القائمة الرئيسية

الصفحات

المرأة التي هي أنا أكثر مني...


ليس من حقي الحديث عن علاقتي ب( خديجة حمدي) ...ولكنني استقبلت من الرسائل والتعليقات ما جعلني أوضح سبب كتاباتي عن هذه الأم الفاضلة والرائعة.. إذ وأكد أن سبب ذلك ليس لكونها وزيرة أو زوجة رئيس أو إحدى الشخصيات المرموقة في دولتنا... 
لكن السبب يمكن في كونها شخصية قلما يوجد لها شبيه أو نديد. 

في مرحلة التعليم الإعدادي، كنت مولعة بالكتابة ولكنني كنت دائما أشعر بالعجز.. نعم عاجزة عن ترجمة مشاعري ونقل أفكاري للآخرين، سمعتهم مرة يقولون: ( إن أردت أن تكون كاتبا كن قارئا)، لم أكن أملك حينها كتبا ولا أعلم من أين سأحصل على كتب لتطوير قدراتي في الكتابة، وتزويد ملكتي الأدبية!!! فبحثت حينها عن رقم هاتف خديجة حمدي.. لا أعرف كيف خطر في بالي التواصل مع خديجة شخصيا، المهم بعث لي أحد أساتذتي رقم هاتفها، فكتبت لها رسالة نصية: أهلا الأستاذة خديجة، معك فلانة، تلميذة من متوسطة الشهيد الزين، أحب أن أقرأ عن الوطن، ولكن لم أجد كتبا؛ فهل بإمكانك مساعدتي ؟
لم أكن أتوقع أن شخصا بمكان وزير سترد على رسالة طفلة صغيرة لم تتجاوز الخامسة عشر ربيعا بكل تواضع... ولم أكمل أسبوعا حتى فوجئت بطرد داخله أربعة كتب ورسالة خطية.. منذ ذلك اليوم أصبحتُ استقبل رسائل اطمئنان من خديجة وغالبا يكون محتواها:  ابنتي العزيزة، كيف حالك و كيف تسير أمور الدراسة؟ أتمنى لك التوفيق والنجاح. 

في 2012 شاركت مجموعتي المسرحية في مسابقة " المسرح الوطني للطفل " في ولاية 27 (بوجدور حاليا)، وفي اليوم الثالث والأخير، ألقت حينها خديجة حمدي الكلمة الختامية، شكرت من خلالها كل الفرق المسرحية بإستثناء مجموعتي التي شاركت في الحدث تطوعا...ولم تكن خديجة حمدي على علم بمشاركة فرقتي، وأن تلك الفتاة التي غادرت المكان غاضبة لعدم ذكر وتقدير مجموعتها هي نفسها التي تتواصل معها عبر الرسائل النصية.

بعد مرور عام دون تواصل أو لقاء منتظر، وبينما كنت منهمكة في انشغالات المنزل، فوجئت بقراءة رسالة نصية من خديجة تدعوني للحضور لفعاليات اليوم الوطني للشعراء بمقر وزارتها، كدت لا أصدق ما أقرأ، كيف لا وأنا أحلم بلقاء خديجة، ربما هي سانحة لنلتقي وجها لوجه، فأنا مثلكم جميعا كنت لا أرى خديجة إلا في شاشات التلفاز، أو أسمع خطاباتها عبر أمواج الأذاعة الوطنية، أو أحيانا أسمعهم يصفون شخصيتها بالمرأة المثقفة والمتميزة، لم يكن أمامي سوى أن ألبي الطلب.

انطلقت رفقة ابن خالتي صوب ولاية الشهيد الحافظ ولم تكن الطريق مريحة كما هي اليوم؛ فالمنعطفات والرمال كانت معوقة لسير المركبة..وهكذا وصلنا متأخرين، وألفينا القاعة غاصة بالحاضرين؛ شعراء ووزراء وأعضاء الحكومة والسفراء والممثلين والفنانين والولاة.. تفاجأت؛ ماذا أفعل هنا؟!!  ما محلي من الإعراب!!!،  ماذا أفعل أنا بين السياسيين ورجال الدولة وأنا مجرد تلميذة في الثاني ثانوي ؟!!!  تساؤلات شتى حاصرتني وشغلتني وأنا أتأمل المشهد. 

انتهى الحدث وتسابقت الصحافة الوطنية والعالمية نحو خديجة، ولم أجد فرصة واحدة للقاء بها، حاولت بكل الوسائل، تارة يتغلب علي الخجل، وتارة أخرى يشغلها الآخرون..محاولات كثيرة قبل أن أكسر حاجز الخوف والقلق والتوتر.. وضعت يدي على كتفها، التفتت إلي، تأملت، فقالت: أأنت ابنتي جتوهة؟ لم تكن تعرف خديجة سوى اسمي فقط، ولم تستطع أن تعرف تفاصيل وجهي؛ ففي تلك اللحظة نادى أحدهم باسمها وأخبرها أن أحد المعتقلين السياسيين القادمين من الأرض المحتلة ليس بخير، فأسرعت خديجة لتطمئن على صحته، أمّا أنا فقررت العودة إلى ولاية آوسرد. وبينما كنت اتفقد هاتفي حال وصولنا نقطة المراقبة الخاصة بالولاية فإذا برسائل واتصالات من خديجة: 
جتوهة ، أين أنت؟ !!
أبحث عنك في كل مرافق الوزارة، أين أنت ؟!! 
وأنا اقرأ هذه الرسائل، انتابني شعور مليئ بالحب، شعور عامر بالأمومة والصداقة الطيبة... ما هذا التواضع يا خديجة!
كيف تخافين كل هذا الخوف على طفلة لا تعرفين عنها شيئا؟! 
وصلت إلى البيت ... اتصلت خديجة مرة ثانية، لامتني كثيرا. واللهِ هذه أول مرة أسمع خديجة وهي غاضبة... وقبل انتهاء المكالمة وعدتني أننا سنلتقي فور عودتها من رحلة العلاج بكوبا.. وتمضي الأيام والأشهر... ويتوفى زوجها الرئيس...ثم أبوها وأمها – رحمهم الله جميعا– كل هذه الفواجع حدثت في وقت قصير قبل أن ينقطع الاتصال بيننا. 

لقد كانت خديجة حمدي إنسانة بكل معنى الكلمة....تحب الناس من قلب مخلص وجميل لايعرف الضغينة...أبيض يقف من الآخرين كأنه الطبيب المداوي... لقد كانت تتواصل معي
دون أن تعرف أنا بنت من ومن أي قبيلة أو عشيرة ...وأثناء رحلة علاجها في كوبا كانت تتواصل معي كأنني أختها أو ابنتها أو فرد من عائلتها، ورغم مرضها كانت تحملني معها إلى كل مكان كأنني الملاذ والدواء، بل وكأنني الحنان الذي تبحث عنه. 
نعم لم يحدث اللقاء، ولكن ما زالت تلك الأسلاك الخفية تنقل صداقة نادرة ومحبة عظيمة ووفاء دائم، وكما يقول المثل الصحراوي « الصاحب الا صاحب لگفى». 
جتوهة مصطفى رمضان

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...