تستعرض دراسة صادرة عن المكتب الصحراوي لتنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام “SMACO”، بالتحليل أهم آثار استخدام الجيش المغربي للطائرات المسيّرة على الضحايا المدنيين في المناطق المحررة من الصحراء الغربية ما بين سنة 2021 إلى 2024، وذلك من خلال استبيان على الضحايا والبيانات المتعلقة بهم.
عرج التقرير الصادر قبل أيام، وتحوز “الشروق” نسخة منه، على جذور الأزمة في الصحراء الغربية، والتي كانت مستعمرة إسبانية، إلى حين تخلي مدريد عنها، سنة 1975، ومن ثمّ، احتلالها من طرف المغرب، حيث جاء فيه “تخلّت إسبانيا عن الصحراء الغربية عام 1975، مما أدى إلى احتلال مغربي شمالًا وموريتاني جنوبًا بموجب “اتفاقية مدريد الثلاثية”، التي أُعلن لاحقًا بطلانها قانونيًا. واتفق البلدان الإفريقيان على تقسيم الأراضي، ما أسفر عن صراع مسلح دام 16 عامًا بين المغرب، موريتانيا، وجبهة البوليساريو، التي تأسّست كحركة تحرر وطني. ونبّه التقرير إلى أن الشعب الصحراوي ينتظر الأمم المتحدة لأكثر من ثلاثين عاما لتأخذ على محمل الجد حجم المشكلة والعواقب المحتملة، كانت ثلاثون عاما من الانتظار أمام أفق مسدود.
تلك العقود الثلاثة من وضعية الحرب والسلم، انهارت عندما شن المغرب عدوانا عسكريا، الجمعة 13 نوفمبر 2020 في منطقة الكركرات” جنوب غرب الصحراء الغربية، حيث كان المدنيون الصحراويون يتظاهرون سلميا. ووفقًا للملاحظين، فإن الهجوم يعد انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في عام 1991.
أدى التوتر في “ثغرة الكركرات” غير الشرعية إلى اندلاع المواجهات في الصحراء الغربية، منهياً بذلك ثلاثة عقود من وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، والتي فشلت في تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في إجراء استفتاء لتقرير المصير.
التعاون العسكري المغربي – الصهيوني وتأثيره الإقليمي
أكد التقرير، أن حدة النزاع في شمال إفريقيا ازدادت بعد الشراكة الأمنية بين المغرب والكيان الصهيوني ضمن “الاتفاقات الإبراهيمية”، حيث استورد المغرب طائرات مسيّرة هجومية، مما أدى إلى تصعيد العمليات العسكرية واستهداف المدنيين. ومنذ 2022، تكثّفت الزيارات المتبادلة بين الضباط الصهاينة والمغاربة في مجالات عسكرية واستخباراتية وأمنية سيبرانية .
تُشكّل الهجمات المغربية على الشعب الصحراوي تهديدًا للاستقرار الإقليمي، إذ تسعى من خلال استخدام الطائرات المسيّرة إلى فرض سياسة ترهيب قد تجرّ المنطقة إلى صراع مفتوح. وبحسب المراقبين، لم يلتزم المغرب بمبادئ التمييز والتناسب والضرورة العسكرية في هجماته، مما يفاقم المخاطر. ويمثل استيراد المغرب لهذه التقنيات العسكرية المتطورة خطرًا مباشرًا على أمن المنطقة، فيما تعكس الزيارات المتكررة للضباط الصهاينة تنسيقًا إستراتيجيًا قد يزيد من حدة التوترات ويعيق جهود التكامل السياسي والاجتماعي بين شعوب المنطقة. وقد أبرم المغرب عدة اتفاقيات مع دولة الاحتلال أبرزها التزويد وصناعة طائرات مسيّرة ذات المهام المختلفة أبرزها الانتحارية. ولقد توالت زيارات ضباط سامين صهاينة للمغرب منذ مارس 2022 حتى الأخيرة التي قام بها قائد سلاح الجو للمغرب الجنرال تومر بار في أواخر شهر فيفري 2023 وذلك لإضفاء صفة تفعيل بعض الاتفاقيات الإستراتيجية.
