أراهم يركبون خيولا من ورق، يسابقون بها الريح في هذا العدم مقتنعين بأصالتها وهي لاتعدو كونها من رسم وخيال عالم الرقميات الذي لاوجود له إلا في الهواتف والحواسيب، يلتحفون بجلاليب شفافة لاتخفي الخواء بين ضلوعهم، يضعون أقنعة بعضهم يفضلها مظلمة علها تخفي عيوب وجهه النكرة، وبعضهم يتمتع ببعض من معدنية الملامح فيظهر كاسحا سافرا أقرب هو لمهرج شوارع منه لرجل يحمل هم أبناء وطنه.
الشأن الوطني ليس حكرا لأحد وإلا لما كان وطنيا، هو حق يمكن للجميع الخوض فيه، كل من الجانب الذي يرغب فيه، وهو بالتأكيد حمل عام يرتفع على أكتاف الجميع إذا رفعوه، يسمو بهم إذا تساموا به، يتضرر إذا وُجدت الثغرات في الصف، أو إذا حاد البعض عن مقومات التكاتف.
الحق في أن تتعامل مع الشأن العام لا يعني أن تتناقض مع سقف الأمان الذي يحتاجه الكل، ففي نهاية الأمر ما أنت إلا حبة رمل في كثبان الأهل، وحدك لاتساوي شيئا، ولا معنى له إذا تطاولت على المساحة الممنوعة من طرف الضمير الجمعي، ويصبح تعاطيك معه تافها ومارقا عن الكتلة إذا تماديت في غيك ونسيت آداب الكلام ولباقة اللغة وأهمية المحتوى.
لستُ قليل الغوص في بحر الوهم الأزرق، أُمارس الكثير من المشي في دهاليزه وطرقه المتشعبة الملتوية، غزارة وكم المعلومات وسرعة جريانها، والأمواج العاتية من التفاصيل والصور الثابتة والمتحركة، وما تجود به الثنايا من تعاليق، وعرمرم المتفاعلين والمعلقين كلها أشياء تمنع الحصول على المتعة والإستفادة، ونتيجة لذلك من الأفضل الإهتمام بمتابعة ما يدور هنا وهناك عن الشأن الوطني الصحراوي، وفي هذا الجزء من العالم الرقمي أحزنني الكثير مما لاحظته، لكن ما أصابني بالذهول مع التأسف هو تسيد فرسان الخواء وسيطرتهم وتواجدهم وعبثهم كتابة وصوتا وصورة بحالنا ومآلنا، وهم في حقيقتهم التي يعرفها الكثيرون منا لا يستحقون منا سوى أن ندعو لهم بالهداية.
من الأمور التي أشعر معها بالغثيان أن يقوم محاربي الهواء هؤلاء بالخلط بين الشعب والأشخاص، أن يتماهى لهم الكل مع الجزء، وفي حالات كثيرة تناقضهم الصارخ مع ما يبصقونه من أفكار، فمثلا يحاولون التشكيك في التمثيل الشرعي للتنظيم الوطني الثوري وفي نفس الوقت يتكلمون بإسم الشعب عموما ينثرون تفاهاتهم يمينا ويسارا وكأنهم هم من يمثله..... مسكين أنت أيها الشعب جرجرتك الأقدار ليتحدث عنك بعض من أدنى ما أنجبت.
يطول الحديث في تناول هذا التشابك الوهم وما يمطره علينا من محتوى، لكن وإحتراما لمقام المقال أقول: إنه سيتعب كثيرا من يحاول أن ينتقص من مكانة أهله عن علم ومؤامرة أو عن جهل وغفلة، الفروسية والرجولة لاتتأتي بركوب الأرقام، الشهرة بالضرر والعطب شهرة شيطانية سينتهي الأمر بصاحبها مشردا في شوارع الضمير العام يرميه الأطفال بالحجارة والعلب الفارغة ويبصق عليه الكبار الإهانة والتبخيس.
أرجو أن يفيق أبناء الشعب الصحراوي من سكرة التنافس في ملاعب الوهم، وأن يلملموا مالديهم من رصاص الكلمات، وسم العبارات وسهام الصور والتعليقات ويتوجهوا به صوب صدر الأعداء والغزاة، وختاما أتمنى من عميق جوارحي ان يترفع الجميع عن السباحة في الطين الأزرق وأن يتعمقوا بما فيه الكفاية في معنى كلمة (الود) من القول الشائع الحكيم (الخلاف لا يفسد للود قضية).
حمادي البشير