قام الدبلوماسي الايطالي-السويدي المخضرم، ستافان دي ميستورا، بأول رحلة له بعد تعيينه كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية 13-21 يناير الجاري، بدأها من المملكة المغربية ثم الجمهورية الصحراوية، ثم موريتانيا والجزائر باعتبارهما ملاحظين وانتهاء بإسبانيا اسبانيا. وهي زيارة استطلاعية بحسب الملاحظين، لكنها تظل ناقصة في غياب وقوف المبعوث على واقع ممارسات الدولة المغربية في الجزء الذي تحتله من الصحراء الغربية من قمع ممنهج ضد الصحراويين ونهب مستمر للثروات الطبيعية.
ورغم ان هناك شبه اجماع للمحللين بان الافق مسدود امام دي مستورا في اختراق الوضع القائم والتوصل إلى حل ينهي هذه القضية التي طال امدها نظرا لإستمرار غياب ارادة جادة لدى بعض اعضاء مجلس الامن في الالتزام بتطبيق مقتضيات الشرعية الدولية، الا ان الخبرة الطويلة التي يراكمها الرجل السبعيني في العمل في الامم المتحدة واطلاعه الواسع على ما يجري في غرف صنع القرار الدولي، لابد ان تكون قد شجعته على قبول مهمة صعبة كهذه إيمانا منه بإمكانية ترك بصمات ايجابية على هذه القضية.
ومهما يكن شكل البصمات التي ينوي دي مستورا تركها على هذه القضية، الا ان تقييما شاملا وشفافا لمسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في افريقيا، وبعيدا عن اشباه الحلول او اختزال القضية في جانبها الإنساني، هو اقل ما يُرجى القيام به من رجل مثله في آخر عمره. وهذا طبعا لن يتأتى الا بخروج المبعوث عن المألوف والتحرر من وصاية مجلس الأمن والأمين العام والجرأة والشجاعة لتحديد الطرف المعرقل، الا وهو المملكة المغربية، ومن يقف وراءها والأسباب الكامنة في الرجوع إنهاء وقف إطلاق النار والرجوع مجددا للحرب المسلحة.
ان اول الأمور التي يتوجب على دي ميستورا التركيز عليها في تقييمه هو ابراز الانحراف الخطير في تعاطي مجلس الامن في مسالة تمكين شعب الصحراء الغربية من حقه غير قابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال انطلاقا من نص القرار 1514 (د-15) (1960) القاضي بمنح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة وغيره من الترسانة الكبيرة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى وجه الخصوص القرارين 37/34 (1979) و19/35 (1980) وقراري مجلس الامن 379 و380 الذين طالبوا المملكة المغربية بإنهاء احتلالها للصحراء الغربية والانخراط في مسلسل السلام لتصفية الاستعمار من الاقليم. هذا المسلسل الذي تضمنته قرارات المجلس 621(1988)، 658 (1990) و690 (1991) حول اتفاق الطرفين، جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، على تنظيم استفتاء لتقرير المصير تحت اشراف الامم المتحدة. كما ان مصداقية اي تقييم مرهونة بأخذ على محمل الجد حجج وبراهين الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سنة 1975 والرأي الاستشاري لمساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية هانس كوريل 2002، وصولا الى أحكام محكمة العدل الاوروبية 2016، 2018 و2021. وخلاصة القول في كل هذا ان الصحراء الغربية هي اقليما مستقلا ومنفصلا عن المملكة المغرببة، مما يفرض على الامم المتحدة وبالخصوص مجلس الأمن مراجعة تعاطيها مع القضية انطلاقا من أن الوجود المغربي هو احتلال بكل المقاييس الموضحة في ميثاق الأمم المتحدة مما يستوجب انهائه. وفي هذا الإطار لابد من التدخل العاجل لفك الحصار المضروب على المناطق التي يحتلها المغرب وإطلاق سراح الأسرى المدنيين، الكشف عن مصير المفقودين، ضمان حرية التعبير ووقف عمليات النهب المستمرة للثروات الطبيعية.
وثاني الأمور، انه مطلوب من السيد دي مستورا ايضا الا يجانب الحقيقة التي لا رجعة فيها للدولة الصحراوية وطنيا، اقليميا ودوليا وإجماع الصحراويين حول هذا الخيار وتشبثهم بالدفاع عنه، والذي عكسته مطالب حشود الجماهير التي كانت في استقباله. لقد حسم اعلان الجمهورية الصحراوية سنة 1976 مسألة السيادة على الاقليم بالاستجابة لإرادة شعب الاقليم في الاستقلال، كما شهدت على ذلك بعثة تقصي الحقاق الاممية في تقريرها سنة 1975، وملئ الفراغ القانوني الذي تركه انسحاب اسبانيا. هذه الدولة تمتلك الآن كل المقومات الحضارية والعلاقات الواسعة المتميزة، وهي عضو مؤسس للإتحاد الافريقي وتتمتع بكامل الحقوق داخله الى جانب المملكة المغربية التي قبلت باحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار للدولة الصحراوية مثلما تنص على ذلك المادة الرابعة من الميثاق التأسيسي للاتحاد. ان وجود الدولتين على قدم المساواة في الاتحاد الأفريقي وبحدودهما المعترف بها دوليا يجعل دور الاتحاد اساسي في اي عملية سياسية انطلاقا من سيادة الجمهورية الصحراوية على كامل الصحراء الغربية.
اما ثالث الامور، فنأمل ألا يتجاهل دي ميستورا، ان المملكة المغربية تشكل مصدر تهديد دائم للأمن والاستقرار ليس للمنطقة فحسب بل كذلك لإفريقيا وأوروبا. والسبب في ذلك يعود الى الاستبداد والتسلط الذي شب عليه نظام الحكم في هذا البلد وامتهانه للابتزاز وعمل العصابات ولا غرابة في ان يشيب عليه، لا من حيث اطماعه التوسعية، التي يأتي احتلاله للصحراء الغربية ضمنها، ولكن ايضا دعمه للجريمة المنظمة والعابرة للقارات باعتبار المغرب أكبر منتج ومصدر للقنب الهندي. وهنا لابد من تنبيه اولئك الذين يشجعون النظام في المغرب على المزيد من التهور ان ذلك لا يخدم مصلحة المنطقة ولا تطلعات شعوبها التواقة للعيش في سلام دائم في ظل العدل والاحترام المتبادل.
هذه نقاط اساسية نتمنى من السيد دي مستورا ان يأخذها بعين الاعتبار في تقييمه المنتظر كي يكون منصفا ويخرج عن المألوف بالالتزام بالشفافية بدل ابقاء التقييمات حبيسة رفوف الرقابة والوصاية.