القائمة الرئيسية

الصفحات

رعونة سياسية في بروكسل للالتفاف على قرارات المحكمة العليا

     


منذ أن أصدرت محكمة العدل الأوروبية أحكامها التاريخية بشأن اتفاقيات الصيد والزراعة، بات الاتحاد الأوروبي أمام اختبار حقيقي لمدى احترامه لسيادة القانون داخل منظومته. فقد أكدت المحكمة، وبشكل لا يقبل التأويل، أن الصحراء الغربية إقليم منفصل ومتمايز عن المغرب، وأن أي اتفاق يشمل موارده الطبيعية لا بد أن يتم بموافقة الشعب الصحراوي عبر ممثله الشرعي، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو).

لكن المفوضية الأوروبية، بدلاً من الانصياع لهذه المبادئ القضائية الواضحة، اتجهت إلى ما يمكن وصفه بـ سلوك سياسي أرعن، يسعى للالتفاف على قرارات محكمتها العليا عبر مناورات سياسية وقانونية مكشوفة.

أولاً: تجاهل صريح للتمييز القانوني بين المغرب والصحراء الغربية

أشارت المحكمة الأوروبية بوضوح إلى أن المغرب والصحراء الغربية "بلدان منفصلان ومتمايزان"، وأن وجود المغرب في الإقليم لا يمنحه الحق في توقيع اتفاقيات تشمل موارده أو سواحله.
ومع ذلك، تصرفت المفوضية وكأن هذا الحكم غير موجود، محاولةً إعادة إدماج الإقليم داخل الاتفاقيات التجارية والزراعية عبر صيغ سياسية سطحية لا تغيّر شيئاً من حقيقة الوضع القانوني للإقليم.

ثانياً: استشارات شكلية ومحاولات إضفاء شرعية زائفة

في محاولة لتجاوز شرط المحكمة المتعلق بـ"موافقة الشعب الصحراوي"، لجأت المفوضية الأوروبية إلى ما تسميه "استشارات محلية"، شملت مؤسسات وجهوية مغربية لا تملك أي صفة سياسية أو سيادية في الإقليم.
هذه الخطوة لم تكن سوى محاولة زائفة لتصنيع شرعية بديلة، بينما الممثل القانوني الوحيد المعترف به دولياً هو البوليساريو.

وبذلك، تحاول المفوضية أن تقدّم للمحكمة وللرأي العام الأوروبي صورة مصطنعة لوجود "قبول محلي"، بينما الحقيقة أن هذا القبول صادر عن أطراف لا تمثل الشعب الصحراوي ولا تعبّر عن إرادته السياسية.

ثالثاً: ازدواجية معايير أوروبية فاضحة

يحرص الاتحاد الأوروبي في مواقفه الخارجية على تصوير نفسه كمدافع عن الشرعية الدولية وحقوق الشعوب. لكن حين يتعلق الأمر بالصحراء الغربية، نرى ازدواجاً خطيراً في الخطاب:
فمصالح لوبيات الصيد والزراعة في فرنسا وإسبانيا تفرض على المفوضية سياسة تتجاوز أحكام المحكمة، بل وتحاول تحريفها أو إفراغها من مضمونها.

وهكذا تتحول أوروبا من قوة قانون إلى قوة مصالح، ومن نموذج مؤسساتي إلى نموذج براغماتي لا يتردد في التخلي عن المبادئ عندما تتعارض مع مصالح اقتصادية.

رابعاً: ضرب لمبدأ سيادة القانون داخل الاتحاد الأوروبي

إن تجاهل المفوضية لقرارات المحكمة العليا ليس مجرد خلاف إداري، بل هو تهديد مباشر لأساس الاتحاد الأوروبي: فوقية القانون.
إذا كانت أعلى هيئة قضائية في الاتحاد تصدر أحكاماً نهائية، ثم تعمل المفوضية على الالتفاف عليها، فما الذي يضمن أن احترام القانون سيبقى قاعدة ملزمة لغيرها من المؤسسات أو الدول الأعضاء؟

إن هذا السلوك الأرعن لا يضع مصداقية المفوضية فقط على المحك، بل يهزّ أحد أهم الأعمدة التي يقوم عليها الاتحاد.

خامساً: الصحراء الغربية ليست ملفاً اقتصادياً بل قضية تصفية استعمار

تحاول بعض دوائر بروكسل التعامل مع الإقليم باعتباره مساحة اقتصادية قابلة للإدماج في اتفاقيات الصيد والزراعة، متجاهلةً حقيقة أنه آخر قضايا تصفية الاستعمار في إفريقيا.
وبالتالي، فإن موارده ليست "مزايا تجارية"، بل حقوق سيادية لشعب لم ينل بعد حقه في تقرير المصير.

التجاهل المتعمّد لهذه الحقيقة لا يساهم فقط في خرق القانون الدولي، بل يطبع وضعاً غير قانوني ويمنح المغرب غطاءً اقتصادياً لا سند له.


وخاصة القول، إن ما تقوم به المفوضية الأوروبية اليوم في ملف الصحراء الغربية ليس مجرد خطأ تقديري، بل سلوك سياسي أرعن كامل الأركان، هدفه الرئيسي الالتفاف على قرارات المحكمة العليا مهما كان الثمن.
لكن ما تحاول المفوضية تجنّبه اليوم سيعود ليفتح أمامها غداً أزمات قانونية وسياسية أكبر، لأن الحقيقة القانونية لا يمكن دفنها تحت مصالح اقتصادية طارئة.

وتبقى الحقيقة الثابتة التي لا تغيرها المناورات:
الصحراء الغربية إقليم منفصل عن المغرب، وممثل شعبها الشرعي هو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
وأي اتفاق لا يحترم هذا الأساس سيظل باطلاً قانونياً، مهما حاولت بروكسل تغليفه سياسياً.
سلامة مولود اباعلي

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...