بطالة ، فقر ، جفاف ، جهل ، عدا اسر محدودة
قرية على الضفة الشرقية ل -واد سلوان - حيث واحة من النخيل و " عين " ماؤها شروب يعود تاريخها الى عصور و حضارات قديمة حافلة بالمقاومة و الذود عن حرمة الاوطان في وجه اي معتدي ، آخرها : المرابطون "... و قلعة الشيخ ماء العينين " منارة علم و جهاد .
تحيط بالقرية سلسلة مرتفعات على شكل هلال توجد بها مواقع عسكرية، و من ابرز معالم السمارة آنذاك مسجد يتوسطها بناه المستعمر و تأتي غربه ساحة بمثابة وجهة يلتقي فيها الوافد و القاطن و يقع السوق المحلى على جانبيها الشمالي و الجنوبي ، يتوسط الساحة مكان تتوقف فيه سيارات لاندروفير القليلة جدا، يتم ايجارها للنقل و في نهايتها غربا تقع ادارة المستعمر و مركز الشرطة و مدرسة للتعليم الابتدائي و هي الوحيدة ... و غير بعيد عنها جنوبا يقع ايضا المستوصف الوحيد ...
و تحيط بالمدينة بوادي مأهولة بالرحل يتوافدون بكثرة لاقتناء زادهم من السوق المحلي ، وبعضهم لصلاة الجمعة او لاغراض مختلفة بما فيها فضول البدوي و سعيه الغريزي لمعرفة اشطاري؟؟؟ . من كل ذالك يتشكل مشهد يعطي للزائر و للقاطن ان ثمة حياة نشطة و مجتمع تقليدي محافظ تماما ، لكنه حيوي و آمن ، يميزه التكافل و صلة الرحم و كل قيم و تقاليد الصحراوي الاصيل .
ملفت للانتباه وجود تلك الساحة التي تعج بالحركة منذ ان يتبين الخيط الابيض من الاسود من الفجر حتى غروب الشمس ثم تهدأ الحركة لان الساحة لم تكن بها مصابيح تنيرها و ليست ثمة مرافق ثقافية او غيرها يلتئم فيها الناس ، باستثاء ملعب واحد لكرة القدم مخصص للترسيو و تروبا نوماظا ايام الاحد مساء ...
صدفة كانت اقرب المنازل للمسجد دار الاستاذ ابراهيم ولد لبصير و دار الشيخ : محمد فاظل ولد السيد ...
الجديد بالنسبة للسمارة و هي تشهد بداية تطور عنراني تمثل في مقدم محمد سيد ابراهيم بصيري احد ابناء اسرة محترمة اهل الكتب و الخيل ، مكمن للعلم و الفقه و الشرف و الكرم ...
عنصر آخر جديد تمثل في مقدم العالم الجليل : محمد محمود بيدالله و لم تكن تلك هي ارادته
علم محمد سيدابراهيم بصيري بالوافد الجديد و لم يكن يعرفه ، لكن الخبر تناقلته باستحسان و ترحيب اللسنة الوافدين من كل حدب و صوب و بخاصة الاعيان و كبار المجتمع و شخصيات السمارة و كان من اوائل من صاحبه الفقيه محمد محمود ولد لبصير رحمة الله عليهو هو وطني مشهود له بذالك ... و ما ان مرت اسابيع حتى التحق بهما محمد سيد ابراهيم بصيري و اصبح هذا الثلاثي يلتئم كل عشية خميس على نية صلاة الجمعة في المسجد عند دار المرحوم : ابراهيم لبصير المضيافة ، و هنا كانت تتوافد عليهم اعداد كثيرة من الرجال شيوخ قبائل ، تجار ، عسكريين ، رحال شرطة ، ملاك مواشي ؛ عمال كوبيرتا ...الخ و لكل وافد غرضه ، بعضهم يستفسر عن احكام في الشريعة او الدين ، بعضهم للتعارف ، بعضهم للترحيب ... بعضهم بدافع فضولي ... اشهر بعد ذالك انضاف الى القوم المرحوم البار ولد عبد الدائم قادم من عند اهل اباعلي في حديرية ، كان يقرئني القرآن .
الفقيد بصيري وقد اتاح له القدر فرصة ذهبية لم يكن ليتركها تمر و فعلا انتهز الفرصة و حوالها الى شبه ملتقى لايقاظ الضمير الوكني و لاطلاق صحوة دينية - مجتمعية - سياسية يبلغ من خلالها رسالته و ينشرها .
.و قتها كنت الوحيد من اخوتي الذي بقي مع والدي رحمة الله و دأبت على مرافقته لصلاة الجمعة و لأجد بدورى فرصة للتعرف على اصدقاء في القرية و اللعب معهم ... كنا " نازلين " في واد اربيب قبل ان نستقر في الدشرة .
ماذا اقتبست من تلك الجلسات و اللقاءات ؟ التى كانت تمتد لساعات طويلة لا تتوقف الا لاداء فريضة صلاة في المسجد او لاخذ قسط من الراحة ما بين صلاة العشاء و صلاة الفجر ، و منهم من هو قائم الليل : هم الثلاثة بالتاكيد ، يكاد لا ينام
اول انطباع رسخ في ذهني و في ذاكرتي : ملامح بصيري ،
اول ما تشوفو او تنظر اليه تنبهر لمحيى و جهه الروحاني ، وجه مشرق ، نوراني ، جذاب ، بشوش ...
