في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى "عيد العرش"، عاد ملك الإحتلال المغربي ليكرر العبارات المألوفة حول نزاع الصحراء الغربية، مدعيا إستعداد بلاده لقبول "حل لا غالب فيه ولا مغلوب"، وحل "يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف". ورغم محاولته تسويق هذه العبارات على أنها مؤشرات مرونة سياسية، فإن الواقع يفضح زيفها، لأنها تأتي من نظام لا يزال يحتل أراضي الغير، ويُمعن في سياسات القمع والإستيطان والتعطيل الممنهج لأي مسار حقيقي لتقرير المصير.
من المؤسف أن المغرب يحاول اليوم الظهور بمظهر الطرف المسالم الباحث عن حلول، متناسيا أنه هو من خرق إتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، وذلك عندما أقدم في نوفمبر 2020 على العدوان العسكري ضد المدنيين الصحراويين في منطقة الگرگرات. هذا الخرق الصريح أعاد المنطقة إلى مربع المواجهة، وأسفر عن إستئناف الكفاح المسلح من قبل الجبهة ، وهو ما كبد (ولا يزال) جيش الإحتلال المغربي خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. وعادت الحرب إلى الصحراء الغربية، ولكن في ظروف مختلفة: إرادة صحراوية أشد صلابة، وجيش إحتلال منهزم معنويا وماديا.
هذه العودة إلى خيار المقاومة المسلحة ليست رغبة في الحرب، بل كانت ردا مشروعا على تنصل المغرب من التزاماته الدولية، وإصراره على فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة. وهي التي أرغمته اليوم، كما في نهاية الحرب الأولى، على العودة للحديث عن "حلول توافقية" بعد أن تبين له أن لا نصر عسكري في الأفق، وأن الكفاح الوطني الصحراوي لا يقهر.
ونُذكر هنا بما قاله والده، الحسن الثاني، حين غامر بغزو الصحراء الغربية في سبعينيات القرن الماضي: "إنها جولة أسبوع". لكنه لم يكن يدرك أن الشعب الصحراوي ليس مجرد ضحية عابرة في سياق مغامرة استعمارية، بل شعب مصمم على النضال، متشبث بحقوقه، ومجمِع على انتزاع حريته واستقلاله الكامل فوق كل شبر من أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
خطاب ملك المغرب، كما أكدت جبهة البوليساريو وحكومة الجمهورية الصحراوية (في بيان صدر أمس) ، لا يُعد خطوة جديدة نحو الحل بقدر ما هو التفاف جديد على جوهر المشكلة. فالحديث عن حل "توافقي" يتجاهل أن هذا الحل سبق أن تم الإتفاق عليه سنة 1991، برعاية من الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية. وكان يتضمن تنظيم استفتاء حر ونزيه، يقرر فيه الشعب الصحراوي مصيره، وهو ما وافق عليه المغرب حينها، قبل أن يتنصل لاحقًا منه.
الخطاب الملكي جاء خاليا من أي التزام واضح بتنفيذ هذا الاستحقاق. فهل يعقل أن يتحدث المغرب عن حلول "عادلة" بينما يرفض تنفيذ اتفاق دولي قائم؟ وهل يُعتبر الحديث عن توافق حقيقي بينما لا تزال قواته تحتل الأرض، وتقمع الصحراويين، وتمنع عنهم أبسط حقوقهم السياسية والثقافية، الإجتماعية، الإقتصادية والإنسانية؟
من جهة أخرى، فإن موقف جبهة البوليساريو ظل ثابتا وشفافا: الشعب الصحراوي مستعد للسلام العادل، لكنه يرفض أي مساومة على حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. كما أنه على استعداد (ويده على الزناد) للدخول في مفاوضات جادة برعاية الأمم المتحدة، شريطة أن تكون دون شروط مسبقة أو محاولات فرض حلول أحادية الجانب.
إن الشعب الصحراوي لا يبحث عن انتصار ظرفي ولا تصفية حسابات، بل يسعى إلى إنهاء آخر استعمار في إفريقيا، وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، في كنف من العدالة والسيادة والكرامة. وهو بذلك لا يطلب أكثر مما يطلبه أي شعب حر: وطن مستقل، وحقه المشروع في العيش على أرضه دون احتلال.
إن أجيال الثورة التي نشأت في ظل اللجوء والأرض المحتلة والشتات مستمرة في الطريق، متشبثة بهدفها النهائي: استكمال السيادة على كامل تراب الجمهورية الصحراوية وبناء الدولة المستقلة، كما أرادها الشهداء، وكما تتطلع إليها الجماهير الصامدة في الأرض المحتلة وفي مخيمات العزة والكرامة والجاليات .
بقلم: يوسف محمد عبد القادر.