القائمة الرئيسية

الصفحات

لماذا يتحرك بولتون الآن لصالح الصحراويين وهل يؤثر على القرار الأمريكي؟


في كل الكوارث التي تسببت فيها السياسة الخارجية الأمريكية في العالم، بداية من فيتنام، مرورا بالعراق وافغانستان، كانت هناك أصوات أمريكية معارضة لتلك السياسات الرعناء، بعض هذه الأصوات كان مثاليا وبعضها كان براغماتيا، ومن المفارقات أن وجهة نظر الذين كانوا يرفعون أصواتهم ويعارضون سياسة الإدارة الأمريكية في القضايا التي ذكرنا..
كان الزمن ينصفهم دائما في الأخير، وكانت سياسة واشنطن تفشل. وإذا كان عدد من الأمريكيين لا يستهان به  قد عارض سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، العراق وافغانستان، فإن هناك من عارض سياسة الإدارة الأمريكية في دعمها لاحتلال الصحراء الغربية، ونذكر على سبيل المثال لا للحصر كاتب الدولة السابق للأمن القومي والسفير السابق في الأمم المتحدة جون بولتون. فهذا السياسي والخبير الكبير، رغم أنه أحد صقور الحزب الجمهوري، ورغم أنه مؤيد شرس لسياسة بلاده المتطرفة ضد روسيا والصين وإيران، إلا أنه يختلف مائة بالمائة مع سياساتها -بلاده- في قضية الصحراء الغربية. ولا يعارض جون بولتون سياسة بلاده المؤيدة لاحتلال الصحراء الغربية بصوت منخفض أو في الكواليس أو الغرف المغلقة، إنما جاهر بذلك، ولم يترك فرصة تمر من دون أن يعبر عن آرائه وينتقد سياسة إدارة بلاده الخاطئة الداعمة للاحتلال المغربي.

لا يتخلى جون بولتون عن البراغماتيتة الأمريكية المعروف بها حين يدعم الاستفتاء في الصحراء الغربية، لكنه يوفق بينها ومبدأ تقرير المصير فتكون النتيجة -حسب وجهة نظره- هي الوصول إلى مصالح أمريكية في إفريقيا تحت غطاء تطبيق القانون الدولي، وانطلاقا من الصحراء الغربية. ومن خلال دراسة مقالاته وتصريحاته ومداخلاته حول الصحراء الغربية، يمكن استنتاج أنه يبني وجهة نظره ونظريته على عدة مرتكزات: أولا، يطالب الولايات المتحدة أن تضغط على المغرب – الذي يعرقل قرار مجلس الأمن 690 لسنة 1991م- كي يقبل بتنظيم الاستفتاء؛ ثانيا، يرى أن ضم المغرب للصحراء الغربية مستحيل؛ ثالثا، يعتقد أن الولايات المتحدة، إذا فرضت تنظيم الاستفتاء، ستستفيد مستقبلا من قيام دولة مستقلة في الصحراء الغربية أكثر مما ستستفيد من مغرب غير قادر على حسم ضم الصحراء الغربية؛ رابعا، يرى أن استقلال الصحراء الغربية، إذا ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في تجسيده، يوفق بين القانون الدولي والمصالح الأمريكية في إفريقيا، بحكم أن علاقة أمريكية جيدة مع دولة صحراوية سيهيئ الأرضية -كتحصيل حاصل- لعلاقة جيدة مع الجزائر وموريتانيا اللتين تدعمان تطبيق القانون الدولي في الصحراء الغربية؛ خامسا، يعارض جون بولتون أي ربط للبوليساريو بالشيوعية أو بالإرهاب. كل هذه الأسباب، تفرض على الولايات المتحدة -من وجهة نظر بولتون- أن تتحرك بسرعة، تحت مظلة القانون الدولي، وتفرض على حليفها المغرب قبول تنظيم الاستفتاء لخلق ديناميكية جديدة في إفريقيا تستفيد منها الولايات المتحدة قبل أن تصبح المنطقة تحت مظلة الصين وروسيا.

يقف جون بولتون، منذ سنوات، بالمرصاد لأخطاء إدارة بلاده في الصحراء الغربية، وكلما حدث خطأ أو زلة سياسية يجاهر الرجل برأيه صريحا وواضحا وينتقد الخطأ. فمثلا، حين اعترف ترامب بالحكم الذاتي المغربي سنة 2020م، كتب بولتون في مجلة foreign policy بتاريخ 15 ديسمبر 2020م، قائلا: “مثّل إعلان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب في 11 ديسمبر اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية انحدارًا آخر لإدارته. ففي صفقة منفصلة لتسهيل تبادل العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمغرب، يشكل قرار ترامب، بالتخلي عن الشعب الصحراوي، نقطة تحول عنوانها التخلي عن ثلاثة عقود من الدعم الأمريكي لحق تقرير المصير عبر استفتاء للشعب الصحراوي حول مستقبل الإقليم”. وفي موقع آخر يقول: “أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية، خطأ، لأنه لا يعكس السياسة الأمريكية الراسخة (الداعمة للاستفتاء)”.

ولم يكتف جون بولتون بنقد قرار ترامب، لكنه انتقد، لاحقا، إدارة بايدن التي دفنت رأسها في الرمال ورفضت التراجع عن ذلك القرار.

