القائمة الرئيسية

الصفحات

هل يسمح شعب موريتانيا بعودة السفارة الصهيونية؟


الكل ينظر إلى موريتانيا، وينتظر على أحر من الجمر أن تجهض المخطط المخزني الصهيوني في منطقة شمال غرب إفريقيا وفي إفريقيا نفسها.
تعتبر موريتانيا منطقة تماس مهمة بين إفريقيا السمراء ومنطقة شمال غرب افريقيا أو المغرب العربي، وتمتاز بموقع استراتيجي مُهم بحكم معانقتها للمحيط الأطلسي وللساحل، كما تنام أراضيها ورمالها وصحاريها على مناجم ومعادن كثيرة.
هذا الموقع الاستراتيجي، وهذا الغنى في باطن الأرض جعل موريتانيا تشكل نقطة جذب ومحور استقطاب للدول الكبيرة، وللشركات العابرة للقارات، ومنذ زمن والتنافس على استقطاب موريتانيا قائما، لكن بصمت وفي الغرف المظلمة، وبعيدا عن الأضواء، إلا أن هناك عوامل طارئة مثل انحصار الدور الفرنسي في الساحل وإفريقيا، وطموح المشروع المغربي الصهيوني الاماراتي في المنطقة، والتنافس على نهب افريقيا قد تعجل بتفجر الصراع حول استقطاب موريتانيا والتنافس على كسب ودها بصفتها حجر الزاوية في كل المشاريع التي تهدف إلى ربط افريقيا جنوب الصحراء بالشمال وبقارة أمريكا.

هل استفادت موريتانيا من الاخطاء؟
في سنة 1975م، ارتكب رئيس موريتانيا، المختار ولد داده، خطأ فادحا بإخراجه لموريتانيا من محيطها وعمقها الاستراتيجي (الصحراء الغربية والجزائر)، والارتماء بها في حضن بلدين من أعداء إفريقيا هما فرنسا والمغرب، وزجه بشعبها المسالم في حرب ظالمة ضد شقيقه الشعب الصحراوي، واحتلاله لجنوب الصحراء الغربية. حين اشتدت الحرب ضد موريتانيا، تخلى عنها المغرب وفرنسا، وتركاها تواجه مصيرها المحتوم وحدها بنفسها، وبعد خروجها المشرف من الحرب، رفض المغرب وفرنسا مساعدتها اقتصاديا لتتعافى من آثار وجراح الحرب. الدرس الذي استخلصته موريتانيا، آنذاك، من تلك الحرب هي أن الخروج من محيطها ومن عمقها الاستراتيجي، وبحثها عن مصالحها مع أعدائها التاريخيين (المغرب وفرنسا) لم يجلب لها إلا الدمار والعار. الخطأ الثاني حدث سنة 1999م، عندما قرر رئيس موريتانيا آنذاك، ولد الطايع، تكرار خطأ ولد داده سنة 1975م بطريقة مختلفة: طبّع مع إسرائيل وأخرج موريتانيا من عمقها الاستراتيجي مرة أخرى. كما نلاحظ فإن خطأ ولد داده وخطأ ولد الطايع تسببا في كوارث وفي مصائب لموريتانيا ولدول الجوار أو العمق الاستراتيجي مثل الصحراء الغربية والجزائر ومنطقة الساحل. هذه الأخطاء آلتي أحرجت موريتانيا وأحرجت ضميرها من المفروض أن تكون عنوان أية سياسة سيتم انتهاجها في المستقبل.

10 سنوات من التطبيع تركت موريتانيا على حافة الدمار
في نهاية سنة 1999م، تم توقيع التطبيع بين موريتانيا والكيان الصهيوني، وحمل دعاة التطبيع الموريتانيون آنذاك-وهم قلة-شعار موريتانيا أولا.

قضت موريتانيا حوالي إحدى عشرة سنة مُطبعة مع الكيان الصهيوني، لكنها لم تحصل من التطبيع سوى على السراب والغبار والدمار. بقيت فقيرة، وتجمدت علاقاتها مع عمقها الاستراتيجي ومحيطها الطبيعي، وأكتشف الشعب الموريتاني أن حكومته سلخته عن عمقه المقاوم، وعن القضية الفلسطينية، أم القضايا بالنسبة للشعب الموريتاني.. هذا الدرس المرير من تجريب فشل التعامل مع الكيان الصهيوني عن طريق التطبيع، من المفروض أن يحصن موريتانيا من الوقوع من جديد في نفس الفخ وهو التطبيع.

