القائمة الرئيسية

الصفحات

الإخلال بالنظام العام في المخيمات: حين تمتد يد الاحتلال إلى داخل وجداننا....


في صمتٍ ثقيل، وفي أزقةٍ حفظت تفاصيل صمود شعبٍ لأكثر من خمسة عقود، بدأ يتسلل إلينا مصطلح غريب ، لا يشبه كل المصطلحات التي عرفناها . إنه مصطلح الإخلال بالنظام العام. مصطلح لا يأتينا من العدو وحده ، ولا من وراء الجدار فقط ، بل من داخلنا. من أبنائنا، من بيوتنا، من شوارعنا. مصطلح يعكس أزمة أعمق من مجرد أفعال إجرامية؛ إنه انكسار في منظومة الوعي والالتزام والانتماء.
إننا ندرك بان الإخلال بالنظام العام وما يترتب عنه من تجاوزات وفوضى قضايا لا تنشأ من فراغ. وان الانهيار القيمي لا ياتي فجأة. وحين يظهر ذلك بشكل متسارع في مجتمع صمد طويلاً، وقاوم القهر، وصاغ هويته وسط لهيب اللجوء، فإن السؤال لا يجب أن يُطرح فقط حول من ارتكب الخطأ، بل عن من خطّط له، وساعد على انتشاره، وسكت عنه، وشرّعه بالصمت والتطبيع.
واليوم، ونحن نشهد مظاهر مقلقة من الجريمة، المخدرات،الحبوب المهلوسة، العنف، تفكك القيم، وانحراف بعض الشباب، يجب أن نكون شجعاناً في الاعتراف: ما يجري ليس فقط نتيجة فشل داخلي، بل نتيجة خطة استعمارية خبيثة ممنهجة شارك في هندستها المتأمرون على شعبنا ومشروعنا الوطني من حلفاء الاحتلال المغربي ومن ابناء جلدتنا العملاء والخونة ، تستهدف روح وعقل وفكر الإنسان الصحراوي ووعيه ووجدانه، ومشروعنا الوطني التحرري برمته .
وبالتالي علينا أن ننتبه جيدا وبكل وعي كشعب يناضل ويكافح بقناعة من أجل أهداف سامية ونبيلة،رجال ، نساء ، شباب ، إطارات، قادة كنا أو مناضلين إلى إن مظاهر الفوضى الحالية ليست بريئة... بل هي سلاح استراتيجي للاحتلال المغربي، الذي فشل في كسر إرادة الصحراويين عسكرياً ودبلوماسيا وقانونيا ، ويعمل منذ عقود على تفكيك البنية النفسية والثقافية والاجتماعية والتنظيمية لشعبنا، خاصة في المخيمات لأنها رمز المقاومة والاستمرار. مستعملا في ذلك طرق وأساليب مختلفة نذكر منها على سبيل المثال تسريب المخدرات والحبوب المهلوسة ،واستهداف فئة الشباب بها عبر شبكات مدفوعة ومموّلة تعرف جيداً من تستهدف وكيف ومتى ، وخلق شروخ اجتماعية بين الأجيال، بين قمة وقاعدة تنظيمنا السياسي وبين المواطن والمؤسسة ، وونشر ثقافة التشكيك في مشروعنا الوطني ، إضافة إلى إغراق الشباب في وحل الفراغ والتيه من خلال تعطيل أفق المستقبل لديهم، ودفعهم نحو الانسحاب من المشاركة في الشأن العام ، وتشجيع الخطاب العدمي واللاجدوى في وسائل التواصل: "الصحراء ضاعت"، " الصحرا انكلعت منا" ، "ما فائدة اللجوء "، "لماذا لانفاوض على حل اخر يرضي الجميع" ، "كل شيء فساد"... إلخ. وهذه حرب ناعمة، أخطر من الرصاص، لأنها لا تُرى، لكنها تُدمر من الداخل.
علينا أن ننتبه جيدا بانه عندما تُستهدف التربية، تسقط أولى الحصون من كونها هي الحصن الأول لأي مشروع تحرري. وحين تُترك الأجيال الجديدة بلا قيم واضحة، بلا تأطير، بلا رموز حية، فإنها تصبح فريسة سهلة في يد العدو. وقد حاول الاحتلال – في بعض الاوقات – جعل بعضنا ينسى أن تربية الطفل على حب الوطن وعلى احترام رموز النضال، وعلى التضحية، ليست عملاً عادياً، بل هي فعل مقاومة يومي. ولذلك فإن كل إهمال تربوي اليوم، هو هدية مجانية للعدو.
علينا أن ننتبه جيدا إلى ان الإحتلال المغربي يستهدف هويتنا الوطنية الصحراوية لإضعاف الشعور لدينا بالانتماء ، من كون الهوية ليست مجرد زي أو لغة، بل هي منظومة انتماء كاملة. والاحتلال يدرك أن الصحراوي حين يشعر بانتمائه، يصبح مستعصياً على الترويض. ولهذا يعمل على إفراغ الهوية من محتواها المقاوم وتحويلها إلى "فولكلور" ، ويسعى ليلا نهارا لقطع العلاقة بين الجيل الجديد وتاريخه الحقيقي من خلال تهميش الرموز وتقزيم البطولات، ونشر السردية الانهزامية لدى الشباب، بالإضافة إلى دفعه لتبني نماذج دخيلة على ثقافتنا في اللباس، السلوك، الفكر، والنمط الحياتي، وبالتالي الانحراف عن هويتهم الثقافية الأصلية، والانسلاخ عن قيمهم السمحة.
علينا أن ننتبه جيدا إلى ان الإحتلال المغربي يعمل جاهدا على إشاعة روح اللامبالاة وعدم الاهتمام ، واللا غيرة على الوطن والشرف والعرض لدى جيل الشباب ، وتفخيخ النقاشات وبث الإشاعات والأكاذيب وضخ الأخبار المحبطة لدى الكبار، وتشجيع الانقسام حتى داخل الأسرة الواحدة. وهذه مواضيع وقضايا خطيرة جدا ، يعمل الاحتلال المغربي وقوى الشر المتحالفة معه يوميا على صناعتها، وتغذيتها، ومحاولة تثبيتها في الوجدان.