كما رافق مراحل هذه الاتفاقيات تبادل لزيارات للأراضي الفلسطينية المحتلة من طرف ضباط مغاربة أبرزهم قائد سلاح المدفعية والمفتش العام للجيش المغربي. هذا التعاون المشبوه بعضه غير معلن وهو يشمل الشراكة في العمل الاستخباراتي والأمن السيبراني.
استخدام الطائرات المسيّرة في النزاعات.. الأبعاد القانونية والإنسانية
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في استخدام الطائرات المسيّرة (الدرون) في العمليات العسكرية، مما أثار جدلًا قانونيًا حول مدى توافقها مع القانون الدولي الإنساني. توسعت ساحة المعركة لتحقيق مكاسب سياسية، مع تراجع مبادئ التمييز والتناسب، حيث بات قصف المدنيين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ممارسة شائعة. يُعيد هذا الاستخدام العشوائي الجدل حول مشروعية الحرب الجوية، خاصةً مع ما سبّبته الطائرات المسيّرة من كوارث إنسانية. ورغم عدم وجود حظر صريح على استخدامها في القانون الدولي، فإن المادة 36 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف تلزم الدول بالتأكد من توافق الأسلحة الجديدة مع القوانين الدولية.
يؤكد التقرير، أن تداعيات الطائرات المسيّرة تتجاوز الخسائر البشرية، إذ تؤدي إلى نزوح قسري، تفاقم الأوضاع الإنسانية، وزيادة معدلات التوتر والخوف بين السكان، مما يجعل التدخل الإنساني والدبلوماسي ضرورة ملحّة للحد من معاناة المدنيين وحماية حقوقهم.
غير المغرب يستخدم ذخائر تقليدية
تشير التقارير إلى أن الطائرة المسيّرة التركية Bayraktar TB2، التي يستخدمها المغرب، مجهزة بصواريخ MAM جو-جو، القادرة على إصابة أهداف على مدى 8 إلى 14 كم. كما يمكن تزويدها برؤوس حربية متنوعة، تشمل التجزئة، الضغط الحراري، والتراكمي، مما يزيد من قدرتها التدميرية. وقد تم العثور على بقايا ذخائر الطائرات المسيّرة التركية وعرضها في متحف الجيش الصحراوي، مما يعزّز الشكوك حول نوعية الأسلحة المستخدمة. وقد أظهرت مشاهد صادمة جثثًا متفحمة بالكامل في مواقع الهجمات، في مناطق مختلفة، حيث كان من الصعب التعرف على بعض الجثث.بعد تحليل الصور الميدانية، أصبح من الواضح أن هذه الهجمات استهدفت مدنيين أبرياء باستخدام ذخائر غير تقليدية، مما يرجّح إمكانية استخدام الذخائر الحرارية، التي تسبّب احتراقًا شديدًا يؤدي إلى الوفاة الفورية، ما يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية حول طبيعة هذه العمليات العسكرية.
أكثر من 123 هجوم مغربي في أربع سنوات الأخيرة
تمكّن مكتب SMACO من التحقق من إجمالي 123 هجوم خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهو ما يكشف عن تصعيد مستمر ودموي في المنطقة. وقد كانت سنة 2021 هي الأكثر دموية، حيث شهدت 38% من مجموع الهجمات، أي نحو 47 هجومًا في عام واحد، مما يعكس طفرة غير مسبوقة في العمليات العسكرية. تشير هذه المعطيات إلى تحول استراتيجي في أسلوب الحرب، حيث أصبحت الطائرات المسيّرة أداة رئيسية في تنفيذ الهجمات المدمّرة في مختلف المناطق من الصحراء الغربية. ومع كل غارة، كانت الطائرات تتنقل بلا رحمة فوق الأراضي، مستهدفة كل شيء في طريقها، مما زاد من قسوة الحرب على المدنيين. إن هذا التصعيد لم يعد مجرد سلسلة من الهجمات العسكرية، بل أصبح تجسيدًا حقيقيًا لواقع مرير يحصد الأرواح ويترك خلفه أراضي محطمة وأناسًا بلا مأوى، دون أدنى اعتبار لحياة الأبرياء.
