القائمة الرئيسية

الصفحات

في ذكرى التخلص من البرنامج النووي الليبي.. خبايا الصفقة التي أنهت “حلم القذافي"


تصادف اليوم الجمعة 19 ديسمبر الذكرى الثانية والعشرون لإعلان نظام القذافي تسليم البرنامج النووي؛ ففي عام 2003، فاجأ النظام العالم بإعلانه الطوعي التخلي عن برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل (النووية والكيميائية والبيولوجية)، في خطوة وصفها المراقبون حينها بـ”صفقة النجاة” التي هدفت إلى حماية نظام القذافي من مصير مشابه لنظام صدام حسين في العراق.
وبمرور أكثر من عقدين على هذا القرار التاريخي، تكشفت تفاصيل جديدة وشهادات استخباراتية تزيح الستار عن “القصة الكاملة” للمشروع النووي الليبي؛ من البدايات الطموحة في صحراء تشاد، مرورا بشبكات التهريب الدولية، وصولا إلى لحظة الانكشاف والمفاوضات السرية في أقبية لندن وواشنطن.

تسعة أشهر من السرية
لم يكن القرار وليد اللحظة، بل جاء تتويجاً لمفاوضات ماراثونية بالغة السرية استمرت تسعة أشهر بين طرابلس وواشنطن ولندن.
وبحسب تصريحات سابقة لسيف الإسلام القذافي، فإن القرار كان يهدف إلى “تجنب أي تهديدات غربية وأمريكية على وجه الخصوص”، حيث كانت الأجواء في المنطقة مشحونة برائحة البارود عقب الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003.
كابوس “السيناريو العراقي”
وأشارت تقارير استخباراتية إلى أن القذافي، الذي شاهد سقوط بغداد واعتقال صدام حسين، الذي تم قبل أسبوع واحد فقط من إعلان القذافي، أجرى حسابات سريعة ومعقدة، وأدرك، وفقا لمحللين، أن الاحتفاظ ببرنامج نووي غير مكتمل قد يكون “تذكرة دعوة” لتدخل عسكري أمريكي، وليس رادعا له.
وأكد مسؤولون كبار في المخابرات الأمريكية والبريطانية أن ضباطا منهم قاموا بزيارات سرية لليبيا في شهري أكتوبر وديسمبر 2003، وعقدوا اجتماعات في ساعات متأخرة من الليل مع القذافي نفسه.
وخلال هذه الزيارات، سُمح للغربيين بزيارة مواقع حساسة، وتصوير أجهزة طرد مركزي، وحتى معاينة صواريخ كورية شمالية متطورة.
وقال مسؤول أمريكي شارك في تلك الزيارات: “لقد سمحوا لنا بزيارة الأماكن بحرية، وهو أمر ما زلنا نعتبره غير عادي”.
شبكة “عبد القدير خان”
وفي أكتوبر 2003، اعترضت السلطات الإيطالية، بعد عملية استخبارية، بتنسيق أمريكي، السفينة الألمانية “بي بي سي تشاينا” (BBC China)، والتي كانت تحمل شحنة من مكونات أجهزة الطرد المركزي المتجهة إلى ليبيا، والتي تبين أنها جزء من صفقة مع شبكة العالم النووي الباكستاني الشهير “عبد القدير خان”.

وكشفت التحقيقات أن ليبيا كانت قد اشترت، عبر السوق السوداء، تكنولوجيا نووية متقدمة وتصميمات لرؤوس حربية، فيما وصف بأنه “برنامج نووي جاهز للتركيب”.

واعترف مسؤول أمريكي شارك في تحليل البرنامج الليبي قائلاً: “كان أهم ما كشفوه لنا هو أجهزة الطرد المركزي.. كان هذا حجر الزاوية في اعترافهم”.

اعترافات متأخرة لدولة الاحتلال

وفي سياق كشف المستور، برزت شهادات حديثة لدولة الاحتلال اعترف فيها قادة في “الموساد” بأنهم كانوا بعيدين عن فهم مدى تقدم البرنامج الليبي.

وفي شهادة نادرة لرئيس قسم الأبحاث السابق في المخابرات العسكرية للاحتلال، أمنون صفرين، أقر بأن اكتشاف البرنامج كان مفاجأة، مشيرا إلى أن الليبيين نجحوا في إخفاء البنية التحتية النووية ببراعة داخل “مدرسة ومزرعة ريفية”.

وزعم صفرين أن عائلة “تينر” السويسرية لعبت دوراً محورياً في تزويد ليبيا بالمعدات عبر سندات شحن مزورة، قبل أن تتحول المعلومات الخاصة بهم إلى وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، مما جعلهم عملاء مزدوجين أسهموا في فضح الشبكة. وأكد صفرين أن القذافي “أدرك أن مصيره سيكون مثل صدام حسين” إذا لم يتخلص من هذا العبء.

من “دولة مارقة” إلى شريك
بموجب الصفقة، دمرت ليبيا مخزوناتها من الذخائر الكيميائية، وسلمت معدات البرنامج النووي، بما في ذلك آلاف أجهزة الطرد المركزي، إلى الولايات المتحدة، وانضمت لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.
في المقابل، جنى نظام القذافي ثمارا سياسية واقتصادية فورية؛ فقد رُفعت العقوبات الدولية التي خنقت الاقتصاد الليبي لسنوات، وعادت كبرى شركات النفط الغربية مثل “إكسون موبيل” و”شل” للاستثمار في الحقول الليبية، كما تحولت ليبيا من “دولة منبوذة” إلى شريك يحظى بزيارات من قادة الغرب، مثل توني بلير وكوندليزا رايس، وحصلت على مقعد غير دائم في مجلس الأمن عام 2008.
وأكد مستشار المعهد الملكي البريطاني، سعد جبار، أن القرار كان يهدف بالأساس إلى “الحفاظ على وجود النظام السياسي الليبي”، وهو ما نجح فيه القذافي لعدة سنوات، حيث تحولت بلاده إلى حليف في مكافحة الإرهاب وملف الهجرة، قبل أن تعصف ثورة 17 فبراير 2011 بنظامه، ليدخل الملف النووي طي النسيان، أو هكذا ظن الجميع.
إرث غامض
وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2023 عن اختفاء 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي من موقع في جنوب ليبيا، قبل أن تعلن قوات حفتر العثور عليها لاحقاً.
المصدر: وكالات

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...