أول السقوط كان في قضية بيغاسوس، حين تمّ الكشف عن تجسّس مغربي على مسؤولين في الدولة الإسبانية، دون أن يجرؤ سانشيث على مواجهة الرباط أو حتى فتح تحقيق داخلي. طُويت الصفحة في صمت مريب، وأغلق الملف بضغط من أعلى الهرم التنفيذي.
ثم جاءت ضربة أخرى، هذه المرة أقرب إلى قلبه: بيغونيا غوميث، زوجة الرئيس، متهمة باستغلال منصب زوجها لمنح امتيازات لشركات يملكها أصدقاء مقربون. ملف ثقيل هزّ الشارع الإسباني وفتح شهية الصحافة للتحقيق فيما كان محظوراً.
لكن الأمر لم يتوقف هناك. تبع ذلك قضية خوسيه لويس أبالوس، وزير النقل السابق والرجل رقم واحد في الحزب الاشتراكي، الذي تورّط في فضيحة مالية مدوّية اضطرته إلى الاستقالة والانسحاب من المشهد السياسي. ثم أتى الدور على شقيق الرئيس، دافيد سانشيث، الذي كان يشغل منصباً وهمياً في جهة باداخوث، رغم إقامته في البرتغال، ولم يظهر يوماً في مكان عمله، ما فُسّر بأنه عملية “تفصيل منصب على المقاس”، بأوامر من شقيقه الرئيس.
الملفات تتابعت ككرات نار: قضية ألداما، فضيحة كولدو، ملف جيسيكا… تراكمات من الفساد، واستغلال النفوذ، وتلاعب بالمال العام، أظهرت الحزب الاشتراكي بمظهر المافيا السياسية لا حزب حكم ديمقراطي.
وبدل مواجهة الحقيقة، لجأ سانشيث إلى الهجوم: استهدف السلطة القضائية، واتّهم المحكمة العليا بالتواطؤ مع المعارضة. لكن ردة الفعل كانت صادمة: لأول مرة في تاريخ إسبانيا، يخرج القضاة ووكلاء النيابة والمحامون في احتجاجات جماعية ضد تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، معلنين كسر الجدار الأخير بين الديمقراطية والديكتاتورية.
أما الضربة التي قد تكون القاضية، فقد جاءت اليوم: سانتوس سيردان، الرجل الأقرب إلى سانشيث، والأمين العام للتنظيم في الحزب الاشتراكي، متّهم بتلقّي رشاوى من كبريات شركات البناء مقابل منحها مشاريع حكومية. وهذه المرة، حتى الصحفيون والكتّاب الذين دافعوا طويلاً عن سانشيث، رفعوا الراية البيضاء. أنطونيو مايستري، أحد أبرز الأصوات المدافعة عن الحكومة، صرّح بوضوح: “بعد ما خرج اليوم للعلن… لا أرى مخرجاً للحزب الاشتراكي”. أنخلس بارثيلو، المعروفة بولائها الإعلامي لسانشيث، قالتها صراحة: “الحزب الاشتراكي يجب أن يقدّم تفسيرات… لم يعد هناك ما يمكن الدفاع عنه”.
وهنا، لم يعد الحديث عن أزمة داخلية فحسب، بل عن انهيار شامل في الثقة. أحزاب التحالف الحكومي مضطرة الآن إلى سحب دعمها وإلّا ستغرق معه. الشارع الإسباني غاضب، وناخبوه لن يغفروا.
وهكذا، تصبح الانتخابات المبكرة أقرب من أي وقت مضى، وقد تكون ،دون مبالغة، نهاية حقبة بيدرو سانشيث.
الطالب علي سالم