القائمة الرئيسية

الصفحات

صعود اليمين الأوروبي: تداعيات على الهجرة والعلاقات مع العالم العربي ودول الجنوب


الأوروبية – خاص – بابوزيد لبيهي : في ظلّ التحوّلات السياسية الأخيرة التي تشهدها أوروبا ، يبرز صعود التيارات اليمينية و الشعبوية كأحد أبرز التحديات التي تواجهها القارة، ليس فقط على صعيد السياسات الداخلية، بل أيضاً في علاقاتها مع العالم العربي وبخاصة في ملف الهجرة واللجوء. هذا التوجه، الذي يزداد اتساعا في عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يحمل في كنهه مخاطر جسيمة على حقوق المهاجرين و يهدد الاستقرار الاجتماعي، و يمس المبادئ التأسيسية للمشروع الأوروبي ذاته.
لمقاربة هذا الموضوع لابد من تفكيك اهم التحولات السياسية التي شهدتها اوروبا في السنوات الأخيرة .
بعد صعود التيارات اليمينية والشعوبة واستلامها الحكم في العديد من دول الإتحاد  هرولة في تهافت محموم الى اصدار العديد من القوانين والإجراءات التي تمس موضوع الهجرة ، وان اختلفت هذه الإجراءات في ظاهرها في بعض بلدان الاتحاد الا انها تحمل ذات المضمون الذي يمس بدون شك وضع المهاجرين في أوروبا.
سنحاول تناول ابرز النقاط من خلال هذا المقال على سبيل مقاربة هذا الموضوع و معالجة اهم هذه التحولات .
من بين الموضوع الساخنة و المطروحة اليوم للنقاش ، والتي اثارت جدلا واسعا  لدى النخب وفي الشارع السياسي بشكل عام اقدم عدد من دول الإتحاد مؤخرا على إعتماد توجها اكثر تطرفا في موضوع الهجرة واللجوء  ما انتج تحولات جذرية مست وضع المهاجرين واللاجئين بالقارة العجور ، وفي ما يلي اهم هذه المتغيرات.

 تشديد سياسات الهجرة: من الانكفاء إلى العدائية
باتت الأحزاب اليمينية تروج لخطاب يربط بين الهجرة و تفاقم الأزمات الاقتصادية و الأمنية، مما أدى إلى تبني سياسات أكثر تشدداً، مثل:

إغلاق الحدودوتعطيل آليات التضامن الأوروبي في استقبال اللاجئين، كما في حالة بولندا و المجر.
تقييد شروط اللجوءو تسريع عمليات الترحيل، حتى إلى دول تشهد نزاعات مسلحة أو انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.
التشريع ضد الاندماج، عبر تقييد لمّ الشمل، وتقليص برامج تعليم اللغة والتمكين الاقتصادي للمهاجرين.
هذه الإجراءات لا تتناقض مع مبادئ الاتحاد الأوروبي في حماية حقوق الإنسان فحسب، بل تهدد بتحويل أوروبا إلى قلعة منغلقة، تتنصل من مسؤولياتها الدولية تجاه النازحين جراء الحروب والأزمات التي تساهم سياسات بعض دولها في تفاقمها.

 

تأجيج الخطاب المعادي للمهاجرين: تداعياته على التماسك الاجتماعي

لم يعد الخطاب اليميني يكتفي بطرح سياسات هجرة صارمة، بل تحوّل إلى أداة لتبرير التمييز والعنف ضد الجاليات العربية و المسلمة و جاليات دول الجنوب، على سيبل الذكر لا الحصر.

تطبيع الخطاب العنصري، وربط الإسلام “بخطر التطرف” بشكل تعميمي، مما يزيد من حوادث الكراهية.
تقييد الحريات الدينية، كحظر النقاب أو التدخل في شؤون المساجد، تحت ذرائع “الحفاظ على الهوية الوطنية”.
استغلال الأزمات الاقتصاديةلتصوير المهاجرين كـ”منافسين على الموارد”، رغم دورهم الحيوي في قطاعات العمل الأوروبية.
هذا المناخ لا يهدد المهاجرين فقط، بل يقوّض أسس التعايش في مجتمعات كانت تُعتبر نموذجاً للتعددية الثقافية.

 

انعكاسات على السياسة الخارجية: من حقوق الإنسان إلى البراغماتية القاسية  

باتت الحكومات اليمينية تعطي أولوية لـ”وقف تدفق المهاجرين” على حساب المبادئ الأخلاقية، مما أدى إلى:

 

التعاون مع أنظمة استبدادية، مثل إبرام صفقات مع نظام الأسد تحت غطاء “مكافحة الهجرة غير النظامية”.
إضعاف الدعم للدول المضيفة للاجئين(كالأردن ولبنان)، رغم دورها في استيعاب ملايين النازحين.
تآكل الموقف الأوروبي الموحد،حيث تتصاعد الخلافات بين دول ترفض استقبال اللاجئين وأخرى تعاني من تبعات سياسات الجوار المشتركة.
 

هل من أفق للتعافي؟

رغم هذا المشهد القاتم، فإن صعود اليمين ليس قدراً محتوماً. ففي دول مثل ألمانيا و السويد، ما زال التيار المؤيد لسياسات هجرة أكثر إنسانية يحظى بنفوذ معتبر ، كما أن منظمات المجتمع المدني و التحالفات السياسية التقدمية تواصل الضغط من أجل حلول تعتمد على التضامن بدلاً من الانكفاء.

