناهج التعليمية وقوانين الاسرة بما يتوافق مع أجندة اليسار العالمي...، كما تشكل الثروات الصحراوية بوابة هامة لمحاولة تغيير المواقف التقليدية لبعض الدول ذات العلاقة بالقضية الصحراوية (الصين روسيا، الولايات الأمريكية المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي...) ، حيث يقدم الاحتلال المغربي خلال مقاربته الإغرائية عروضا سخية للإستثمارات في الصحراء الغربية، كمقايضة رخيصة للحصول على مواقف سياسية تساند أطروحاته التوسعية، كما تلعب الموارد الطبيعية الصحراوية المنهوبة دورا هاما في شراء ولاء بعض العملاء الصحراويين(النافذين والشيوخ والأعيان... )، وتستغل كذلك كوسيلة لإرضاء بعض الأجنحة والعائلات المؤثرة في دواليب الدولة العميقة في المغرب، وهي الجهات المدمنة على النهب والفساد الذي يميز النخبة الحاكمة في دولة "أمير الفقراء"!.
إذ يجني المخزن المغربي من عمليات النهب في الصحراء الغربية المتواصلة منذ 1975 ثروات طائلة تقدر بأزيد من ملياري دولار سنويا، تمتد مصادرها من الفوسفات مرورا بالصيد البحري وصولا للزراعة ومشاريع الطاقات المتجددة، وكذا عمليات الإستكشاف عن النفط والغاز مع إستغلال الذهب والبحث عن معادن أخرى...، إضافة لأموال طائلة أخرى تجنئ عن طريق النقل والتصدير والتهريب عبر إستغلال المعابر البرية والموانئ البحرية الصحراوية ذات الأهمية الجيوسياسية(ثغرة الكركرات، مينائي العيون والداخلة).
ورغم تجنيد الإحتلال المغربي لكل من المفوضية الأوروبية(الذراع التنفيذي للاتحاد) وحكومتي فرنسا وإسبانيا لمساندته قضائيا مع الإستنجاد باللوبيات المنتفذة ومنها اليهودية لإختراق سلك القضاء الأوروبي وإستخدام أساليب الإبتزاز والتهديد والرشاوي والتجسس والإبتزاز المعلوماتي...، ورغم كل السبل المتبعة والأدوات المستخدمة فقد أصدرت المحكمة الأوروبية العليا حكمها النهائي الغير قابل للطعن، والذي أعلنت فيه أن "الإتفاقية المغربية الأوروبية حول التجارة ملغاة في جانبها المتعلق بالأراضي الصحراوية".
الحيثيات السياسية والاقتصادية والقضائية للحكم...
للقرار محتوى سياسي بارز وهام لا تخطئه العين، حيث يعزز القرارات القضائية السابقة لا سيما القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية بلاهاي 16 أكتوبر 1975، وكذا التوصيات والقرارات السياسية والقانونية ذات العلاقة الصادرة عن الأمم المتحدة وجمعيتها العامة ولجنتها الرابعة ومختلف الهيئات الاممية والإقليمية...، إذ يكرس الحكم النهائي للمحكمة الأوروبية العليا الوضعية القانونية للصحراء الغربية بصفتها "إقليم غير محكوم ذاتيا"، وفي مضمونه يوسم قرار المحكمة ضمنيا المغرب بدولة إحتلال تمارس سياسة الأمر الواقع والقوة القاهرة لإخضاع الشعب الصحراوي، ويعتبر مضمون القرار جبهة البوليساريو ممثلا وحيدا وأوحد للصحراويين بمختلف تواجداتهم.
إقتصاديا، يشكل القرار ضربة موجعة لنظام بائس يعيش على الديون والإعانات والتزلف وخدمة الغرب والصهيونية...، إذ يشير ضمنيا قرار المحكمة إلى أن كل الإستثمارات والشراكات والإتفاقيات التي يعقدها المحتل المغربي مع مختلف شركائه من دول وشركات مجرد عمليات نهب غير شرعي للثروات الصحراوية لا تستند لأي قواعد قانونية راسخة.
وفي جانبه القانوني الإجرائي، يحدد منطوق الحكم جبهة البوليساريو كطرف موثوق يحظى ب"الشخصية الإعتبارية" التي تمكنها من أداء دورها في تمثيل جموع الصحراويين لدى مختلف الهيئات الدولية والإقليمية السياسية والقضائية، كما يتجاهل القرار الكيانات الموازية ك"خط الشهيد" و"صحراويين من أجل السلام" ويرفض إعطاء أي صفة إعتبارية لأعوان الإحتلال المغربي في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية من مخبرين في ثوب منتخبين ومسؤوليين وكذا يحيد المنشقين المنضمين للمخزن ويجعلهم خارج النطاق التمثيلي للصحراويين، كما يشترط الحكم على أي إستثمارات مستقبلية أن تفي بشرط إستشارة الصحراويين وأن يكونوا من المستفيدين من ثرواتهم بشكل واضح ومباشر.
الانعكاسات...
قد يكون لقرار المحكمة الأوروبية الأخير تبعات هامة وإنعكاسات مفصلية خاصة إذا ما تم إستغلاله جيدا من الطرف الصحراوي وحلفائه، من خلال تعزيز قرار المحكمة بحملات قانونية منظمة لمطاردة عمليات النهب والاستثمارات المغربية الغير قانونية في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية، مطاردتها قضائيا لدى مختلف الهيئات العدلية الدولية والإقليمية ومحاولة لجمها وتجفيف منابع تلك الاستثمارات وتحذير المتعاونين الدوليين مع المحتل المغربي من مغبة المساهمة في إستنزاف خيرات الصحراويين، ولا نذيع سرا إن قلنا أنه - إضافة لعوامل أخرى -  فإن دافع المخزن المغربي الأساسي لإستمرار الاحتلال في بلادنا هو الإقتصاد وما ينهبه من ثروات، ويجب ضربه في هذه النقطة الحساسة وتصفير ما يجنيه من عائدات مسروقة، فهي إحدى مواضع الضعف والقتل لديه.
07/10/2024
بقلم: عالي محمدلمين محمدسالم

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...