غير أن المتابع للتحولات السياسية والاجتماعية في المشهد الصحراوي مؤخرًا، لا بد أن يلاحظ بروز شعار جديد، لافت في مضمونه وسياقه: "كلنا إبراهيم غالي"!!. شعار يبدو لأول وهلة دعمًا معنويًا لرئيس الدولة والأمين العام للجبهة، لكنه، يُثير أسئلة نقدية حول طبيعة هذا التحوّل من الولاء للفكرة إلى الولاء للشخص، ومن النضال الجماعي إلى التمركز حول الزعامة الفردية. من الشعار الوطني إلى التماهي الشخصي
"كل الوطن أو الشهادة" كان ـ ولا يزال ـ شعارًا يتجاوز الأشخاص، ينزع القداسة عن القيادات، ويضع الوطن في مركز القضية. أما "كلنا إبراهيم غالي"، فقد جاء كردّ فعل سياسي، في لحظة توتر داخلي، ليتحوّل تدريجيًا إلى شعار إقصائي، يُستخدم أحيانًا لنزع الشرعية عن أي صوت معارض، وكأن من لا يُعلن ولاءه للرئيس علنًا يصبح موضع شك في وطنيته.
وهنا تكمن المفارقة الخطيرة: أن يتحوّل القائد من رمز نضالي، إلى مرجعية مطلقة لا يجوز نقدها، وأن يُقاس الانتماء الوطني بمدى الاقتراب أو الابتعاد عن شخصه.
هذا التحوّل لم يأتِ من فراغ، بل تغذّيه عدة عوامل:
_ بعض أنصار الشعار يبررونه بحالة "الاستهداف" التي يتعرض لها الرئيس، ويرون في الالتفاف حوله شكلًا من أشكال "الصمود السياسي".
ضعف المؤسسات الرقابية، و غياب التداول الديمقراطي الحقيقي داخل المؤسسات و تحوّل القيادة إلى "شخص"، لا إلى منظومة، وربط مصير القضية بمصير الرجل الواحد.
_ "التماهي مع الزعيم" باعتباره عامل استقرار، حتى لو كان ذلك على حساب النقاش والنقد.
_ الانهيار الرمزي لبعض القيم الثورية و تآكل الثقة في قدرة المشروع الوطني على التجديد.
فالنقد ليس خيانة... بل مسؤولية، يمليها الواقع، حسب متطلبات المرحلة.
ومن الاهمية بمكان، هنا، التأكيد أن نقد هذه الظاهرة لا يعني مهاجمة الرئيس، ولا التقليل من رمزيته التاريخية، بل هو محاولة لفصل ما هو وطني عن ما هو شخصي، وما هو ثوري عن ما هو انفعالي. القضية الصحراوية أكبر من أي فرد، والتاريخ أكبر من أن يُختزل في اسم مهما علا شأنه.
وإذا كان إبراهيم غالي نفسه قد تربّى في مدرسة شعار "كل الوطن أو الشهادة"، فإنه ـ من موقعه القيادي ـ أول من يجب أن يُدرك خطورة تحوّل ولاء الجماهير من الفكرة إلى الشخص، ومن المشروع إلى الفرد.
بقلم : سلامة مولود اباعلي