"كلنا مرضى, يا دكتور"
متلازمة-سيندروم اللاجئ-.
إخترت لعجالة اليوم, موضوعآ, خفيفآ, بعد سلسلة من المواضيع, فيها الخفيف و فيها الثقيل وفيها"الهجين".
دافعت, عن رسالة الدكتوراه, وبدأت في جمع حقائبي و شتات أفكاري للعودة ل"الوطن".
جمعتني, سنوات الدراسة بالكثير من طلبة العلم من أربع جهات الأرض.
منهم, من جمعتني به مقاعد الدراسة و منهم من جمعتني به, الأحياء الجامعية, التابعة للجامعات.
كان, أقرب جارين لي, شابين, شاب( برفع حرف الياء), شاب, من"كشمير", و شاب, من" جنوب السودان".
كان"آلاك", شابآ, موغلآ في السواد, خلوقآ, لا يجيد سوي شيئين, التحدث, باللغة الإنجليزية بطلاقة و الحديث, عن معاناة شعبه في"جنوب السودان".
كنا, أحيانآ, نجتمع في غرفة أحدنا, و نبدأ في الحديث عن مآسي شعوبنا.
الظلم لا يتجزأ.
"آلاك", كان أكثرنا عاطفية وأكثرنا إنفعالآ.
"سيف الله", كان أكثرنا هدوءآ و أكثرنا تحكمآ في أعصابه.
كان, يتحدث عن مأساة شعبه بهدؤ.
في حضرته, قل ما تريد, عبر عن مشاعرك, كما تشاء.
إرفع صوتك, أو أخفضه.
لا تتحدث عن الهند, فقط.
"لاهي, تنتر خاسر, سيف الله".
زفت ساعة الوداع.
قال لنا"آلاك", بأن ممثل" الجنوب", في موسكو, قال له, بأن منظمة التربية و الثقافة و العلوم, التابعة للأمم المتحدة,- " يونسكو", قال له, بأن, أي لاجئ, أكمل دراسته و يحمل وثيقة, تثبت بأنه لاجئ, فإن هذه" المنظمة", تتكفل بإرجاعه للوطن.
أعطانا عنوانها و رقم هاتفها.
إتفقت, أنا و" سيف الله", علي الإستيقاظ باكرآ و التوجه ل"أهل الخير", لعل و عسى.
الساعة العاشرة صباحآ, و أنا و صديقي اللاجئ, نقف أمام باب, من سيساعدنا على الرجوع ل" الوطن".
أنا, لمخيمات" العزة و الكرامة", و هو للجزء المحتل من"كشمير", من طرف الهند.
فتح( بضم حرف الفاء), و قال, لنا حارس" أهل الخير", تفضلوا.
دخلنا, المكان, نظيف و مريح و هادئ و يبعث على" الطمأنينة".
سألونا, عن سبب مجيئنا....شرحنا, السبب.
أنا, كنت أحمل, نسخة من شهادتي و صورة طبق الأصل من وثيقة" تحديد الهوية".
لم, أكن رقمآ فقط.
لقد كنت" محددآ".
تأمنوا بالله.
" سيف الله", كان أكثر خبرة مني في " اللجؤ".
كان, ملفه كاملآ.
طلبوا مني دخول المكتب رقم"4".
خلف المكتب, كانت تجلس سيدة في العقد الثالث من عمرها.
عرفت مباشرة من لكنتها, بأنها ليست روسية الأصل, رغم تحدثها اللغة الروسية بطلاقة.
طرحت علي بعض الأسئلة...تصفحت"ملفي".
قالت, هل مريت علي المكتب, رقم"14"؟
قلت, لا....
قالت, و هي تبتسم, مر علي المكتب رقم"14".
ذهبت للمكتب رقم"14".
خلف المكتب, جلس شابآ و هو كذلك ليس روسيآ.
قال, تفضل.
....بما أستطيع مساعدتك؟
رويت له الهدف من قدومي ل" رفادة الضعيف".
طرح, علي بعض الأسئلة, التي كانت في معظمها, أسئلة عادية, بإستثناء, سؤال( بجر حرف اللام), سؤال واحد.
