القائمة الرئيسية

الصفحات

دي مستورا يكشف ما تخفيه فرنسا


الجميع استغرب اقتراح المبعوث الأممي العجوز الإيطالي دي مستورا، بتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو إلا الشعب الصحراوي، الذي سبق وأن عُرضت عليه الفكرة أكثر من مرة في السابق وكان الموقف ولازال هو “كل الوطن أو الشهادة”. إن الوطن وحدة لا تتجزأ ومن فرط في شبر منه فرط فيه بالكامل.
إن استيفان دي مستورا لم يأت بالجديد، إنما أحيا مشروعا قديما كان مخبئا في رفوف الخارجية الفرنسية.
أيام الرئيس جيسكار ديستان روجت الدعاية الفرنسية لما سمي وقتها بمشرع ” تريس الغربية” والمقصود به بالضبط ما ورد في اقتراح العجوز الإيطالي أي منطقة “وادي الذهب” لتؤسس البوليساريو عليها دولتها، كما توهمت مكاتب المخابرات الفرنسية وقتئذ. فساومت فرنسا الصحراويين في الموضوع خاصة بعد عجز الجيش الدداهي عن السيطرة على حصته من تقسيم الصحراء الغربية بموجب اتفاقية مدريد المشؤومة 14 نوفمبر سنة 1975. فبعد عملية زويرات التاريخية يوم فاتح ماي 1977 التي استهدفت المصالح الفرنسية مباشرة، المتمثلة في استغلال منجم الحديد وأسر عدد من المتعاونين الفرنسيين من بينهم عناصر اسناد للقوات الموريتانية من المخابرات العسكرية الفرنسية وما احتله هذا الهجوم المظفر من أصدى محلية و دولية و من انعكاس مباشر على الدولة الفرنسية، سارعت حكومة جيسكار ديستان من خلال مفاوضيها الذين كانوا يسعون الى اطلاق سراح الأسرى الفرنسيين الى محاولة إغراء نظرائهم الصحراويين بدعم دولة مستقلة في القسم الذي تحتله موريتانيا أو ما تُعرِّفه الدوائر الفرنسية ب “تيرس الغربية” أي وادي الذهب.
لقد خاب أمل الحكومة الفرنسية في اخضاع القادة الصحراويين لإغراءاتهم، فلجأت الى القوة تطبيقا لسياسة “العصاء أو الجزرة” فكان تدخل الطيران العسكري الفرنسي المباشر في الحرب حيث هاجمت طائرات الجاكوار الفرنسية من قاعدتها “بسان لويس” في السينغال وحدات من جيش التحرير الشعبي الصحراوي بهدف قلب ميزان القوة لصالح قوة الاحتلال والغزو الموريتانية التي أصبحت على وشك الانهيار والاستسلام التام رغم خطة الدفاع المشترك مع الجيش الملكي المغربي، الا أن هذا التدخل المباشر للدولة الفرنسية العضو الدائم في مجلس الأمن لم يحسم الصراع ولم يغير من المعادلة، بل توسعت رقعة الحرب بحيث لم تبق تقتصر على الصحراء الغربية، بل شملت كل التراب الموريتاني وتهدد القواعد العسكرية الفرنسية في السينغال بحيث كانت الهجمات تطال النعمة، كيفة، ولاة وباسكنو وغيرها. عندها فكرت فرنسا حفاظا على مصالحها في موريتانيا والشمال الأفريقي، بعدما تأكدت بأن نظام ولد داده أصبح لا جدوى من بقائه، في مناورة أخرى لعلها تسحب البساط من تحت أقدام جبهة البوليساريو حيث روجت في منتصف سنة 1978 لفكرة، نوع ٍ من الاندماج الصحراوي الموريتاني في مُكوّن واحد مع الاستفادة من نجاح تجربة النظام الصحراوي في الحكم، إذ كما كان قد روج وقتها “موريتانيا دولة بلا نظام و البوليساريو نظام بلا دولة” و بالتالي حسب “العبقرية” الفرنسية يمكن للصحراويين أن يتخلوا عن مطلبهم بالاستقلال التام للصحراء الغربية ويكتفون بتشريع ضم وادي الذهب الى موريتانيا مقابل تقاسم السلطة في نواكشط أو حتى السيطرة عليه بما لا يتعارض طبعا مع المصالح الفرنسية و استراتيجيتها في المنطقة. تلك محاولة باءت بالفشل ولم تجد الحكومة الفرنسية بدا من الإطاحة بالنظام في نواكشط، لكي ترفع البوليساريو يدها عن ضرب المصالح الفرنسية في هذا البلد.
اليوم ربما يعيد التاريخ نفسه وتكرر فرنسا الغبية نفس السيناريو الذي فشلت فيه سابقا، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ان الاستثمارات التي يسعى ماكرون أن يبسطها على المنطق المحتلة من الصحراء الغربية عقب زيارته المرتقبة في أواخر هذا الشهر الى المغرب لن يجد لها ضمانات و حماية كافية، فضلا عن حماية الملكية نفسها في المغرب من خطر الانهيار وخروج المنطقة بالكامل عن الهيمنة الفرنسية، لذا تدفع فرنسا و دول غربية أخرى ولاشك بموافقة المغرب الى ابعاد الخطر القادم بتطور الحرب في الصحراء الغربية، بمنح البوليساريو إقليم وادي الذهب – و كفى المؤمنين شر القتال-.
إن العجوز الإيطالي دي مستورا، ذا السيرة الذاتية المملوءة فشالات من العراق لأفغانستان لسوريا يعلن صراحة أنه عاجز عن الاستمرار في المهمة و يطلب اعفائه وهذا كان متوقعا، لكن المهم من كل هذا و بعد تأكيد قرار المحكمة العليا الأوروبية بأن لا سيادة للمغرب على الصحراء الغربية و أن البوليساريو هي الممثل الشرعي للشعب الصحراوي و غير ذلك من القرارات الأممية فضلا عن العودة الى الحرب ونسف قرار وقف اطلاق النار اصبح العالم مقتنع بما فيهم أعداء الشعب الصحراوي أنه لا تنمية و استثمار ولاستقرار وسلام في المنطقة إلا بتمكين الصحراويين من إقامة دولة لهم يبسطون عليها سيادتهم.
ثانيا إن كثرة الاقتراحات واشباه الحلول وعجز الأمم المتحدة عن الوفاء بالتزامها للشعب الصحراوي في تقرير المصير يظهر الارتباك الحقيقي الذي وقع فيه المجتمع الدولي مما حدا بدي مستورا الى التصريح بما كان مخفيا، وإن ما أبدته دول أوروبية خاصة فرنسا واسبانيا من اندفاع نحو المغرب يعكس الخوف الفعلي على مصالحها الاقتصادية التي أصبحت مهددة خاصة بسبب ضعف النظام الملكي والاحتقان الشعبي الذي إن انفجر عواقبه لا يعلمها أحد، ولكن مهددة أيضا باستمرار جبهة البوليساريو في تطوير قدراتها العسكرية وبما يمكن أن تفاجأ به مستقبلا خصومها في الميدان.
إذ نهنئ العجوز الإيطالي ستيفان دي مستورا على شجاعته الذي كشف فيها جزءا من المستور، نتمنى له الحصول من الأمم المتحدة على معاش محترم. أما الشعب الصحراوي فقد حنكته التجارب وشعارها الدائم ” كل الوطن أو الشهادة”
بقلم: محمد فاضل محمد سالم الهيط

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...