عندما أُعلن في الرباط عن إتمام خطة صفقة القرن على لسان صهر اترامب السيد كوشنير منتصف 2019 والشروع في هرولة الدول العربية الى ركوب قطار التطبيع، ظن الكثير من الصحراويين أن الموضوع لا يعني إلا منطقة الشرق الأوسط، ليتداركوا بعد ذلك انها تستهدف في العمق القضية الفلسطينية، لكن لم يخطر على بال، بأنه إذا كان سوء حظ أخوتنا الفلسطينيين هو صفقة القرن التي نشاهد حصيلتها الدموية والتدميرية في غزة والضفة الغربية فماذا ينتظرنا نحن الصحراويين؟ ربما: صفعة قرن لا صفقته.
أقول ذلك بمرارة بعد سلسلة من المقالات الهادفة (...القضية الصحراوية في عين إعصار صفقة القرن.. القضة الصحراوية في لعبة الأمم...وغيرها) لعدد من النخب الصحراوية التي استشعرت الخطر في وقته ونبهت حينئذ الى الإعصار القادم الذي نحن اليوم في قلبه ورياحه تهدد وجودنا كقضية وكشعب، لكن مع الأسف لا زلنا نحتاج الى همزة مهماز أو قرصة أذن حتى نفتح أعيننا ونتيقن أن العالم قد تغير من فوق رؤوسنا ورُسمت قواعد جديدة للعلاقات الدولية: لا الحليف يبقى حليفا فيها ولا الصديق يحفظ الصداقة إنما هي مصالح متبادلة تحفظ بالاحترام أو بالقوة وهذه الأخيرة الأقرب.
فالعالم الجديد الذي كنا ننتظر، قد تشكل في الواقع والخرائط ضبطت والتنفيذ قائم فعليا، فمنطقة الساحل التي كانت لا تُنتظر منها عداوة ،أصبح يأتي منها الشر بتحريض من قوى عظمى كانت الى الأمس القريب تعتبر صديقة بل حليفة، تونس وموريتانيا تحت الضغوطات الكبيرة ولا يستبعد إخضاع الأخيرة لرغبة الثلاثي: الإمارات، المغرب، إسرائيل ، "فموقف موريتانيا من قضية الصحراء المغربية ناضج ينتظر الحسم " في تعبير لموقع هسبريس الناطقة باسم المخزن في عددها ليوم الأربعاء الماضي بعد نتائج زيارة رئيس البرلمان المغربي الى نواكشوط التي قيل من طرف الجانبين، أنها مثمرة.
إن النظام المغربي الذي تجرد من كل قيم الجوار والدين والتاريخ جعل من المغرب دولة وظيفية متحمسة لتنفيذ الخطط الجهنمية التي تدفع اليها فرنسا التي أهينت في افريقيا وإسرائيل التي لن يهنأ لها بال هي ودويلة الإمارات إلا عندما تركب جميع دول المغرب العربي وفي مقدمتها الجزائر قطار التطبيع وتتخلي نهائيا عن مُثلها ونخوتها وتاريخها وتركع الى الأبد. إن تحويل المغرب العربي الى شرق أوسط بحروبه ودماره وأيضا بخياناته سعيا الى تصفية القضية الصحراوية كالقضية الفلسطينية، لا محالة هو السيناريو المنتظر أن يُقدم عليه الحاقدون على شعوبنا من المنطقة ومن خارجها. إن الدولة الجزائرية لم تكن مخطئة عندما فعَّلت المادة 99 من دستورها حول "التعبئة العامة" واتبعتها بتوصية اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني التي توصي "ببناء الملاجئ "، نعم بناء الملاجئ. جاء في التوصية المذكورة بالحرف التي من المقرر مناقشتها في المجلس "إننا ندعو السلطات العمومية الى الإسراع في إعداد الوسائل اللوجستية ومنشآت الحماية كالملاجئ وتكييف البنية التحتية وعلى رأسها الطرقات مع متطلبات التعبئة العامة والأزمات خاصة لوقت الحرب".
ليست الجزائر وحدها التي أوصت ببناء الملاجئ في عملية استباقية لأي طارئ، بل دول أكبر وأقوى في أوروبا وغيرها شرعت منذ مدة في تهيئة الملاجئ مصحوبة بعملية التحسيس والتوعية الشاملة لشعوبها، بل عملية التدريب وكيفية التعامل مع أي هجوم مفاجئ.
أين نحن من كل هذا ونحن المستهدفين أكثر من غيرنا؟
اليس من الملح التفكير الجدي في كيفية مواجهة "صفعة القرن" قبل أن تنزل على خدنا ونحن في سهو وغفلة من أمرنا؟ اليس من الملح والمستعجل أيضا البحث عن أنجع الطرق لتأمين شعبنا وتحصين القضية الوطنية من أعداء الداخل والخارج؟
إن من لايزال يراهن حتى الساعة على حل للنزاع في ظل المتغيرات الجديدة تأتي به الأمم المتحدة، فهذا مع الأسف إما واهم أو لديه سوء تقدير للوضع أو مازال يعيش في العالم القديم.
لا شك أن دول العالم كلها في حالة استنفار وتتسابق مع الزمن لتحصين نفسها وإبعاد الخطر عن شعوبها، فهي لا تأمن ولا تثق في العلاقات الدولية الحالية المتقلبة وغير المستقرة، مما يفرض على النخبة الصحراوية قيادات وأطر تحمل المسؤولية التاريخية في هذا الظرف الصعب والمعقد، بالتفكير الجماعي المؤطر والهادف الى إيجاد استراتيجية محددة قابلة للتجسيد على أرض الواقع وأداة لتفعيل هذه الإستراتيجية وحاضنة لحمايتها مع إدراك أن المجتمع الصحراوي قد تغير ويتطلب تشكيل وعيه من جديد لقبول أي خطة ستغير النمط الذي تعوَّد عليه خلال سنوات لا سلم ولا حرب، فالوقت ليس وقت اللوم والاتكالية وتبادل الاتهامات وتأجيج الخلافات كما أنه ليس وقت الانتظار والترقب والتقوقع في الدائرة المفرغة بل وقت فك عقال فكر التحدي و التحرك المدروس والفعل الجاد وقت التقارب و التآخي و البحث المشترك عن أنجع السبل التي تجنبنا الخطر وتؤمن مواطنينا وتقفز بالقضية الوطنية الى الأمام.
لا شك أن العقل الصحراوي ليس عاقرا وقادرا على الإبداع في إيجاد الأجوبة الشافية لزحزحة المياه الراكدة واستنفار الجسم الوطني الصحراوي لمواجهة المخاطر الكبرى التي تعصف بالعالم ونحن من بين حلقاته الأضعف.
بقلم: محمد فاضل الهيط