وفي رأينا كجيل تربى في احضان الثورة ونهل من قيمها ،فإنه لا يمكن مواجهة هذا الوضع المغلق إلا برؤية شاملة تستند إلى مرتكزات أساسية، أولها كشف خطط الاحتلال للمناضلين بوضوح تام . من كون المناضل عندما يدرك أن هناك حرباً تُشن عليه، يتحول من متفرج إلى مقاتل شرس ، وثانيها إعادة الاعتبار للتربية الاجتماعية ،الثقافية والثورية الأصيلة في المدارس، البيوت، المساجد، والمراكز الشبانية والنسائية والثقافية . من كونها خط الدفاع الأول لكسر أي هجوم،وثالثها مصالحة الشباب مع هويتهم وانتمائهم من خلال إشراكهم الحقيقي في القرار، والاستماع لهم بجدية.
وختاماً ،إذا كنا نريد فعلاً العودة لما كنا عليه زمن البدايات ، فعلينا أن نصون المخيم كرمز للكرامة لا كعبء، وأن نعيد الاعتبار لمشروع الدولة الصحراوية، لا بالشعارات بل ببناء الإنسان القادر على حمل الحلم في زمن الفوضى ، وان نسلم بان مانراه اليوم من إخلال بالنظام العام وتجاوزات ليس قدراً، بل خطة رسمها الاحتلال المغربي ، والرد عليها ليس بالأمن وحده، بل بالوعي ،بالتربية، بالثقافة، بالهوية، وبإرادة لا تلين.قبل أن يستكمل الاحتلال غزو عقول الأجيال الجديدة مستقبل مشروعنا الوطني المقدس.

المطلوب ليس مزيداً من الخطابات ولا بيانات التنديد، بل ثورة داخلية صامتة: في المدرسة، في البيت، في الإعلام، في الثقافة، وفي مختلف مؤسسات التنشئة السياسية والاجتماعية . ثورة تعيد الاعتبار للشباب لا كمشكلة، بل كحل. وتعيد الاعتبار لمفهوم الوطن، لا كمكان للعيش فقط، بل كمعنى يُعاش ويُدافع عنه.
لسنا في حاجة لبرامج أمنية فقط، بل إلى رؤية مجتمعية متكاملة تُعيد ربط المواطن بقيمه، تُصلح الخلل التربوي، وتُعلي من قيمة الانتماء. إننا بحاجة إلى يقظة ضمير جماعية، تعيدنا إلى جذر القضية، إلى حلم الشهداء، وإلى وعد العودة... وعد لا يتحقق بحلاوة اللسان، بل بالمسؤولية والجدية والتفاني والانضباط .
فما يحدث اليوم ليس صدفة. إنه نتيجة تراكمات لسنوات خلت، صمتنا عنها طويلاً. ولا أحد معفيّ من المسؤولية ، ولكن الوقت ما زال بأيدينا .
نعم نحن في خطر ، لكن الخطر الأكبر هو أن نُطبع مع هذا الواقع، أو أن نعتبره "قدراً لا يُرد". ، فنحن شعب فينا من الحكمة، ومن الوعي، ومن قوة الإرادة وتجارب عبر التاريخ، ما يُمكننا من تجاوز هذا المنحدر. ولكن شرط ذلك الصدق مع الذات، والإرادة الجماعية الصادقة في التغيير الإيجابي، واعتبار التربية والهوية والأمن مسؤولية الجميع، لا مهمة مؤقتة لجهاز معين أو شخص في حد ذاته . ومرافقة ممنهجة ،مدروسة ولصيقة لكل مؤسسات التنشئة السياسية ، التربوية ، الاجتماعية والثقافية لتؤدي دورها المطلوب منها بمسؤولية ووعي وإدراك ، وانتقاء الأدوات الوطنية الثورية القادرة على التفكير والتخطيط والإبداع، المستعدة لتحمل المسؤولية بروح المسؤولية والانضباط .
بقلم المناضل الثائر من جذور الساقية والواد قبل أن يكون الوزير / موسى سلمى لعبيد

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...