القائمة الرئيسية

الصفحات

خطاب الملك المغربي: دعوة للحوار أم هروب إلى الأمام؟

  


في ذكرى "عيد العرش"، أطلّ العاهل المغربي الملك محمد السادس على شعبه بخطاب حاول من خلاله تجديد لغة "الانفتاح" تجاه الجزائر، والتأكيد على ما اعتبره "تقدمًا نوعيًا" في ملف الصحراء الغربية. غير أن القراءة المتأنية لما ورد في الخطاب تكشف عن رسائل مزدوجة، ومناورات دبلوماسية، في ظل تحولات إقليمية ودولية لا تصب بالضرورة في مصلحة الطرح المغربي.
 الجزائر... الخصم الصامت في الخطاب
رغم أن العلاقات بين المغرب والجزائر مقطوعة رسميًا منذ 2021، ورغم غلق الحدود البرية والجوية والبحرية، فإن الملك محمد السادس اختار مرة أخرى التوجه "الودي" نحو الجارة الشرقية، عبر دعوة لفتح صفحة جديدة، واعتبار أن "الشعبين الجزائري والمغربي إخوة يجمعهم التاريخ والمصير".
غير أن ما بدا كدعوة للحوار يخفي في طياته تجاهلًا متعمدًا لأسباب القطيعة، وعلى رأسها:
محاولة المغرب زعزعة الاستقرار في الجزائر ودعم جماعات إرهابية لهذا الغرض.
التجسس عبر برنامج "بيغاسوس".
التطبيع مع إسرائيل وما تبعه من تنسيق أمني وعسكري.
الدعوة المغربية، بهذا المعنى، لا تتجاوز محاولة لرمي الكرة في ملعب الجزائر، في وقت تسعى فيه الرباط إلى تلميع صورتها إقليميًا ودوليًا، والظهور بمظهر الطرف "المرن".


 قضية الصحراء: خطاب انتصار أم تغطية على الجمود؟

الملك المغربي اعتبر أن المغرب يحقق "تقدمًا متسارعًا" في قضية الصحراء، واستشهد بمواقف فرنسا، والبرتغال، ودول أخرى تؤيد مخطط الحكم الذاتي. لكنه تجاهل تغيّر المزاج الدولي، وخاصة في واشنطن.
الخطاب ركّز على عبارة لافتة: "نحن مع حل سياسي واقعي وتوافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب". وهي عبارة تحمل في ظاهرها روحًا توافقية، لكنها في جوهرها تعني شيئًا واحدًا: الترويج لمقترح الحكم الذاتي الذي ترفضه الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، البوليساريو، باعتباره يكرّس الاحتلال ولا يضمن حق تقرير المصير.
بهذا المعنى، يمكن اعتبار العبارة نوعًا من الخطاب المراوغ، الذي يحاول تجاوز مأزق الشرعية الدولية، والإيحاء بأن الحل النهائي بات قاب قوسين أو أدنى، في حين أن الواقع على الأرض يشير إلى جمود المسار الأممي، وانقسام المواقف الدولية.
 تحولات إقليمية ودولية تضغط على المغرب
الخطاب الملكي جاء في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات عميقة:
الولايات المتحدة تتقارب مجددًا مع الجزائر، مدفوعة باعتبارات الطاقة واستقرار منطقة الساحل.
روسيا والصين تعززان من حضورهما في شمال إفريقيا، وهو ما يقلق باريس.
الجزائر تنشط دبلوماسيًا عبر تحالفات مع قوى صاعدة، وتستعيد دورها الإقليمي تدريجيًا.
في هذا السياق، يُفهم خطاب الملك كمحاولة لخلق توازن وهمي في وجه هذه التحولات، من خلال إبراز "الانتصارات الدبلوماسية" المزعومة، وتقديم المغرب كـ"شريك موثوق" للغرب.


 بين النوايا الظاهرة والحسابات الخفية

لا يمكن إنكار أن الخطاب الملكي جاء بأسلوب هادئ، وبلغة عاطفية تحاول تجاوز حالة التوتر. لكنه، في العمق، يعكس سياسة هروب إلى الأمام:

يتجاهل أسباب التوتر الحقيقي مع الجزائر.

يقدّم حلاً مرفوضًا كصيغة توافقية.

يروّج لتقدم وهمي في ملف الصحراء الغربية المحتلة، رغم الجمود الأممي.


إنها محاولة جديدة لإطالة أمد النزاع، لا لحله. محاولة لإظهار المغرب كطرف بنّاء، بينما يتمسّك بنفس الطرح الأحادي الذي لم ينجح طيلة عقود في إنهاء واحدة من أطول قضايا تصفية الاستعمار في إفريقيا.

 
بخلاصة، خطاب الملك محمد السادس لا يُقرأ في فراغ، بل في سياق تراجع الحماسة الدولية لمقترح الحكم الذاتي، وتنامي الدور الجزائري على المستوى الإقليمي والدولي. وبينما تحاول الرباط اللعب بورقة الانفتاح الإعلامي، تبقى الحقيقة أن الحل الحقيقي يبدأ بالاعتراف بوجود طرف آخر في المعادلة، واحترام قرارات الشرعية الدولية.
سلامة مولود اباعلي

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...