القائمة الرئيسية

الصفحات

الشهيد الولي: من تأسيس الحركة الى إعلان الدولة.

 


1- مقدمة:
ونحن على مشارف تخليد الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، لابد ان نستحضر جانبا من ظروف وملابسات تلك المرحلة، وما سبقها منذ تأسيس جبهة البوليساريو وإعلان الكفاح المسلح، وصولا الى تاريخ اعلانها 27, وتشكيل اول حكومة صحراوية، لعلنا نجد جوابا شافيا للسؤال التالي:
هل كانت فكرة اعلان الدولة الصحراوية، تجسيدا للخطة الاستراتيجية التي رسمها الشهيد الولي ورفاقه، وشرعوا في تنفيذها منذ الوهلة الأولى، ام كانت مجرد فكرة من وحي أحد رفاقه، لسد الفراغ الذي خلفه انسحاب الاستعمار الاسباني؟
هذا السؤال المحوري تجيب عنه الوقائع الملموسة على الأرض، فيما سياتي في سياق ما سنتطرق له لاحقا. 
2- تأسيس جبهة البوليساريو، وإعلان الكفاح المسلح، زلزال القرار الصعب.
تعددت الأسباب واختلفت التفسيرات حول دوافع إعلان الكفاح المسلح، بعد اقل من عشرة أيام على تأسيس جبهة البوليساريو، مثلما تباينت حول دواعي الخلاف المبكر بين الرفاق.
لقد شكلت انتفاضة الزملة التاريخية 17 يونيو 1970, جسر العبور الى مرحلة متقدمة من كفاح الشعب الصحراوي، ستشهد بزوغ عهد جديد.
 وكشف قرار اعلان الكفاح المسلح, مآلات المتأخرين عن الركب، وطموحهم لإعادة انتاج ارستقراطية جديدة على حساب معاناة شعبهم.
 هي اذن حرب ضد الاستعمار، وضد المناوئين لها من الارستقراطيين الجدد، حرب حمل مشعلها الشهيد الولي مصطفى السيد، وخاض غمارها مع رفاقه، فكان دائما في المقدمة، يقود المقاومة في مختلف الجبهات نحو تجسيد المشروع الوطني الذي يحلم به.
يقول الشهيد الولي في خطاب الأطر: "ان خصائص الواقع المرفوض هي التي تحدد خصائص وغايات الواقع المطلوب، المتمثلة في شعب منظم ملتحم قادر ومحترم في وطنه" مؤكدا ان تلك الخصائص مجتمعة "لا يمكن ان تتحقق خارج الوطن".
ان استراتيجية الشهيد الولي لا تستشف من خطاباته التي لم يصلنا منها الا النزر القليل، بل تتجلى ايضا بشكل ملموس في المكاسب الاستراتيجية التي أنجزها في ظرف زمني قياسي.
3- الجيش الشعبي: أداة التحرير ومدرسة الأجيال.
شكلت النواة الاولى لجيش التحرير الشعبي الصحراوي الحجر الأساس الذي قام عليه صرح المشروع الوطني، وتحول في ظرف قياسي الى مركز جذب واستقطاب، حيث الولاء للوطن وحده، ومعيار القيادة للكفاءة والاستعداد للتضحية. 
وشكل بالفعل مدرسة وطنية لمختلف الاعمار، تلقن هندسة الأرض وفنون القتال، والقدرة على الصبر والتحمل، والاستعداد للتضحية في سبيل الكرامة والحرية.
يقول الشهيد الولي:
 "القبلية هي العدو الداخلي الذي يتربص بنا، لا يمكننا بناء وطن ونحن لا نزال نفكر بمنطق القبيلة أو العشيرة، إن معركتنا ليست فقط ضد الاستعمار الخارجي، بل هي معركة ثقافية ضد مخلفات الماضي التي تفرق صفوفنا."
وباعتبارها بنية اجتماعية متخلفة تُعيق تأسيس هوية وطنية موحدة ونظام سياسي ثوري، فقد تم تجريمها، والتحريض على القضاء عليها لصالح تجسيد مفهوم الشعب المنظم والملتحم والقادر والمحترم في وطنه.
لقد حملت العمليات النوعية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي في: اكجيجمات وتفاريتي وكلب لحمار وغيرها، تباشير انبثاق العهد الجديد، الذي اضحى فيه الولاء للوطن, ولثورة 20 ماي، فاسحة المجال لحملات تأطير وتنظيم غير مسبوقة، لمختلف شرائح الشعب الصحراوي في خلايا وفروع على امتداد التراب الوطني وخارجه.
