حذر الشهيد الولي مصطفى السيد من الخيانة مستعرضا جزاء أي خائن يعمل ضد مصالح الشعب وإرادته ووجوب مجابهته بالقول: "هنا لم يعد الفرق وارد بين النصراني أو اليهودي الذي يقول انه مسلم أو يصلي. إما ان يوافق على استقلال هذه الدولة وأنها دولة الشعب وتخدم مصالحه او انه إنسان ضد الشعب وتتم محاربته بأي شكل من الأشكال.
وقد اعتمد الشهيد الولي مصطفى السيد أسلوب الحوار مع الذين اختاروا الاصطفاف مع الاستعمار ضد بني جلدتهم، ويحاول استمالتهم للحق وإقناعهم بان التاريخ سيحكم عليهم وان الجماهير ستلفظهم وتتبرأ منهم حتى يعدلوا عن مسار الخيانة ويصححوا الخطأ الذي ارتكبوه في حق شعبهم، فيقول: "هناك فئة من الصحراويين اضطروا اقتصاديا للذهاب إلى المستعمر لتشغيلهم بعد موت مواشيهم ولم يأتوا ليس لأنهم يحبون الاسبان او للدفاع عنهم وإنما من اجل الحصول على قوتهم وقوت عائلاتهم، ولما تم الإعلان عن الثورة أصبح الصدام فيما بينهم وإخوانهم لأنهم أقوى منهم معنويا واقوى منهم في التاريخ وأفضل منهم في عقيدتهم وأكثر فائدة وأفضل عقيدة في الحرية" فهناك ظروف دفعت البعض إلى الحفاظ على مصالحه مع المستعمر لكن المصلحة الكبرى والتي يمتد نفعها ليعم الصحراويين جميعا هو توحدهم حول هدف الاستقلال الوطني وصون كرامتهم، لان الاستعمار سيرحل يوما ما وستبقى الخيانة وصمة عار تلاحق كل من تعاون معه أو ساعد في إطالة عمره.
ومن تجليات الفكر المرتبط بهوية الشعب وعقيدته الإسلامية، فقه الولي مصطفى السيد في تفسير بعض القضايا المرتبطة بالدين ونورد على سبيل المثال تحديده لطبيعة المنكر ومراتب وشروط تغييره، وان يكون بقدر مسؤولية التكليف التي يحددها الدين الحنيف ويستشهد الولي على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره ..فعمر بن الخطاب كان يغيره بيده انطلاقا من مركزه في إمارة المؤمنين وولي أمر المسلمين ولديه قدرة التغيير باليد .. فإن لم يستطع فبلسانه (الفعل غير ممكن) فإن لم يستطع فبقله وذلك اضعف الإيمان فمثلا عجوز لم تعد قادرة على فعل شيء وتلاحظ المنكر ورغم ذلك فإنها غير قادرة على فعل شيء ومع ذلك فإن قلبها ينكر ويرفض هذا المنكر على الأقل"
وفي تسلسل فكري يتطرق الولي الى استهداف المستعمر لبعض القيم الأصيلة في المجتمع ومحاولته التأثير عليها بالإغراءات والرذائل التي روجها لتخدير العقول وصرف أنظار الصحراويين بها عن الالتحاق بالثورة والانشغال بتحرير وطنهم ويستعرضها الولي في جملة من الأمثلة "عندما أعلنت الثورة تولد الوعي بان وطننا قبل بطوننا وكرامتنا قبل بطوننا، تاريخنا قبل بطوننا وكذلك بالنسبة للشباب الذي حاول المستعمر تغييبه عن الثورة عن طريق فتح البارات والمراقص والخمور" وبالرغم من هذا كله تفطن المستعمر ان الثورة أصبحت واقعا وان الحياة لم تعد بشكلها وان الرجل الحي هو الذي يموت من اجل وطنه ويطبق أوامر الله واحتياجات وطنه" ليخلص الولي إلى ان الثورة أصبحت تتقوى يوميا والاستعمار يضعف يوميا كما ان الثورة أصبحت نوعيتها تتغير فبدلا من المناشير أصبح هناك عمليات قتل للإسبانيين المحتلين ومطاردة عملائهم...
وبالنسبة للمجاهدين بدلا من ان يقوموا بالعمليات الصغيرة والسريعة أصبحوا يقومون بعمليات كبيرة في الوقت الذي يبقى المجاهد يصنع الشاي هناك أصبحت لديهم مدافع ودبابات الى درجة ان من يأتي ويقول رأيت الثوار يتم إسكاته بالقول له ان ما رأى ليس بثوار وذلك إشارة إلى الخوف من مجابهة الثورة واكبر دليل على هزيمة الاستعمار والمتمثل في إفراغه للمراكز الأولية التي وقع عليها الهجوم الأول كالخنكة فالاستعمار أصبح منشغلا فقط بالدفاع عن نفسه وهذا معناه ان الثورة توشك على ان تضاهي قوة الاستعمار"
وبخلاف ما يحاول الاحتلال المغربي ترويجه من تأثر مفكر الثورة الصحراوية بالفكر الشيوعي أو الماركسية اللينينية او الإلحادية التي تَعتبر الدين افيون الشعوب، خاطب الولي شعبه باللغة التي يفهمها والأسلوب الذي يلامس واقعه ويؤثر فيه، والمتمعن للأسلوب الخطابي الذي استخدمه مع الجماهير الصحراوية ومرجعيته الفكرية يجد ارتباطا وثيقا بهويتها وشحذ مشاعرها بقيم التضحية النابعة من الدين والتاريخ البطولي للشعب الصحراوي وقدرة الشهيد الولي على الاستشهاد بالآثار والأحاديث النبوية وانتقاء النصوص الشرعية وتبسيطها بالشرح المستفيض يعكس سعة اطلاعه وقدرته على الاستنباط ووضع الشواهد في محلها واستخدامها للإقناع والتأثير في المخاطب ما يجعلنا عاجزين عن الإحاطة بكل الدلالات والمغازي التي يقصدها بضرب هذه الأمثلة والنصوص الدينية ويثبت من جهة أخرى انه ابن بيئته ويحمل نفس منطلقات شعبه ولم يتأثر أبداً بما هو مناقض مع ثوابته ليكون بحق المفكر الذي استطاع الجمع بين الثورة في سياقها التحرري العالمي والحفاظ على خصوصية شعبه وهويته وجعلهما محفزا ومعلما من معالم الطريق التي تنير الدرب نحو تحقيق الهدف المنشود.
المصدر:كتاب الثورة الان او ابدا ـ حمة المهدي