القائمة الرئيسية

الصفحات


اليوم جمال .. او ذلك الشاب الذي اسميته جمال الخير، هو واحد من الشباب الذين أستشهدوا بميادين الشرف بعد الثالث عشر من نوفمبر .. نسلط الضوء على جواب رائعة وملهمة من حياته ضمن سلسلة كتابات نشرت سابقة عن أناس طيبين بسطاء اغلبهم مغمور غير معروف رحلوا عن عالمنا بعد حياة حافلة بالتضحيات بعيدا عن الانظار .. فرصة للترحم عليهم في هذا الشهر الفضيل .. 
*جمال الخير ..*  
إلتقطت للشهيد هذه الصورة بمسجد علي بن أبي طالب بولاية العيون وكانت الاكثر تداول بعد استشهاده لشاب لا يهدأ عن فعل الخير لكنه لا يحب لفت الانتباه ولا الظهور امام الاضواء، إلتقطتها له يوم 14 سبتمبر 2021، كنت وقتها في مهمة لتغطية الإفتتاح الرسمي للموسم الدراسي للمدارس الدينية بولاية العيون ..

يومها وصلت إلى المسجد وكنت وحيدا أحمل معدات التصوير، لاحظني جمال وأنا منهمك في التحضير فجاءني مسرعا، شاب مبتسم خفيف الظل والوزن، قال لي سأساعدك وبالفعل كان عونا لي فأسرعنا معا في تثبيت كل شيء في مكانه.

لم يجلس الفتى الرائع والمؤدب والخلوق بل واصل تقديم المساعدة داخل المسجد، أحيانا بتقديم الماء البارد في حر الصيف للصغار والكبار وأحيانا بإستقبال وإرشاد الوافدين الى المسجد، وأتذكر كيف أثرت آلة موضوعة في الأعلى على ترددات مكبر الصوت الخاص بالمسجد فصعد الشهيد بكل رشاقة وخفة ليصلح الخطأ وليعود الصوت جميلا متناسقا كما كان.

عند إنتهاء حدث إفتتاح الموسم الدراسي للمدارس الدينية في ذلك اليوم خرج معي وأعطاني رقم هاتفه قال لي : لدي مشروع تعليم كيفية غسل الموتى والطرق الشرعية لهذا العمل وآداب الجنائز عندما يكون لديك وقت رجاءا أخبرني ونلتقي ونعده سويا وأجر فائدة التعميم المجاني لك ولي، أخبرته أنني مسافر للجزائر العاصمة لدواعي صحية لمدة أيام وحال عودتي سنبدأ فورا في مناقشة وإعداد البرنامج، عندما اردت تسجيل رقم هاتفه قلت له : الإسم كي أكتبه، ضحك رحمه الله ثم قال لي : أكتب عنده "خادم مسجد علي بن أبي طالب"، فأي تواضع وأي نكران للذات لدى هؤلاء الملائكة.

بعد ايام من استشهاده اصبحت اتذكره بإستمرار، أتذكر جمال، جمال الذي غادر دنيانا شهيدا في سبيل الله، الناس والوطن في معركة بالجبهات الامامية على خطوط النار، كان واحدا من هؤلاء الذين كأن الله يختارهم، صرت اتذكره بإستمرار ولا أعرف، ربما لأنني حلمت دائما أن يكون بيننا آلاف الرجال مثل جمال او ربما لان الزمن البائس افتقد امثاله.

جمال الظاهرة تذكرته فتذكرت البساطة والتواضع، عادت الى ذهني صور الشاب الحيوي الذي يركض بين أزقة دوائر مخيماتنا بحثا عن أي إنسان يحتاج إلى مساعدة ليمد له يد العون.

هو الشاب الذي لم يبلغ بعد سنه الثلاثين، لم يغريه جنون الحياة وهو اليافع، لا يعرف شيئا عن صخب التكنولوجيا لقد إختار أن يتبع صخب الواقع، آلمه واقع الناس وجنوح الشباب المراهق فراح يبحث في كيفية تقديم يد المساعدة للضعفاء وزرع تعاليم الإسلام في قلوب الشباب.

أتذكر جمال فتعود الى ذهني صورا كثيرة  للشاب البشوش.

أتذكره فتعود بي الذكريات يوم مررت بجانبه وهو يهم وحده الى دفع سيارة شيخ طاعن في السن ويقول "اضرب اضرب"، نادى علي: دير ايدك يا عبداتي، فدفعنا معا السيارة التي لم يستطع محركها ان يشتغل، لم ينتهي الأمر عند جمال ولم يترك الشيخ بل طلب مني أن انتظره حتى يعود ببعض الشباب فركض نحو المسجد ونادى على بعض المصلين فهممنا جميعا بدفع السيارة التي إشتغل محركها اخيرا، ضحك الشاب البشوش وهو يقول: لا إعطل الرجالة هذا الأجر والخير، إذا إلتقيت جمال وعرفته فلن يمنعك من فعل الخير رفقته أي سبب.

أتذكر جمال، فتعود الى ذهني صورة الشاب الشهم يوم إلتقيته بأحد المحلات في حر الصيف يشتري للأطفال حلوى "إلاظو" يوزعه بسخاء وهو يضحك ويداعب البراءة كأنه ملاك.

عندما أتذكر جمال، أتذكر المؤذن الذي لا يوقظني فجرا إلا صوته وهو ينادي داعيا المسلمين الى صلاة الفجر، أحيانا كنت أذهب لأصلي معه فأبدا يومي نشطا بعد رؤية وجهه البريء وأحيانا كثيرة أخرى كنت "نرزح" لكن جمال لم "يرزح" ولم يكل ولم يمل، الشيطان الوسواس لايمكنه ان يجد طريقا إليه.

للأسف بالنسبة لنا أو يا للحظ السعيد بالنسبة له جاءت نهاية هذا الملاك سريعا ليخرج من هذه الدنيا البائسة وهذا الزمن التعيس بأحسن طريقة، يوم علمت بإستشهاده بميادين الشرف، وبكل صدق لقد حزنت كثيرا.

انا اعلم ان جمال إستثناء، نعم نعم هو إستثناء وامثاله كثر لكننا لن نعلم عنهم لذلك كل واحد منهم هو إستثناء في حد ذاته وبكل تأكيد انا لست واحدا منهم ابدا، لست إستثناءا لكنني ادعوكم أن تتذكروا جمال عندما ترون نماذج من أمثاله، تذكروه كي نحيي جميعا في أنفسنا فلسفة فعل الخير ربما نصبح إستثاء مثل جمال، تذكروه كي تعلموا ان الدنيا فانية، تذكروه وانتم تبحثون عن السعادة تذكروا جمال فقط وسوف تقومون بفعل الخير وصدقوني ذلك هو الطريق الاقرب للحصول على السعادة هو الطريق الوحيد لربح الدنيا والآخرة.
رحم الله جمال وامثال جمال، وارحمنا يا الله اليوم ويوم نصير مثل جمال الخير بين يديك 🤲🤲🤲 ..  
عبداتي الرشيد

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...