 هكذا احتضن الشعب الصحراوي ثورته بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، مجسدا مقولة الشهيد محمد العربي مهيدي "القوا بالثورة الى الشارع. يحتضنها الشعب".
لقد عجلت تلك التطورات المتسارعة من فك الارتباط مع الارستقراطية القبلية التقليدية، وقطع الطريق على الارستقراطيين الجدد، وإرساء أسس قطيعة تامة مع الاستعمار الاسباني.
4- ملتقى عين بنتيلي: الشرعية البديلة وإعلان القطيعة مع البنى التقليدية.
لم يكن ملتقى عين بنتيلي حدثاً عابراً، بل شكل محطة مفصلية لإنهاء الانقسام التنظيمي بين جبهة البوليساريو و"الجماعة الصحراوية".
 وفي ظل تسارع الأحداث بين عامي 1974 و1975، وتأثير ضعف الاستعمار الإسباني، وتقرير بعثة تقصي الحقائق الأممية، اتخذ الملتقى قرارات تاريخية:
- حل "الجماعة الصحراوية": ونقل شرعيتها الكاملة لجبهة البوليساريو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي.
- الوحدة الوطنية الشاملة: صهر القبائل في بوتقة الشعب الواحد، ونبذ الجهوية والعنصرية.
- رفض التقسيم: المطالبة بالانسحاب الإسباني المسؤول والفوري، ورفض مخططات التقسيم.
5- اكتمال أسس بناء الدولة :
وضعت جبهة البوليساريو بقيادة مؤسسها الشهيد الولي، مشروع الوحدة الوطنية هدفاً مركزياً لإقامة الدولة الوطنية، ولم يقتصر الأمر على الخطاب، بل تُرجم إلى هياكل تنظيمية وإدارية محددة.
لقد أحدث الشهيد الولي أربع آليات تنظيمية محكمة، كان هدفها التفكيك الممنهج للسلطة القبلية التقليدية، وإحلال مفهوم الشعب المنظم والملتحم والقادر والمحترم في وطنه محلها.
- إنشاء جيش التحرير الشعبي الصحراوي كوحدة، يتم فيها دمج الأفراد على أساس الولاء لثورة 20 ماي 1973, والاستعداد للتضحية. 
- إعادة هيكلة المجتمع الصحراوي في المخيمات على أساس الجوار، وتعزيز الصهر الاجتماعي في الإطار السياسي من خلال الخلايا والفروع، وفي الميدان الإداري من خلال اللجان والدوائر والولايات.  
- إنشاء اتحادات على أساس المهنة أو الفئة العمرية أو الجنس: اتحاد الشباب والطلبة، اتحاد العمال، اتحاد المرأة الصحراوية (المنظمات الجماهيرية).
- إدراج نصوص صريحة في القانون الاساسي للجبهة، تجرم وتحظر أي شكل من أشكال الممارسات القبلية أو الجهوية داخل هياكل الجبهة والدولة الصحراوية، وإضفاء الشرعية القانونية على معاداتها، في التشريع والوثائق التأسيسية.
5- خلاصة:
وعند تمحيص هذه الوقائع، نجد أن الإجابة تفرض نفسها بوضوح، فلم يكن إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، مجرد فكرة طارئة أو اقتراحاً عابراً، بل كان تجسيدا لاستراتيجية متجذرة في فكر الشهيد الولي منذ اللحظات الأولى لتأسيس ثورة 20 ماي. 
إن المنهجية التي اتبعها الشهيد الولي في تفكيك البنى القبلية، واستبدالها بهياكل إدارية وتشريعية (الجيش الشعبي، التنظيم السياسي الدوائر والولايات، المنظمات الجماهيرية) تثبت أنه لم يكن يسعى لتأسيس حركة تنتهي بمجرد خروج المستعمر، بل كان يخطط لبناء كيان دولة كاملة الأركان. 
هذه العبقرية التنظيمية تؤكد أن حلم الدولة كان هو المحرك الأساسي لكل خطوة كان يخطوها، وما كان إلتفاف الرفاق حولها إلا تجسيداً لقناعة جماعية بضرورة تحويل الثورة من ظاهرة كفاح، إلى مشروع وطني سياسي وسيادي، يحمي الشعب الصحراوي من التشتت والضياع.
تصعيد القتال لطرد الاحتلال واستكمال السيادة.
محمد المامي التامك

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...