القائمة الرئيسية

الصفحات


نعتذر عن عدم ذكر الدائرة أو المسجد الذي وقعت فيه هذه القصة، احترامًا لرغبة صاحبها الذي لا يريد أن يُفصح عن نفسه.
يقول صاحب القصة:
كنت إمامًا في أحد المساجد في ولاية السمارة، وأُعلِّم الأطفال القرآن الكريم خلال العطلة الصيفية. كان الأطفال يأتون لتعلم القرآن، بعضهم بجدية، وبعضهم لمجرد قضاء الوقت، لكن من بينهم كان هناك طفل مختلف تمامًا.
كان هذا الطفل يأتي قبل الجميع، وأحيانًا حتى قبل أن أصل أنا إلى المسجد. كان يجلس في زاوية المسجد يراجع حفظه بين الصلوات، وكأن المسجد بيته الثاني. لم يكن مثل باقي الأطفال، كان ملتزمًا ومثابرًا، وكان كلما وجد عملاً في المسجد يساعد فيه دون أن يُطلب منه.
كان بيته بعيدًا، ومع ذلك، لم يكن يغيب يومًا واحدًا. كنا نُدرّس بمقابل شهري قدره 20,000 لكنه كان دائمًا يأتي بالمبلغ متأخرًا، وأحيانًا ناقصًا. لم أعبأ بذلك، فقد رأيت فيه بذرة صالحة، ورجوت أن يكون من حفظة كتاب الله.
مع انتهاء الصيف وعودة المدارس، بدأ كثير من الأطفال يتركون الحفظ، لكنه جاءني وقال بثقة وعزيمة أريد أن أواصل حفظ القرآن.
رحبت به، واستمر في المجيء يوميًا، ملتزمًا كعادته. كنت قد قررت أن يكون تدريس الشتاء في سبيل الله، لكني لم أخبره بذلك بعد.
ثم لاحظت شيئًا غريبًا. بعد شهر من الانتظام، اختفى فجأة. لم يكن من النوع الذي يتغيب دون سبب، ولم يكن يترك الصلوات أبدًا، فبدأت أقلق. مرّ أسبوع، ولم يظهر، فسألت أحد أصدقائه عنه، فأرشدني إلى بيت أهله.
في اليوم التالي، بعد صلاة المغرب، ذهبت مع أحد الإخوة إلى منزله. استقبلنا والده، رجل كبير في السن، رحب بنا وأجلسنا. قدم لنا الشاي، ثم سألته عن ابنه.
نظر إلي بحزن وقال:
أنا مقاتل في الجيش، وتأخر راتبي هذا الشهر. طلب مني ابني 20,000 ليستمر في دروس القرآن، لكني لم أستطع توفيرها. قلت له أن يخبرك وينتظر للشهر القادم، لكنه استحى وقال لي: لن أذهب.
سألته:
وأين يصلي الآن؟
قال الأب:
صار يذهب إلى مسجد آخر في دائرة أخرى، فقط حتى لا يراك.
 لم أتمالك نفسي من البكاء، وكذلك الأخ الذي كان معي. قلت للأب :
يا حاج، والله إن تعليمي للقرآن كان لله، ولم أكن أريد من ابنك شيئًا. ليعد كما كان، وليحفظ كتاب الله دون قلق.
وفي اليوم التالي، عاد الطفل إلى المسجد، وعاد لحفظه كما كان. ظل متمسكًا بالقرآن، حتى أتمه كاملًا، واليوم هو من حفظة كتاب الله، بفضل الله وإرادته القوية.
لكن القصة لم تنتهِ هنا.
لقد كبر هذا الطفل، وأصبح شابًا فاعلًا للخير، يحمل القرآن في صدره وقلبه. وفي الصيف الفائت، عاد إلى نفس المسجد الذي تعلّم فيه، لكن هذه المرة لم يكن طالبًا، بل داعمًا ومعينًا. أتى وقدّم فاتورة جميع الطلاب، وتكفّل بتدريسهم جميعًا على حسابه الشخصي، حتى لا يُحرم أي طفل من تعلم كتاب الله بسبب المال، كما كاد أن يحدث معه في صغره.
رأيت فيه ثمرة التربية الصالحة، ورأيت كيف أن الله لا يضيع أجر من يُخلص له. وها هو اليوم، ليس فقط حافظًا لكتاب الله، بل ينفق من ماله ليحمله غيره، ليكون نورًا لأجيال بعده.

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...