قبل الخوض في زيارة الرئيس الفرنسي الى المملكة المغربية التوقيت والاسباب لابد لنا جميعا أن نستحضر الظروف السياسية والجيوسياسية التي تمر بها المنطقة والعالم عموما, هنالك متغيرات جذرية تعصف بحالة السلم والامن والسياسة بجوارنا القريب والبعيد والتحولات الكبرى التي حصلت وستحصل والكل يهرول للمشاركة في رسم معالمها لكن بتصورات تختلف كليا من طرف لاخر تحت عنوان بارز الدوس على الابجديات المتعارف عليها في قانون السلم والامن العالمي واحترام الشعوب في حريتها وتقرير مصيرها واعطاء الاولوية للنفس الادمية في العيش الكريم, كل هذه المحددات التي ظلت دول كبرى تنافح عنها على الاقل علنا في أروقة الامم المتحدة تم دعسها وبشكل خشن ومن من كان يحميها ويرفع رايتها ملوحا بأحقيته في رسم معالمها من خلال مساندة الجلاد ضد الضحية احدى تجليات هذا التناقض السافر الذي حتما سيدخل منظقة الشرق الاوسط الهشة والعالم في اتون حروب وصراعات قد تعصف بكياناتها كليا.
ففرنسا المتورطة في هذه الصراعات رفقة أعضاء أخرين بالامم المتحدة ليس أفضل حال والغارقة الى وذنيها فالتدخل العسكري مع أوكرانيا ضد روسيا والأزمة الاقتصادية والسياسية بأوروبا عموما وبروز تيارات اليمين الاوروبي المتعصبة أديولوجيا وعقائديا والتي قد غيرت ليس فقط طبيعة وأليات الإمن الأوروبي لكن أيضا توازن القوى في التكتل والوحدة اضافة الى تفاقم الأزمة السياسية بفرنسا تحديدا وخسارة المعسكر الرئاسي والذي حلّ بدله تحالف اليسار والخضر في المرتبة الأولى والأكثر من ذلك الرفض المتواصل لوجودها في العديد من دول العالم خصوصا أفريقيا وهيمنة أمريكا وروسيا والصين على مؤاطئي قدم كانت الى وقت قصير فرنسا المهيمن رقم واحد عليها كلبنان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى وغيرها من المناطق التي كانت فرنسا تعتبرها شريان حياة جيوب الفرنسيين ورفاهيتهم من خلال الاسئنزاف المهول لخيرات هذه البلدان وبتأمرقياداتها المرتشية والضعيفة.
وبالعودة الى الزيارة الفرنسية الى المملكة المغربية التي ليست أفضل حال منها بتاتا فإن توقيتها ليس اعتباطيا ولا بريا رغم فوضويته ضمن هذا المشهد المتغلب والمتغير كثيرا, ففرنسا التي تسشعر ضعف نفودها أقليميا وخوفها من خسارة مزيد من أوراقها لجأت الى هذه الزيارة التي تعتبرها دخول جديد الى منظقة التسلل من خلال المغرب الذي بات المنفذ رقم واحد لأجندات الإليزي بأفريقيا فإن وجدت المغرب فبالضرورة فرنسا في خلفية المشهد ولعل مايحدث بدول الساحل تعتبر فرنسا المسبب رقم واحد له من خلال بناء سياسة إستعمارية تعتمد على الهيمنة والتبعيئة, لكن الزيارة الى المغرب بالتحديد لها خصوصيتها فالمشهد المغربي لاتخطيه العين والواقع السياسي والاجتماعي صعب ومعقد من خلال العديد من المتغيرات:
- فرنسا كعضو دائم بمجلس الامن أختارت أن تكون حكما وخصما في قضية الصحراء الغربية وهو مايجعلها في تناقض غير مسبوق سيكون له تبعات على الدور الفرنسي لحلحلة هذه القضية وإعلان تأيدها لمايسمى الحكم الذاتي من خلال إعطاء من لايستحق لمن لايمكلك.
