في العاشر من ماي، لا نستحضر تاريخًا فحسب، بل نستدعي روحًا، وعقيدة، ومسارًا نضاليًا بدأ ذات مساء من ربيع 1973 حين قرّر شعب أعزل أن ينتقل من خانة المنسيّ إلى مشهد الفعل، وأن يعلن أمام العالم أنه وُجد، وسيبقى، وأنه لا يُساوم على أرضه وهويته وكرامته.
إنها ليست مجرّد 52 سنة من الزمن، بل 52 سنة من الوجع والوفاء، من التشبث والوضوح، من بناء الكيان على ركام الشتات، ومن ترجمة الشعار الخالد إلى فعل يومي: "الثورة في الساقية الحمراء أعلنت، لأنه موجود شعب، حتما موجود شعب"
بهذه العبارة المدوية، لخّص مفجّر الثورة، الشهيد الولي مصطفى السيد، بوصلة المسيرة، محدّدًا جوهر المعركة: الإنسان. فالثورة لم تكن لحظة انفجار غضب، بل كانت لحظة وعي عميق بأن الاحتلال لا يُقاوم بالبيانات، وإنما بالفعل الجماهيري المنظّم.
وقد قالها بصدق لا يُضاهى: "إذا أردت حقك، يجب أن تخسى بدمائك، برفاهيتك، بكل شيء من أجل شيء واحد هو الكرامة."
تلك ليست مجرد عبارة، بل دستور للكرامة، ومنهج في التضحية، وعهد لا يُكسر.
لقد واجه الصحراويون محطات موجعة، من القصف والتشريد، إلى الحصار الإعلامي والسياسي، لكنهم ظلّوا واقفين كجذور أشجار الطلح، يُقاومون بالنفس الطويل، واليقين الراسخ. ليس لأنهم اعتادوا المعاناة، بل لأنهم آمنوا، كما قال الشهيد الولي، أن: "قضيتنا عادلة، ومادامت عادلة، فإننا سننتصر، مهما طال الزمن."
قضيتنا لم تصمد فقط بفضل البندقية، بل بصمود الفكر، بصلابة الموقف، بشجاعة الكلمة، وبإيمان شعبه أنه صاحب الأرض والتاريخ والمستقبل. كانت الثورة وما تزال، تعبّر عن الضمير الجمعي للصحراويين، وتقول بلسان حالهم: نحن هنا، ما زلنا نُقاوم، نُعلّم أبناءنا، ونحفظ وصايا الشهداء.
قال الولي ذات يوم: "نحن شعب ليس له ما يخسره، إلا قيوده. وشعب لا ينهزم، لأنه لم يُخلق لينكسر، بل خُلق ليصنع التاريخ."
52 سنة من الصمود ليست خاتمة الطريق، بل محطّة من محطات المسيرة. وكل عام في العاشر من ماي، يتجدد عهدنا مع الأرض والشهداء، مع المخيمات والشتات، مع الأسرى والأمهات، أن نُكمل ما بدأه الأوّلون، حتى تعود الراية إلى مكانها، خفّاقة فوق تراب حرّ، في وطن لا يُستبدل.
"لأن الثورة أُعلنت، لأنه كان هناك شعب، وحتماً... لا تزال مستمرة، لأنه لا يزال هناك موجود شعب، وحتما سيبقى موجود."
رحم الله الشهيد الولي مصطفى السيد وجميع شهدائنا الابرار.
سلامة مولود اباعلي