صحراويون وموريتانيون في مرمى “الدرونات”… والمسافرون أكثر عرضة للهجمات
تعكس الأرقام المروّعة حجم الدمار الذي خلّفته هذه الهجمات، حيث تم استهداف ما يقارب 300 شخص، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مما أسفر عن سقوط أكثر من 160 ضحية بين قتيل وجريح. وتكشف هذه الأرقام عن معدل فتك مرتفع، إذ بلغت نسبة الشهداء بين الضحايا إلى 63%، ما يؤكد أن هذه الضربات لم تكن مجرد عمليات استهداف، بل كانت إعدامات جماعية بصواريخ لا ترحم. لقد تحوّلت الهجمات إلى مجازر صامتة، حيث لا يترك القصف فرصة للنجاة، فتتساقط الأجساد في صمت، وتمتزج رائحة البارود بصرخات المكلومين. في هذا المشهد الدموي، لا يبدو أن الهدف كان مجرد الضرب، بل الإبادة، حيث أصبحت كل غارة حكمًا بالإعدام، وحوّلت الأرض إلى مساحات من الحطام والرماد، تُرثى فيها الأرواح التي لم يُكتب لها أن تُكمل رحلتها.
ويمثل الصحراويون 123 ضحية، أي أكثر من 47 % من مجموع الضحايا، ويشكّل الموريتانيون 88 ضحية، أي 33% من إجمالي الضحايا، والضحايا الآخرون من جنسيات مالية وسودانية، وهم في الغالب عابرو سبيل أو باحثون عن لغمة العيش، تشير الإحصاءات إلى أن 49% من مجموع الضحايا هم من المسافرين، مما يؤكد أن الهجمات لم تكن عشوائية، بل استهدفت بشكل رئيسي حركة التنقل ونقل البضائع. ويعكس هذا النمط من الاستهداف محاولة ممنهجة لشلّ حركة الأفراد وزيادة الأعباء المعيشية على اللاجئين الصحراويين، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، وخلق حالة من الخوف وعدم الاستقرار، قد تؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادي وترسّخ عزلة المنطقة عن محيطها.
وقعت 60% من الهجمات على المدنيين في الجزء الجنوبي من الصحراء الغربية، لا سيما في المناطق الواقعة شرق الجدار، مما يعكس تصعيدًا عسكريًا ممنهجًا. ويؤكد هذا النهج استمرار استهداف هذه المناطق كجزء من إستراتيجية تهدف إلى فرض واقع ميداني جديد، من خلال تكثيف الضربات، مما يزيد من هشاشة الوضع الأمني ويعزز احتمالات اندلاع مواجهة أوسع.
أسفرت الهجمات عن خسائر مادية كبيرة، شملت تدمير أكثر 104 مركبات مختلفة مملوكة لصحراويين وموريتانيين أساسا، والبنية التحتية، ومئات من رؤوس الماشية. كما فقدت العديد من الأسر البدوية والريفية مصادر رزقها الرئيسية، مثل مئات الإبل والأغنام، مما أجبرهم على النزوح خوفاً من المزيد من الهجمات.
استهداف ممنهج للأطفال والنساء
يمثل الأطفال 5% من الضحايا، وهي نسبة منخفضة نسبيًا ولكنها تظل مأساوية، ففي 25 نوفمبر 2021، قُصف 8 أطفال في وقت واحد أثناء بحثهم عن ملجأ آمن مع عائلاتهم، مما يعكس استهدافًا مباشرًا للمدنيين.
