القائمة الرئيسية

الصفحات


يتساءل البعض عن هوية الثورة الصحراوية ومرجعيتها الإيديولوجية والفكرية والسياسية المؤطرة لها، وهو سؤال مشروع طالما تعلق الأمر بحركة تحرير تنطلق من واقع استعماري وثورة مسلحة تنشد تحرير الشعب والوطن، تتأثر بما حولها من مواجهة بين القوى الثورية وقوى الاستعمار من جهة والأنظمة الرجعية من جهة أخرى وتتقاطع مع بعضها نفس القيم والمنطلقات الثورية، في ظل صراع الإيديولوجيات وتنوعها وأزمنة تصدير الثورة، وبشكل جلي لا لبس فيه تقطع خطابات وممارسات مفجر الثورة الصحراوية الشك باليقين لتؤكد أنها ثورة بهوية وإيديولوجية الشعب الصحراوي الذي انطلقت من عمقه، وينبوع معطاء لتضحياته في سبيل اجتثاث الظلم والقهر والاستعمار الجاثم على الصحراء الغربية والمسلط على شعبها من جذوره متخذة الكفاح المسلح أسلوبا لتحقيق أهدافها والجماهير حاضنة شعبية ومحركا لها والسخاء بالروح وقودا لعطاءاتها والحرية والكرامة شعارا وعنوانا لها.
فلم يكن الولي يساريا في فكره أو اشتراكيا في نهجه ولم يعلنها ثورة شرقية ولا غربية، بل كان متحررا من كل الإيديولوجيات السياسية منفكا من الارتباط بأي من المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، والأجندات الدولية، وحرب الأجنحة بين الغرب والشرق، معتمدا في فكره وفلسفته الثورية على قدسية رسالة الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب ومشروعية كفاحه التحرري وإرادته التي لا تقهر.
تميّزت خطاباته ـ رحمه الله ـ بالاعتزاز بالانتماء للهوية الوطنية، ومنابعها الأصيلة والفهم العميق لتعاليم الدين الحنيف والفخر بتاريخ الشعب الصحراوي الزاخر بالقيم النبيلة ذات الدلالات والمعاني العميقة، وفق تصور فلسفي نادر، يجمع بين الحفاظ على ما هو أصيل من قيم وتراث وثقافة المجتمع ونبذ ما هو دخيل وعالق من ترسبات الاستعمار ومخلفات الجهل والضياع، وتشخيص الواقع المعاش بدقة لا متناهية والاستشهاد بأشياء ملموسة وقريبة من ذهن المخاطب وإيجاد الحلول المناسبة لها والتنبؤ الصادق لكل الاحتمالات التي يمكن ان تواجه مسار الثورة في استشراف يملؤه التفاؤل بالغد المشرق للجماهير مع تواضع منقطع النظير وبساطة في الملبس والمجلس واعتماد أسلوب الرفق واللين في معاملة مختلف شرائح وفئات المجتمع، وهو ما مكن له من القبول وخلّده في قلوب الجماهير لما أتصف به من عبقرية فذة وأخلاق عالية.
ومما يدحض محاولات المغرب تشويه الثورة الصحراوية ووسمها بالشيوعية والردة تارة وبالإرهاب والتطرف تارة أخرى، تشبُع الولي بهوية شعبه العربي المسلم، واستشهاده بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وتأكيد قدسية ونبل الأهداف التي انطلقت من اجلها الثورة الصحراوية في تحقيق الحرية والكرامة لشعب تحاول قوى الرجعية والهيمنة والاستعمار استعباده وفرض الوصاية عليه 
وهنا نجد الولي يخاطب الوازع الديني في الشعب الصحراوي المسلم والترغيب في الجهاد بوضع المقارنة بين من يقاتل في سبيل الله وينخرط في معركة تحرير الوطن وينال شرف الشهادة والأجر عند الله وبين من يقاتل في صف الاستعمار والكفر فيكون مصيره الضياع والهلاك، فيقول "أن العمليات موفقة ابتداء من عملية التفاريتي التي استطاعت ان تعزل نقطة مراقبة يوجد بها مسلمين متعاملين مع النصارى مجندين ضد شعبهم ودينهم، ضد شعب أراد الاستقلال والتحرير، أراد طرد الاستعمار والكفر وحتى وإن تظاهروا بإسلامهم فإنهم منافقين ووجب مقاتلتهم لان الله يقول: ((جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم))ثم يؤكد أن العملية التي تمت في التفاريتي عزلت مكان النصارى عن المسلمين ويعتبر ذلك تجديد في الخطة، ثم يشيد بسلسلة العمليات التي نفذها المجاهدون في حوزة وأجديرية وأمكالا رغم سقوط عدد من الشهداء إلا ان الخسائر كانت اكبر في صفوف الاسبانيين والعملاء، وهي بشائر يزفها للمجاهدين في سبيل الحق.
ثم يعتمد أسلوب المرونة والحوار مع الذين اختار الاصطفاف مع الاستعمار ضد بني جلدتهم، ويحاول استمالتهم للحق وإقناعهم بان التاريخ سيحكم عليهم وان الجماهير ستلفظهم وتتبرأ منهم حتى يعدلوا عن مسار الخيانة ويصححوا الخطأ الذي ارتكبوه في حق شعبهم، فيقول: "هناك فئة من الصحراويين اضطروا اقتصاديا للذهاب إلى المستعمر لتشغيلهم بعد موت مواشيهم ولم يأتوا ليس لأنهم يحبون الاسبان او للدفاع عنهم وإنما من اجل الحصول على قوتهم وقوت عائلاتهم، ولما تم الإعلان عن الثورة أصبح الصدام فيما بينهم وإخوانهم لأنهم أقوى منهم معنويا واقوى منهم في التاريخ وأفضل منهم في عقيدتهم وأكثر فائدة وأفضل عقيدة في الحرية" فهناك ظروف دفعت البعض إلى الحفاظ على مصالحه مع المستعمر لكن المصلحة الكبرى والتي يمتد نفعها ليعم الصحراويين جميعا هو توحدهم حول هدف الاستقلال الوطني وصون كرامتهم، لان الاستعمار سيرحل يوما ما وستبقى الخيانة وصمة عار تلاحق كل من تعاون معه أو ساعد في إطالة عمره.
المصدر: كتاب الثورة الان او ابدا ـ حمة المهدي

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...