ملامحه ناعمة ، هادئة ، تعكس الحكمة و تؤتي له الاحترام ، رزين ، ينتقي كلماته بعناية و يدعم خطابه السياسي بآيات من القرآن او بالحديث النبوي ... خطابه مستنير و مقنع ليس فيه إطناب ( حق الصحراويبن في ان يكون لهم وطن مستقل )...خطاب يشد انتباه الحضور .
*اتذكر ايضا انه و بموازات مع تواصله و اتصالاته بمختلف فيئات المجتمع، خصنا و نحن مجموعة من التلاميذ صغار ندرس في الطور الابتدائي ، " خصص لنا ساعات " يدرسنا اللغة العربية " " تقوية في اللغة كما كان يقول " ، ماذا علمنا ؟
كل جملة يدخل فيها مفردة ، مثل : الوطن ، الحرية ، الاستعمار ، الاستقلال ، العلم -الجهل ، التخلف - التطور ... الخ ، كان يجري لنا امتحانات و يمنح للفائز جائزة ...
حلت صائفة 1970 و خاصة يونيو ، كان ملفت للنظر و على غير المألوف ،ان تشهد السمارة رغم ارتفاع درحات حرارة تسارع وتيرة الحركة : لقاءات، اجتماعات ، عدد السيارات المتوقفة في " الساحة" بالقرب من المسجد ...
لم نعد نلتقي بصيري - تساءلنا ، ماذا به ؟ ماذا جرى له ؟ غياب لم نفهم له سبب ...
ايام قليلة بعد ذالك وقع الحشد في السمارة و شد الرحيل نحو العيون ... لم نجد سانحة لتوديع استاذنا ، اشتقنا كثيرا لرؤيته بعد ذالك و طال انتظارنا لعودته ... الى ان التقطنا انباء غير سارة متناثرة تتسرب بسرية و غير مكتملة ترسم صورة " لواقعة" جرت في العيون ، فهمنا انها فاجعة -: فيها القتل و الجرح و الاعتقال و الضرب ... و لم ينجوا الا من لاذ بالفرار .
بصيري اعتقل و لا احد يعرف الى اين اقتادوه ، خبر حز في نفوسنا ... بصيري البريئ ، المهذب ، الطيب ، الكريم ، استذنا المحبوب اعتقل ؟ ، اي ذنب اقترف ؟ لا مجيب ...
اشهر بعد ذالك سمعت بعضهم يروي لأبي انباء متقطعة عن اخبار عمليات افراج عن اشخاص اعتقلوا مع بصيري و يسأل ابي رحمة الله عليه : و ماذا عن محمد سيد ابراهيم بصيري ؟ و يأتيه جواب صادم " ذاك ما عارف لو حد شئ "
يتألم ابي : قائلا : بلا فائدة ...
ختاما : و حسب بما عرفت شخصيا و ما تعلمت
من عند بصيري شخصيا و ما قرأت عنه من محاضر و رسائل ضمن ارشيف ثمين كان عند صديقي المرحوم النعمة الجماني و ما طالعت من كتب الفها بعض الكتاب و الصحفيين الاسبان : سيد ابراهيم بصيري كان رجل اجتماعي بما في الكلمة من معاني و معايير انسانية و اخلاقية ، تميز بقيم صحراوي اصيل ، لم تستحوذ الغربة على خصاله الحميدة و هي التى مكنته من ان يكون قدوة لمجتمعنا في واحدة من اسوء مراحل وجوده : استعمار ، جهل ، تخلف ، فقر ، قبلية ...الخ
بصيري زرع البذرة السياسية الاولى للفكر الوطني التحرري و عمل على وضع لبنة اولى لتنظيم سياسي يؤطر الجماهير
ينور عقولها و يؤشر لها الطريق نحو المنزلة المستحقة " الحق في دولة مستقلة " كسائر شعبوب الارض ، افريقيا خاصة .
و كان الفقيد مهندس لمشروع( موضوعي) يتوج بقيام دولة مستقلة برعاية اسبانيا الدولة المستعمرة و يحملها المسؤولية . " اظن " انه كان على إلمام بالعقيدة التوسعية لحزب الاستقلال و من خلفه الاطماع التوسعية للمخزن ...
الدرس المستخلص : الاستقلال ينتزع و هو حق مشروع و في سبيله لا بد من المقاومة و الكفاح بكل الوسائل و الاساليب الشرعية و الصبر و تحمل المعانات و التضحيات .
الولايات المتحدة الامريكية الامبريالية و فرنسا الاستعمارية : اقتداء و عملا برؤية و خطة المجرم كيسنجر كانت إن عاجلا ام آجلا مقبلة على تجسيد اهدافها في المنطقة بما يعزز و يقوي و يحمي المملكة في المغرب بصفتها رأس الحربة و الجسر الموثوق لرعاية مصالح قوى الاستعمار في اامنطقة
"عقيدتهم : حق القوة و ليس قوة الحق " و ما تجسد في السطو على حقوق الشعب الصحراوي و غزوه و تشريده.
بقلم : ابراهيم محمد محمود بيدالله