القائمة الرئيسية

الصفحات


اليوم خديجة الحالمة .. خديجة زميلتي وصديقتي مصورة التلفزيون الوطني التي رحلت فجأة في ريعان شبابها .. نذكر بعضا من الخصال الرائعة التي ميزت شخصيتها البسيطة والبريئة وذكريات جميلة علقت بأذهاننا عنها .. ضمن سلسلة كتابات انسانية عن أناس من ذهب رحلوا عن عالمنا مخلفين حزنا كبيرا وفراغا لا يعوض .. فرصة في هذا الشهر الفضيل لنترحم عليهم .. 
خديجة الحالمة ..
تقول إليزابيث فراي .. " .. لا تقف عند قبري لتذرف الدموع .. أنا لست هنا، أنا لا أنام .. أنا مئات الرياح التي تعصف .. أنا لمعة الألماس في الثلج .. أنا إشراقة الشمس على الحبوب الناضجة .. أنا مطر الخريف الخفيف .. وعندما تستيقظ في هدوء الصباح .. فأنا الهبّة الرشيقة الناهضة للطيور الهادئة في طيرانها الدوراني .. أنا النجوم الحالمة التي تشع في الليل .. لا تقف عند قبري لتبكي .. أنا لست هنا، أنا لم أمت .. " .. 

جئت الى مقر التلفزيون الوطني سنة او سنتين بعد 2010، لم أعد اذكر جيدا، جئت ذات يوم من شتاء بارد بعد رحلة الدراسة الطويلة معلنا دخلول الحياة العملية فعلا من باب مهنة المتاعب، الصحافة والاعلام، جئت موظفا جديدا متطفلا على المهنة، ألتقي وجوها جديدة تماما بالنسبة لي، سيصبحون بعد ذلك زملاء وأصدقاء.

 في يومي الاول داخل أروقة التلفزيون كان صديقي وأخي ورفيق دربي عبدالله أحمين الذي سبقني الى العمل مخرجا وصحفيا بالتلفزيون يعرفني الى بعض الزملاء، على المكان وطرق العمل.
 خرجت بعد ذلك الى ساحة المؤسسة، وأتذكر جيدا، كيف جاءت إلي تلك الشابة المفعمة بالأمل والحماسة، كانت تلك الشابة هي نفسها خديجة، نعم الفتاة الحالمة خديجة خطري.
عرفتني بنفسها وقبل ان أعرفها بنفسي قالت وبخفة دم .. أنا أعرفك جيدا لم ألتقيك مطلقا لكنني أعرف عنك الكثير.
كانت شابة في منتهى الرقة والتواضع والبساطة والجمال، جمال الروح والقبول، ولكن أيضا كانت واحدة من قلة من البشر الذين يمتلكون طموحا جارفا ورغبة كبيرة في التعلم والنجاح والتفوق مجازفة ببراءتها وخيالها في مجتمع او وسطه النخبوي على الاقل لديه نظرة مسبقة يشوبها سوء الفهم وربما السخرية البائسة المصطنعة والمحبطة والمثبطة للعزائم من اولائك الذين تلامس أحلامهم السماء.
خديجة ما كنت شابة عادية، أبدا، أبدا كأنها كانت تعلم أن العمر قصير لذلك أرادت تحقيق الكثير، وإن أمكن كل شيء، كانت دوما تقول لي أرغب في أن أكون أول مخرجة بالتلفزيون، أريد التعلم وبإمكاني ذلك.
ولأجل التعلم وتحقيق الأحلام فعلت ولم تنتظر، كانت دوما تفتح لي بريدها الإلكتروني وتطلعني على رسائل مراسلاتها لجامعات ومعاهد عالمية، تراسلهم بنفسها بكل اللغات.
لذلك، سافرت خديجة بعيدا لأجل الحلم، سافرت حتى الى مغارب الارض، قاطعة المحيطات والبحار والعواصف، سافرت الى دولة كوبا رغم ان تعليمها الابتدائي والمتوسط والثانوي كان بدولة الجزائر، سافرت لأجل حلمها الذي لم يتوقف، سافرت لكن المرض هذه المرة كان أقرب، أخذ ينهش فجأة جسدها النحيل في رحلتها الاخيرة بسرعة تسابق عمرها القصير. 
فكم من حلم قتل في الربيع، وكم من حلم قتله المجتمع ونظرة المجتمع التي لا ترحم، لقد عانت خديجة من ذهنيات بعض البشر أكثر من معاناتها مع المرض.
ولأنها كانت إنسانة عفوية وطبيعية كانت تمتلك روحا طيبة، كانت حالمة كفراشة تطير؛ فكم حزنت يا صديقتي لرحيلك المبكرة، كان رحيلك صدمة لي يوم سمعت الخبر وانا بعيد عن الديار واصدقك القول ان الدموع على فقدان برائتك فضحت كبريائي اللعين.
لكنهم الطيبون والرائعون وأنت بلا شك واحدة منهم، يختارهم الله من بيننا الى جواره واحدا تلوى الأخر وما أجمله من قرب عند من لا يظلم عنده أحدا.
رحلت خديجة المصورة بالتلفزيون الصحراوي ولم يفل نجمها أبدا وذكراها باقية ولمعانها لازال يضيء قاعات التحرير ومواقع النضال حيث حملت الكامرة بكل تفاني واخلاص وبراءة.
وختاما .. يقال دائما ان المرأة الخيالية والحالمة هي الجحيم بالنسبة لذاتها البريئة، سوف لَن تجد مَن تبحث عنه أبدا، لن تجد فارسها، وسوف تكتفي بتعذيب نفسها وستضطر الى عيش الواقع الذي رضيت به غالبا رغم مرارته دون التنازل عن برائتها وحلمها وخيالها.
في هذا الشهر الفضيل أتذكرك لأقول رحمك الله يا عزيزتي وأسكنك فسيح جناته وألهم ذويك وألهمنا جميعا دائما في غيابك الأبدي جميل الصبر  إنه سميع مجيب .. 
 عبداتي الرشيد

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...