كما تعرضت آلاف الأسر للنزوح، حيث غادر ما بين 30 ألفا و40 ألف شخص منازلهم. وغالباً ما أدت قلة المساعدة الطبية إلى وفاة المصابين، نظراً لغياب خدمات الإغاثة والدعم الطبي. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التكنولوجيا المتطوّرة، فمن المناسب التذكير في هذا السياق أنه وفقًا لمسح نتائج الهجمات التي نفذّتها الطائرات المغربية بدون طيار ضد المدنيين، يمكن إثبات بالأدلة والبراهين ما يلي: تمت كل هذه الاعتداءات في مناطق صحراوية مكشوفة، تمتد على أراضٍ قاحلة وجدباء تفتقر تمامًا إلى الغطاء النباتي، مما يجعل الرؤية واضحة والمساحات مكشوفة بشكل كبير. في ظل هذه الظروف، يصبح من السهل للغاية التحقق من أدق التفاصيل، بدءًا من ألوان وأشكال المركبات، وصولًا إلى الأمتعة الشخصية للضحايا ووسائلهم، الأمر الذي يتيح تمييزًا دقيقًا بين الأهداف العسكرية والمدنية. ورغم هذا الوضوح، فإن تلك الاعتداءات لم تميز بين الأبرياء والمستهدفين، مما يعكس واقعًا مأساويًا يفاقم من معاناة السكان في هذه المناطق النائية.
وقعت هذه الهجمات في مناطق تقع على بعد عشرات الكيلومترات من الجدار المغربي ومن الواضح أيضا أن هؤلاء المدنيين لا يشكّلون أي تهديد للجيش المغربي، ولا هم بالقرب من مكان الاشتباكات العسكرية. وذلك يعززه أن 65٪ من الهجمات وقعت مباشرة على خطوط الحدود الدولية، وعلى سبيل المثال، وقعت هجمات بالطائرات المسيّرة المغربية في مناطق في الجنوب تبعد عن الجدار المغربي بأكثر من 100 كلم في منطقة أحفير الحدودية الموريتانية الصحراوية، كما تم استهداف المدنيين في الشمال بأكثر من 90 كلم في منطقة عين بنتيلي الصحراوية الموريتانية.
ضرب مناطق لا ينشط فيها الجيش الصحراوي… دليل نية المغرب في استهداف المدنيين
وشدّد التقرير على أن هذه الهجمات وقعت في مناطق لا ينشط فيها الجيش الصحراوي، مما يعني أن العديد من الضحايا مكثوا لعدة ساعات وأيام دون أن تقدم لهم خدمات المساعدة الطبية والإجلاء. وما قضية أمبارك السباعي مع صديقه الذي قتل في إمريكلي، حيث مرت أكثر من 23 يومًا من دون الاستفادة من دفن لائق وكريم، حسب تصريح صديق له وقد تأكد مكتب SMACO من هذه المعلومة بالتواصل مع أرملة الشهيد. ويخشى أصدقاء وأقارب الضحايا المغامرة من أجل إجلاء الضحايا خوفًا من تعرضهم للقصف بطائرات مسيّرة مغربية، كما هي الحال مع الشاب ديديه محمود أهويبيتا حيث تعرض للهجوم مباشر بصاروخ في أثناء محاولته مساعدة بعض الضحايا الذين استشهدوا في 24 نوفمبر 2022 في آحفير الحدودية الصحراوية الموريتانية
كما أن هذه الاعتداءات والهجمات تسبّبت في نزوح جماعي للسكان الأصليين باتجاه مناطق أكثر أمانًا، ووفقًا للحكومة الصحراوية، فإن آلاف الأشخاص كانوا يعيشون بشكل مستمر أو متقطع في الأراضي المحررة في مجتمعات صغيرة بالتفاريتي وامهيريز وآغوينيت وميجك وبئر لحلو اضطروا إلى مغادرة خيمهم ومنازلهم قسراً بسبب هذه الهجمات العشوائية أو دخول الأراضي الجزائرية، بينما فر آخرون إلى الأراضي الموريتانية. جاء هذا النزوح نتيجة العنف الذي مورس ضدهم من خلال هجمات الطائرات بدون طيار من المغرب، والتي ولّدت، كما هي الحال في أماكن أخرى، إحساسًا بالرعب بين الرجال والنساء والأطفال، مما أدى إلى ظهور ظواهر القلق والتوتر والصدمة بين السكان.