تتقاطع انتقادات بولتون في تصريحاته المتعددة والمتكررة لسياسة إدارة بلاده الداعمة للاحتلال المغربي في الكثير من النقاط مثل نوع الحل، الطرف الذي يجب أن يضغط على المغرب وتبرئة ساحة البوليساريو من الارتباط بالإرهاب. في هذا الإطار يقول جون بولتون بتاريخ 28 ماي 2025م في جريدة واشنطن تايمز: “قضية الصحراء الغربية هي قضية من بين القضايا الدولية الكبيرة غير المحسومة، والتي تؤثر على الاستقرار الإقليمي والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة”. في نفس التصريح، وبعد أن ينتقل من الطلب من إدارته أن تتدخل وتساعد في الحل، يؤكد على أن الاستفتاء هو الحل الواقعي، وأن البوليساريو ليست حركة إرهابية ولا علاقة لها بالشيوعية.

من البديهي أن شخصية سياسية كبيرة من وزن وحجم جون بولتون لا تخوض في القضايا الدولية الكبيرة إلا إذا كانت مدفوعة ومدعومة من طرف تيار أمريكي كبير وواسع يقف وراءها، ويتقاسم معها وجهة النظر. فإذا كنا نرى أن جون بولتون كان يتحرك ويصرح فقط حين يحس أن إدارة بلاده ارتكبت خطأ في قضية الصحراء الغربية، فإنه، مؤخرا، ضاعف من تصريحاته الداعية إلى تنظيم الاستفتاء، وضاعف من تحذيره من أية محاولة لربط البوليساريو بالإرهاب أو بالتطرف. فالذين يتابعون الشأن الصحراوي اكتشفوا، مؤخرا، أن جون بولتون صرح يوم 28 ماي 2025م، وصرح يوم 28 يونيو، وهذه أول مرة، تقريبا، يصرح مرتين لا يفصل بينهما إلا شهرا واحدا. في تصريحه الأخير لجريدة La Otralectura يوم 28 يونيو، يعيد بولتون القضية الصحراوية إلى النقاش من جديد في الولايات المتحدة، ويركز على رفضه لربط البوليساريو بالإرهاب فيقول بالحرف: “أول مرة زرت فيها تندوف كانت قبل حوالي 30 عامًا، ولم أرَ أي أثر للماركسيين أو الجهاديين أو الإيرانيين أو أي شيء آخر، وقد زرت المخيمات مرات عديدة، وتحدثت إلى العديد من أعضاء جبهة البوليساريو، وخاصةً إلى مسؤولين في الحكومة الإسبانية، ممن يعرفون ظروف الصحراء الغربية، وهذه -الإرهاب- مجرد دعاية من المغاربة وأنصارهم، ولا يوجد أي دليل على ذلك”.

هذه التصريحات المتقاربة التي أدلى بها بولتون، لا يمكن أن تكون عشوائية، وتأتي ضمن منظومة من السياقات المختلفة، التي تتقاطع،  كلها، في أهمية حل قضية الصحراء بسرعة وعدم الإمعان في مراكمة الأخطاء الأمريكية في هذه القضية، والتي قد تجعل مراكمتها الوضع  يخرج عن السيطرة مستقبلا. يمكن تلخيص السياق الذي يتحدث فيه جون بولتون في ما يلي: أولا، يحذر من مغبة فتح أي نقاش في واشنطن حول ربط البوليساريو بالإرهاب؛ ثانيا، في ظل تضعضع دور الأمم المتحدة في العالم، يطلب بولتون من دولته، بطريقة غير مباشرة، أن تستغل الفرصة وتضغط على المخزن كي يقبل بتنظيم الاستفتاء؛ ثالثا، يعيد بولتون تذكير الولايات المتحدة بالمبدأ الذي يقول “إذا دعمت الولايات المتحدة حليفا لمدة خمسين سنة، ولم تستفد منه، تغير استراتيجيتها نحوه”، وكما هو معلوم مرت خمسون سنة منذ بدأت واشنطن تدعم احتلال الصحراء الغربية، لكن لم تستفد من المغرب أي شيء، وآَنَ لها أن تغير استراتيجيتها؛ رابعا، يعتقد بولتون كأي أمريكي عادي أن المغرب فقد دوره الذي كان يحظى به زمن الشيوعية، وزمن التطرف الديني، وزمن الإرهاب في الساحل، والآن وجب التخلص منه.

كل هذا يوحي أن نشاط بولتون، ودفاعه عن الاستفتاء في الصحراء الغربية، وتحريضه لدولته أن تدعم القانون الدولي، يدخل في إطار تذكير الولايات المتحدة أن مصالحها المستقبلية في إفريقيا مرهونة بحل قضية الصحراء الغربية طبقا للقانون الدولي. فحتى إذا لم يتمكن بولتون من تغيير سياسة واشنطن من القضية الصحراوية، فهو، بتصريحاته، يمكن أن يكبح جماحها -الولايات المتحدة- عن ارتكاب المزيد من الأخطاء، خاصة الخطأ الغبي المتمثل في ربط البوليساريو بالإرهاب..
الكاتب: السيد حمدي يحظيه 
المصدر: الشروق أونلاين 

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...