- المملكة المغربية أختارت التطبيع مع الكيان الصهيوني ظنا منها أنها وجدت طوق نجاة لعزلتها جهويا دون أن تدرك أنها خلقت مزيد من التوتر مع دول الإقليم والداخل المغربي ولم تجني أية فوائد تذكر من خلاله سوى أنها أختارت الجانب الخاطئ من التاريخ وأوقوفها ضد إخوانها الفلسطنيين ومناصرة الاحتلال الصهيويني الظالم بل سقطت المملكة من حيث تدري أو لاتدري في وحل قذارة التاريخ خصوصا عندما وصف ماكرون المقاومة الفلسطينية بالبربرية تحت تصفيق حار لم يحلم به ماكرون حتى في بلده من ممثلي الشعب المغربي بالبرلمان.
- صحة ملك المغرب وبداية الصراع داخل القصر على خليفته من خلال بروز عدة أجنحة منها مايفضل إبنه خليفة له وأخرى ترغب في تولي شقيقه الحكم ومساندة أفراد الأسرة الحاكمة لهذا الرأي والطرف الثالث الجيش الذي لم يستقرعلى رأي محدد أما الشعب فالغائب رقم واحد كالمعتاد.
- تجدد الحرب في الصحراء الغربية والإستنزاف المتواصل للاقتصاد وللجيش المغربي المحتل ورفض العديد من أبناء المغرب الزج بأبنائهم في هذا الصراع المتجدد من خلال هروب العديد من القادة والجنود من ساحة المعركة.
- حكم محكمة العدل الإوروبية التاريخي الذي أعاد القضية الى مربعها الأول وأحرج فرنسا وأوروبا وأعلن أن الصحراء الغربية لأهلها وممثلهم الشرعي الجبهة الشعبية البوليساريو وضرورة توقف الاوروبين عن نهب خيرات الشعب الصحراوي دون استشارته.
- الاضطرابات الاجتماعية داخل المغرب والمديونية المهولة والبطالة والهروب الجماعي للشباب وتفضيله الهجرة على العيش بالمغرب مسببات أخرى ضمن كثيرة للواقع وإنسداد الأفق داخل الممكلة.
- بروز الجزائر كقوة إقليمية كبيرة من خلال التطور الحاصل في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الوطني وحضورها الوازن على الساحة الدولية والذي بات يزعج المغرب وخصوصا التعامل الند بالند مع فرنسا وقوى أخرى كإسبانيا.
وفي ظل كل هذا المشهد أريد التأكيد أن هذه الزيارة ليس لها أثر على المدى المنظور وتعتبرلاحدث سوى أنها تأكيد على الهيمنة الفرنسية للقرار المغربي وحضورها كلاعب أول لرسم مستقبله الضبابي إضافة الى ظهورها بوجه مكشوف من خلال مساندتها لاحتلاله للصحراء الغربية كموقف تقايضه به وقت الجزر والمد والجزر بينهم ولعل حادثة التجسس على هاتف الرئيس الفرنسي وغيره من الساسة احدى أوجه الازمة بينهم مع العلم أنها ظلت تدعي أنها مع الشرعية الدولية لكن الجميع يعلم مساندتها عسكريا للمغرب في إبادة الشعب الصحراوي منذ بداية الثورة الى اليوم هذا وماديا وسياسيا كطوق نجاة وحماية للعرش والنظام المغربي.
وأخيرا لابد أن نقول أنه أمامنا كصحراويين خيار وحيد دونه سيبقى الوضع لما هوعليه فمواصلة النضال وعلى كل الاصعدة بما في ذلك الكفاح المسلح وتقويته وتوسيعه وكذا ضرورة تجديد أساليب النضال وتغييرها بالارض المحتلة وسريعا إضافة الى مواصلة النهج الدبلوماسي والحقوقي والقانوني لردع فرنسا وغيرها أمام الشرعية الدولية دون ذلك يحلم من يعتقد أن فرنسا سترفع معكم نداء صوت الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها الذي يظل هدفا أسمى لنا كصحراويين فإن كان الجميع بما في ذلك المغرب يرغبون في الاستقرار والاستثمار في هذه الحقوق المشروعة عليهم بالمساهمة في تحقيق طموح الصحراويين غير ذلك مزيد من التوتر والحروب وإنسداد أفق السلام في هذه المنطقة.
فرنسا كانت وستظل عدو للصحراويين ولن تتغيروالشواهد التاريخية كثيرة علينا معرفة ذلك وبعمق لكن كيفية التعامل معه كذلك لأنه عندما يعلن ماكرون معاداته للصحراويين وبهذا الشكل الوقح لم يعد أمانا الكثير من الخيارات......
الاعلامي الركيبي عبدالله