التصريح المذكور، السابق أصاب المغرب بالجنون، وفهم منه أن تغريدة ترامب قد ألغيت، وأن تأويلها سنة 2020م لم يعد هو تأويلها اليوم، وأن فتح قنصلية في الداخلة المحتلة أصبح مستبعدا، وأن تصنيف البوليساريو حركة إرهابية غير مطروح على الطاولة. حتى يخفف من وقْع التصريح المذكور، بدأ المخزن يلهث وراء مسعد بولس ليحصل منه على تصريح جديد يلغي التصريح السابق. حصل المخزن، فعلا، على مبتغاه، وعلى إجراء مقابلة مع بولس، بواسطة قناة " ميدي 1" المغربية، لكن النتيجة كانت نفسها. يقول بولس في تصريحه الجديد للقناة المغربية: “الولايات المتحدة عبّرت مراراً، وبوضوح تام، عن اعترافها الكامل بسيادة المغرب على الصحراء، كما أكد ذلك وزير الدولة في الخارجية ماركو روبيو الأسبوع الماضي، وهو الموقف نفسه الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب للعاهل المغربي محمد السادس سنة 2020م". لكن كيف تؤول الولايات المتحدة إعلان الرئيس ترامب سنة 2020م؟ يقول بولس في تصريحه للقناة المغربية: " إعلان ترامب كان واضحاً، ولا ينبغي أن تُؤخذ أي تصريحات خارج سياقها، أو تُخضع لأي تأويل أو تحريف. الموقف الرسمي الأمريكي قائم على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ودعم مقترح الحكم الذاتي باعتباره حلاً جاداً وموثوقاً وواقعياً لهذا النزاع”. نسطر تحت الكلمات: "الحكم الذاتي جاد، موثوق، واقعي"، لكن الكلمة السحرية التي كان يريد المغرب سماعها وهي " حل وحيد" تم استبعادها من التصريح الحالي والسابق.
يواصل بولس في تصريحه الجديد: "أي أخبار أخرى يتم تداولها بخلاف هذا الموقف لا تعدو كونها تقديرات مغلوطة ولا أساس لها من الصحة. إن الولايات المتحدة تنظر إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره “الإطار الوحيد للتفاوض على حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين"،. لنحلل الفقرة الأخيرة من التصريح: الحكم الذاتي هو الإطار الوحيد للتفاوض على حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين". في هذا الجزء من التصريح يقول بولس أن الحكم الذاتي هو الإطار-ليس الحل- الوحيد. هذا يحيل إلى أن نظرة الولايات المتحدة للحل ليست حاسمة، وأن عندها فقط مجرد تصور تم ربطه بسلسلة من الاشتراطات يصعب قبولها أو حتى التوفيق بينها في آن واحد، مما يوحي بالغموض كالعادة، واللعب على المفردات. كيف يمكن أن يكون الحكم الذاتي إطارا للتفاوض على حل مرتبط بشرط التفاوض عليه، ومرتبط بقبوله من الاطراف، وأن يكون عادلا وسياسيا؟ فمثلا، هذا الشرط ينتفي إذا تم رفضه من أحد الاطراف، وينتفي إذا لم يكون حقيقيا، وهو ما يؤدي إلى سحبه مباشرة .
في تقديري الشخصي أن المخزن حاول أن يؤثر على بولس، مستشار ترامب، كي يغير من تصريحه السابق، لكن النتيجة كانت واحدة، والفرق الوحيد هو أن الصفعة الأولى كانت باليمنى والآن باليسرى.
ملاحظة: هذا الرأي تم استنباطه من تحليل التصريحات والبيانات الأمريكية، ولا يجب اعتباره النظر إلى الواقع بنظارات بيضاء، أو تضليل الرأي العام الوطني حول الموقف الأمريكي. الهدف من هذا التحليل هو أن المغرب-إلى حد الآن-لم يحصل على موقف حاسم وواضح من ترامب في قضية الصحراء الغربية هو الذي كان يعقد عليه آمالا كبيرة. كان المغرب يريد تحقيق ثلاثة أهداف من لقاء الإدارة الامريكية: الأول، تعتبر الحكم الذاتي الحل الوحيد بدون مفاوضات مع أي طرف آخر؛ ثانيا يتم فتح قنصلية في الداخلة المحتلة؛ ثالثا: يتم اعتبار البوليساريو حركة ارهابية، وهذا ما لم يحصل عليه إلى حد الآن.
السيد حمدي يحظيه