دور نواقشوط الآن في إفشال المخطط المخزني الصهيوني
تشكل موريتانيا الآن حجر الزاوية في إفشال المخطط المخزني الصهيوني الاماراتي الذي يستهدف منطقة شمال غرب إفريقيا، ويستهدف دول الساحل ويستهدف قلب إفريقيا. حين طبّع المغرب علنا، وارتمى في أحضان الصهاينة سنة 2020م، كان يعتقد أن موريتانيا ستسقط في أيام معدودة، وتُطبّع مثله، ويبدأ تنفيذ المخطط الخطير الذي يستهدف إفريقيا كلها انطلاقا من موريتانيا. حتى يجر موريتانيا إلى حظيرة التطبيع، لجأ المخزن، بدعم من الكيان الصهيوني، إلى مخطط من شطرين: الأول، وضع على الطاولة الأموال الاماراتية السخية، ووضع لائحة من الوعود البراقة المغرية مثل تأهيل ميناء نواذيبو، بناء ميناء في لكويرة الصحراوية المحتلة، ربط موريتانيا بالمغرب وبأوروبا وبأمريكا وبإسرائيل ودول الخليج بحريا، والشطر الثاني هو التهديدات الصهيونية المخزنية بقلب النظام في موريتانيا، وبافتعال فتنة وحرب أهلية بين المكون الاسمر والمكون الأبيض. لكن رُب ضارة نافعة. فالدولتان اللتان تريدان من موريتانيا أن تطبّع الآن سبق وخدعتاها: خدعها المغرب سنة 1975م، وزج بها في حرب ضد جيرانها، وأخرجها من محيطها وعمقها الاستراتيجي، وخدعها الكيان الصهيوني سنة 1999م، واخرجها من محيطها الجغرافي، ومن عمقها العربي والإسلامي ومن دعمها التاريخي لفلسطين. كل هذه الأحداث تجعل من المنطقي أن تقاوم موريتانيا التطبيع والاغراءات الآن، لأنها لا تعدو كونها خدعة جديدة من دولتين خارجتين عن القانون ومعروفتين بجرائمهما.

هل يُعقل أن تُلدغ موريتانيا من جحر المغرب والكيان الصهيوني مرتين؟ بكل تأكيد لا، وإذا فعلت فتلك كارثة مستقبلية. تطبيع موريتانيا الآن مع الكيان الصهيوني، مثلما يتمنى المخزن، لا يُعد شأنا داخليا يخص موريتانيا وحدها، لكن له تداعيات على المنطقة كلها وعلى عمقها الاستراتيجي وعلى القارة الافريقية وعلى دول الجوار.

من حق موريتانيا، مثلما من حق أية دولة أخرى أن تفعل ما تريد، هذا شأن داخلي وشأن سيادي ولا أحد يريد التدخل فيه أو مناقشته، لكن بشرط أن لا يؤثر ذلك القرار على الجيران. إصرار المخزن والكيان الصهيوني على دفع موريتانيا، بالترعيب والترغيب، للتطبيع لا يهدف من ورائه إلى مساعدة موريتانيا أو جلب الازدهار لها بقدر ما هدفه جعلها قاعدة أمامية لتركيع قوى الممانعة في المنطقة مثل الجزائر والصحراء الغربية، ومحاولة تصفية القضية الصحراوية.

الآن اللحظة مناسبة أن تلعب موريتانيا دورها التاريخي في المنطقة، وتتحمل مسؤوليتها كدولة لها عمق استراتيجي كبير مساحته الجغرافية والبشرية واسعة جدا، تبدأ من وادي نون المحتل شمالا مرورا بوادي درعة، الصحراء الغربية، غرب الجزائر، شمال وغرب مالي. النقطة الثانية المهمة جدا والمنطقية هي أن العلاقة مع دول الجوار أو ما يسمى العمق الاستراتيجي يجب أن تُبنى على أسس صحيحة، وأن لا تنفخ فيها رياح الاهواء والاطماع. فإذا كانت موريتانيا قد اخطأت سنة 1975م ثم عادت إلى تطبيع علاقاتها مع عمقها الاستراتيجي سنة 1979م، وأخطأت سنة 1999م وجلبت الكيان الصهيوني إلى المنطقة ثم عادت إلى عمقها الاستراتيجي سنة 2010م فسيكون من الصعب أن تخرج الآن عن الصف مثلما يريد المخزن وتُقبل عودتها ذات يوم إذا اكتشفت إنها أخطأت مثلما حدث سنتي 1975م و1999م. صحيح، ستتعرض موريتانيا لحزمة من الضغوط تُمارس عليها من العرب والعجم، لكن في كل الحالات خسائر المقاومة والصمود مهما كانت مكلفة هي احسن من مكاسب الانبطاح.
كخلاصة، هل يمكن أن يسمح شعب موريتانيا الذي ثار وهدم سفارة الكيان الصهيوني ذات يوم أن تعود تلك السفارة إلى نفس المكان؟ هذا هو السؤال المطروح والزمن كفيل بالإجابة عنه.
الكاتب : السيد حمدي يحظيه 
المصدر: الشروق أونلاين 

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...