السؤال, كان كالتالي:
....هل لاحظت, بأن ظروف اللجؤ, أثرت عليك, نفسيآ أو معنويآ؟
...قلت له, نعم...عندما تغيير مقر سكناك, من شارع, لشارع مجاور, سيؤثر ذلك عليك و علي أطفالك و علي حيواناتك الأليفة, إن كانت عندك حيوانات أليفة, فما بالك, بطفل, تم إيقاظه ليلآ, و قيل له, إنهض يا بني....لقد, تم إحتلال أرضنا.
ضحك, و قال, أنت, لاجئ مثالي.
وضع, ختم المكتب, رقم"14", علي وثائقي.
رجعت, للمكتب, رقم"4".
إبتسمت, و قالت..."كيف, كان اللقاء"؟
قلت, لها..."رجل ظريف".
قالت,"...هل تعرف, إختصاص, ذلك المكتب"؟
قلت, لا.
قالت, و هي تبتسم..." المكتب, الرابع عشر, متخصص في المرافقة النفسية للاجئين...".
قلت, لها, و هل أنا, الآن مادة للدراسة النفسية كلاجئ؟
قالت, و هي تبتسم..." نعم, كلنا مرضى يا دكتور....أنا, لست, بأحسن حال منك....أنا, كذلك, لاجئة من كوسوفو....و صديقك, من المكتب 14, لاجئ من البوسنة...".
هل, سمعت, يا دكتور....ب "متلازمة المهاجر...( Ulysses syndrome)؟
قلت لها, نعم....و لكنها , متلازمة, تخص المهاجرين.
قالت,..." في منظمتنا, هناك مكتبآ متخصصآ في متلازمة اللاجئ...و هناك, مكتبآ متخصصآ في متلازمة المهاجر, و في السنتين الأخيرتين, تم إضافة مكتبآ آخرآ لمكاتبنا....إنه, مكتب يدعي الإنسحاب من الحياة( resignation syndrome)...و يخص, مشاكل, أبناء المهاجرين, حديثآ النفسية و العقلية....إنها, مشكلة, مرتبطة بالتأقلم.....هل شاهدت الفيلم السويدي - live overtekes me- يا دكتور؟....إنه, أحسن عمل فني , يلخص هذه الظاهرة....., و عليه, أنت الآن مصاب بمتلازمتين....إنك لاجئ و مهاجر.....قالتها و هي تضحك...".
قلت لها, بأنه في بلدي, هناك مثالآ, يخفف مصيبتي...الموت ف 100 نزاهة....ما دمت, لست.
المصاب الوحيد, بمتلازمة اللاجئ, فإنني, سأصبر, علي هذا المصاب الجلل...
ضحكت كثيرآ.
وضعت, ختم مكتبها علي وثائقي, و قالت و هي تبتسم...."سأكتب في مذكرتي, مثالكم....و لكن, سأزيده صفرآ...للعدد 1000, رنينآ خاصآ...".
وجدت" سيف الله ", في إنتظاري...
قال, كيف الوضع....؟
قلت له, يا سيف, لقد دخلت هذا المبنى, و أنا في كامل قوايا النفسية و العقلية و المعنوية و خرجت منه ب"متلازمتين".
انت, كيف صارت, الأمور معك؟
قال...قررت, أن لا أرجع للهند....سأسافر للإمارات....إذا, كانت التذكرة, مرتبطة, بالإعتراف, بأنني مريض ( بضم حرف الضاد ), نفسيآ, فسأشتري التذكرة لنفسي و العوض علي الله.
في نهاية المطاف, إنتظرنا, شهرآ, و لم يتم الإتصال بنا, و قمنا بشراء تذاكر سفرنا بأنفسنا.
لم نحصل على تذاكر....
حصلنا على" متلازمتين".
متلازمة لاجئ و متلازمة مهاجر.
الكثيرون, منا كصحراويين لن يلاحظوا ذلك.
لأننا, كلنا مرضى.
" الموت في 1000, نزاهة....للرقم, ألف, رنينآ خاصآ".
الله, لا إوفقك , يا سوداني - آلاك.
أجبرتنا, آليز, و دخلت روسنا, شي ما كنا نعرفوه.
د : بيبات أبحمد.