يعيش عالمنا في هذه الأيام تحولات عميقة ومتسارعة ومن سيتأخر عن ركبها سيدفع الثمن غاليا. فأزمة أوكرانيا ماهي الا انفجار لقنبلة تراكمات الظلم والهيمنة وسيتسع مجالها وتداعياتها، حيث بات من المؤكد ان النظام العالمي مقبلا على تشكل جديد ينهي القطبية الأحادية، وستكون الجغرافيا والاقتصاد هما أهم نقاط القوة في تكتلاته الجديدة. وباعتبار أن إفريقيا والعالم العربي يتقاسمان الجغرافيا، فانهما كذلك يتقاسمان الاقتصاد، وهذا ما يجعلهما مرشحان لأن يشكلا كتلة مستقبلية وازنة.
فقد تعرضت هاتان المنطقتان لعدم استقرار دائم تقف وراءه قوى الاستعمار والهيمنة بأساليبها القديمة-الجديدة، مما عرقل وحدة صفوفهما واندماجهما، حيث شهد شمال افريقيا توترات وخلافات مستمرة بسبب اطماع توسعية لبعض من دوله. فقد ظلت المملكة المغربية تقدم خدماتها لقوى الاستعمار والهيمنة في المنطقة مقابل توفير حماية للنظام الملكي خاصة بعد ثورة الريف ومحاولات الانقلاب المتكررة في وجه الجمهورية الجزائرية التي تتزعم الدفاع عن مبادئ التحرر وعدم الانحياز. وفي هذا الإطار، جاء مخطط احتلال الصحراء الغربية ضدا على ارادة شعبها وعلى نصوص القانون الدولي ليعمق الخلافات ويصعد من عدم الاستقرار بهذه المنطقة وما لذلك من تداعيات أفريقيا وعربيا. ورغم الفرص الكثيرة والجادة التي أتيحت امام المملكة المغربية لتعود لجادة الصواب، الا انها ظلت تتمادى في سياسة احتلالها للصحراء الغربية وتغذي كل محاولات زعزعة الاستقرار في كل المنطقة.
وفي ظل التحولات الجارية وأزمة الطاقة، التي تأخذ الجزائر مكانة محورية فيها كقوة إقليمية بلا منازع، أصبحت المملكة المغربية في مستنقع الخسارة إذا ما استدركت انقاذ نفسها. فشريط الفيديو الذي يظهر فيه الملك محمد السادس مخمورا في شوارع باريس قد أفقده ورقتين مهمتين؛ دينية من كونه اميرا للمؤمنين ومعنوية باعتباره رئيسا لبلده، وهو ما يؤكد ان من وراء تسريبه حلفائه التقليديين كإشارة منهم انهم أصبحوا في غنى عن خدماته. هذا ما يقودنا الى القول ان النظام المغربي يحتضر الان على سرير الموت، فالاقتصاد المغربي تجاوزت فيه المديونية الخطوط الحمراء والغليان الشعبي في تصاعد بسبب ارتفاع الأسعار والفقر بالإضافة للعزلة الدولية بسبب استمرار احتلاله للصحراء الغربية وتوتر علاقاته مع جيرانه.
إن دعوة الجزائر للملكة المغربية لحضور القمة العربية القادمة فرصة ذهبية للملك محمد السادس كي يتخذ مواقف شجاعة وتاريخية لإنقاذ بلده من الانهيار المحتوم، والتي ربما قد تشفع له في بقاء نظامه، من خلال مصالحة جادة، أولا مع الذات عبر الاعتراف بأخطائه اتجاه جيرانه وثانيا بالالتزام بالاحترام الكامل للحدود الموروثة عن الاستعمار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وبمقتضيات الشرعية الدولية بخصوص قضية الصحراء الغربية. بالتأكيد ان مواقف كهذه ستلقى ترحيبا دوليا كبيرا خاصة من طرف العرب والأفارقة، مما سيجعل المغرب يجد نفسه معززا مكرما بين من كان أولى به ان يكون بين احضانهم منذ البداية، الا وهم جيرانه، وسيساعد ذلك في التسريع من وتيرة بناء حقيقي للتكامل الافريقي-العربي. اما بخصوص الدولة الصحراوية، فإن الملك نفسه يدرك انها لن تشكل خطرا على نظامه او على استقرار بلده لإن ذلك ما هي الا دعاية سوقت لها قوى الهيمنة والاستعمار لخدمة مخططاتها، فالصحراويين من طبيعتهم مسالمين ومستعدين لتقديم كل العون لجيرانهم احتراما منهم لمبادئ حسن الجوار والتعايش السلمي.