لكن الخطر الأكبر يكمن في تحوّل الخطاب اليميني إلى “سياسة رسمية” تعيد تعريف هوية أوروبا على أساس الهوية الانعزالية، مما سيكون له تداعيات طويلة الأمد على العلاقات مع العالم العربي ودول الجنوب بشكل عام، وعلى مصير آلاف المهاجرين العالقين بين مطرقة الحروب في أوطانهم و سندان سياسات الرفض الأوروبي.

لم يتوقف قطار اليمين عند هذه المحطة ، بل سعى بشكل ممنهج الى الذهاب ابعد من ذلك في حربه المحمومة على ملف الهجرة واللجوء فقد تطورت التغييرات والإجراءات التي اتخذها أو يخطط لها الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة واللجوء، بناءً على أحدث المستجدات حتى عام 2026:

تشديد إجراءات الترحيل وتسريعها
قواعد أكثر صرامة: إلزام طالبي اللجوء المرفوضين بالتعاون في عمليات ترحيلهم، مع فرض عقوبات مثل مصادرة الوثائق أو الاحتجاز في حال عدم الامتثال.
الاعتراف المتبادل بقرارات الترحيل: أي قرار ترحيل صادر من دولة عضو سيكون ساريًا في جميع دول الاتحاد، لمنع انتقال المرحّلين إلى دول أخرى.
زيادة معدلات الترحيل: حالياً، لا يُنفذ سوى 20% من قرارات الترحيل، والهدف رفع هذه النسبة عبر تحسين التنسيق مع دول المنشأ باستخدام أدوات ضغط مثل منح التأشيرات أو التعاون الاقتصادي.
إنشاء مراكز ترحيل خارج حدود الاتحاد الأوروبي
مراكز العودة الخارجية: تخطط المفوضية الأوروبية لإنشاء مراكز خارجية لاحتجاز المهاجرين المرفوضين قبل ترحيلهم، بالتعاون مع دول ثالثة (مثل موريتانيا أو مصر). هذه الخطوة تهدف إلى تقليل العودة غير القانونية لأوروبا.
انتقادات حقوقية: تخشى منظمات مثل “منظمة العفو الدولية” من انتهاكات حقوق الإنسان في هذه المراكز، خاصة مع غموض آليات الإشراف عليها.
إصلاح نظام اللجوء الأوروبي (حزمة 2026)
فحص حدودي مشدد: سيخضع طالبو اللجوء القادمون من دول ذات معدل اعتراف باللجوء أقل من 20% لفحص سريع على الحدود، مع احتجازهم في مراكز خاصة أثناء الفحص.
توزيع المسؤولية بين الدول الأعضاء: إلزام الدول الأقل تضرراً باستقبال حصص من اللاجئين أو تقديم دعم مالي للدول “الواجهة” مثل إيطاليا واليونان.
–نظام “يوروداك”: قاعدة بيانات موحدة لتسجيل بصمات وبيانات طالبي اللجوء، لتعقب تحركاتهم ومنع تقديم طلبات متعددة في دول مختلفة.
تصنيف دول المنشأ الآمنة وتوسيعه
تسريع إجراءات اللجوء: سيتم إدراج دول مثل المغرب والجزائر وتونس ضمن قائمة “الدول الآمنة”، ما يسهل رفض طلبات لجوء مواطنيها وترحيلهم بسرعة.
خفض المساعدات الحكومية: تقليص الدعم المقدم للمهاجرين المطلوب منهم مغادرة الأراضي الأوروبية.
تعزيز التعاون مع دول العبور والمنشأ
صفقات جديدة: أبرم الاتحاد الأوروبي مؤخراً اتفاقات مع تونس و موريتانيا ومصر لمراقبة الحدود ومنع تدفق المهاجرين غير النظاميين.
–ضغوط دبلوماسية: استخدام العلاقات الاقتصادية وتأشيرات السفر كأدوات لضمان تعاون هذه الدول في استعادة مواطنيها.
تعزيز الأمن الداخلي والرقابة
توسيع سلطات الشرطة: السماح بتخزين عناوينIP لمدة 3 أشهر لتعقب المجرمين.
مراقبة الحدود: استخدام التكنولوجيا (مثل البصمات والطائرات دون طيار) للكشف عن التهديدات الأمنية.
انتقادات وتحديات:
مخاوف إنسانية: تحذيرات من أن الإجراءات الجديدة قد تزيد معاناة اللاجئين، خاصة مع تقليص المسارات القانونية للجوء .
هذه التغييرات تعكس تحولاً نحو سياسات أكثر تشدداً في التعامل مع الهجرة، مع التركيز على الأمن والحد من التدفق غير النظامي، لكنها تثير جدلاً حول التوازن بين الضوابط وحقوق الإنسان.
ختاماً:  
لا يمكن فصل أزمة الهجرة عن جذورها السياسية والاقتصادية. فطالما استمرت النزاعات وانعدام الفرص في العالم العربي ودول الجنوب ، سيظل الناس يبحثون عن ملاذ آمن. لكن بدلاً من معالجة الأسباب، تختار أوروبا اليمينية بناء الجدران. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لقارة عانت من الحروب والعنصرية أن تتحول إلى حصن منيع ضد من يطلبون الأمان؟ أم أن قيم الانفتاح والتعددية ستنجح في كبح هذا التحوّل؟
اوروبا امام تحدي حقيقيي يمس تكريس المبادىء والقيم التي تأسس عليها الإتحاد او الدخول في مرحلة جديدة.

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...