القائمة الرئيسية

الصفحات


يقف السائق بعيدا عن سيارته ويصرخ " الرابوني.. الرابوني". خمسيني اصلع يرتدي "قشابية" أصبحت رمز الموضة الشتوية في مخيم الموضات المستوردة. ثرثار من طراز رفيع. موظف سابق من الجيل الثالث الذي آثر الإنسحاب والانخراط في رسملة الواقع الاقتصادي وشيوع قيم السوق الحر، بعدما قذفته معامل ومزارع الغربة وفنادقها!!
تتسع سيارة الأجرة لأربعة أشخاص...وإن كان حظك من السائقين؛ سائق جشع.. فالرفقة قد تزيد إلى راكب خامس. وهو كما جودة سيارة المرسيدس.. كالحظ في مخيمنا، يبدأ مع الميلاد ويرافقك حتى في سوق النقل الخاص.حيث يغزو المال والربح السريع والخوصصة... المساحات الترابية و المراكز المؤسساتية والطب والنقل والتعليم والمناصب!!
تسابق على الركاب.. صراخ في كل اتجاه.. شوارع ضيقة في صحراء مترامية الأطراف... شرطي بلباس الشرطة الباسكية "لارتشاينا"..يحاول بيأس تنظيم مرور؛ مرور لا يوجد من إشاراته إلا الافتراضي المخزن في رأس كل سائق، "وكلها شيخ راسو "!!
صعدت سيارة "ابصاجة".. صوب الرابوني ؛مركز الكون في اللجوء و المنفى..وحيث عوالم الثروة التي تغزو مسالك الثورة ومكتسباتها...بسعادة الأجيال الجديدة.. وحيث "الأشياء تتداعى" !!




واقفون على الرصيف.. في إنتظار "رفاد الباگي".. أو كما يسيمهم زوار "الكنطروات" من عمال الطبقات الشغيلة وكاديحي اللجؤ.. والموظفين الذين طحنتهم مراسيم الترقيات.. ولم يصلوا!!
موسيقى الراي.. رفيق الرحلة الإجباري.. فخدمة التوصيل.. تبقى تحت رحمة أذواق السائق المرهق بالتحليل و النقاش، و المثقل بسعر المازوت المتحرك بسرعة العجلات!!. فالسائق يمارس هواية القيادة ... قل ما تشاء، و نفعل نحن ما نشاء مطيعين. وغواية الإبتسامة الأولى، هي بمثابة فخ التوريط..
السياسة والحركيات والمؤامرات.. غلاء المهور و الأسعار والهجرة واستفحال مظاهر الفوضى و السقوط الاخلاقي والمخدرات ؛ هي محور نقاش اليوم الدراسي في جامعة "ابصاجة".. والرواد... صانعو حياة.. وباحثون.. عن رفاه اللحظة.. في مجتمع التباهي والطحن والاستدراك؟
وحدها "ابصاجة" وفي الطريق إلى المحج اليومي أو " كامينو دي سانتياغو"، تستطيع أن تقدم للجميع دروسا في التعايش.. وفي التناقض..والذي ينتهي احيانا دون الحاجة إلى فض الاشتباك!!
كنا أربعة...و كنت أوفرهم حظا.. حيث جلست بجوار السائق..الخبير والعالم في كل فن.. بينما جلس في مؤخرة السيارة.. شاب حالم.. خريج جامعة حديث..لا يفرق بين الفنان" بيكاسو" و البرنامج التجسسي "بيغاسوس".. يحدث القوم في أفق الصراع الدولي وحرب أوكرانيا....وتأثيراتها على كفاح الشعب الصحراوي... وهو ملتحي، خذله دين محمد بن سلمان وحداثية السعودية ، وقد جعل من موسيقى الراي الصاخبة والمزعجة بمنظوره ، معركة إثبات الوجود. فهو و "الجماعة" كالباحث عن نيزك في الصحراء. وتفسير ما يقع حولنا بمنظور فتاوى فقهاء بول البعير والسلطان، لم يعد يجدي نفعا ولا يكترث له أحد من الركاب كما المجتمع...
مسن يرتدي بدلة عسكرية، في حديثه شي من الجمال و كثير من التاريخ الناصع والخلق الرفيع، يوقظ فيك تمثلاث ماضينا، مخزن ذكرياتنا، الماضي الذي يسكن كل فرد في جغرافيا الشتات...
وجاءت متأخرة، موظفة في قطاع الإدارة.. اربعينية رفضت عرض المقعد الأمامي الذي قدمته لها. وفضلت مزاحمة الرجال في المقاعد الخلفية.. بخلفية المساواة بين الجنسين، فهي متطرفة لجدارة النساء... ومدافعة عن قضايا المرأة والمزاحمة والعدالة، ومن أشرس المناهضين لنظام الكوطة!!
أين اخبار البلاغات العسكرية؟ سأل المقاتل. ساد صمت مطبق ولم يجب أحد. فالحرب كما السلام؛ ماركة مسجلة للبعض دون الآخرين. وجميع الركاب وجل زوار الشهيد الحافظ والمستقرون به، مستقيلون من واقعه. وقد انجبت الظروف الجديدة، ميدانا للحرب، له رواده و أهله، و واقعا للسلام، له لغته وريتم حياته ومتطلباته ومعاركه وجيشه الذي يتعاظم كل يوم !!
بعد تجاوزنا مفترق الطرق المزدحم بأنواع ماركات السيارات أمام وزارة الداخلية، و بشق الأنفس، كسر صمتنا، صراخ السائق المتهور ،فقد كان يبطي حيث يجب أن يسرع، ويسرع أين يجب أن يبطي، و الذي بدأ في التحضير لرحلته الموالية؛
"بسم الله، إلاه فظتكم، و گظو هون، السحاب ملات بلد ابصاجة لقديم، ونحن اللا كيف ذا كامل، الي ما يتغير من نفسو وبإرادتو، يبدلو الزمن و الطبيعة بسيف عليه "
"يا أولادي المركوب يتم اللا خالگ، والريظة لاهي اتم اللا خالگة وعناء الطريگ ما يسول عنو، يغير الي شيخو عتروس امڨيلو سدرة". أجاب المقاتل..على سؤال لم يطرحه أي من الركاب... قبل نزولنا.. و علامات الإرهاق والتعب بادية على الوجوه، ترافقها تمتمات الحمد على الوصول بالسلامة...
سيدي حيذوگ حمادة

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...