القائمة الرئيسية

الصفحات

الكاتب الصحراوي السيد حمدي يحظيه لـ"المساء": دعم الجزائر للصحراء الغربية وفلسطين تحوّلَ من موقف إلى عقيدة


أصدر روايات عن سيفار، وتنمطيط، ورقان، وها هو يكتب، مجدّدا، عن مناطق جزائرية أخرى؛ مثل الهقار، وتيسمسيلت، وتندوف، وتيميمون، وغيرها؛ إنه الكاتب السيد حمدي يحظيه من الصحراء الغربية، الذي يرى الجزائرَ بلداً محفزا على الكتابة، وبالأخصّ صحراءها؛ لهذا أهدى الشعب الجزائري عدّة روايات، صدرت ثلاث منها عن دار "الوطن اليوم" ، في انتظار صدور البقية، وربما عرضها في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، الذي سينظَّم ابتداء من السادس نوفمبر المقبل.. "المساء" تواصلت مع الأستاذ السيد حمدي يحظيه، وطرحت عليه عدّة أسئلة عن رواياته الثلاث عن الجزائر، وجديده، وإصداراته المختلفة، وكذا عن تاريخ وواقع الصحراء الغربية، فجاء هذا الحوار.

 ❊ لماذا اخترت الكتابة عن الجزائر عموما، والصحراء تحديدا؟
 ❊ أولا أشكر "المساء" على الاستضافة. وللإجابة عن سؤال لماذا اخترت الكتابة عن الجزائر، أود أن أقول إنّ الجزائر بتنوّعها الجغرافي والتاريخي والثقافي وبعراقتها، هي بلد محفّز على الكتابة؛ بمعنى أنّ كل العناصر التي يعتمد عليها النص للنهوض به، خاصة الرواية، توجد في الجزائر ولا توجد في منطقة واحدة، لكن في عموم الجزائر؛ هناك التاريخ، والأساطير، والعجائبية، والعادات، والثقافات.

أما اختيار الصحراء الجزائرية بالضبط كموضوع وكمكان جغرافي حاضر في رواياتي، فهو راجع، بالدرجة الأولى، إلى الصدمة التي يحسّ بها أيّ شخص يزور الصحراء الجزائرية، خاصة مناطق الهقار، والطاسيلي، وتوات، قورارة، أول مرة.

أيُّ شخص يزور الصحراء الجزائرية أوّل مرة، ينتابه إحساس غامض غريب؛ وكأنّه خرج من كوكب الأرض، وأصبح في كوكب زحل مثلا أو المريخ! هذا الإحساس لا يمكن وصفه، فقط من عاشه يشعر به، ويتأثر. من يحسّ بصدمة اللقاء الأوّل بالصحاري الجزائرية، يفكّر في تدوين وكتابة دهشته الأولى أثناء لقائه بالمكان.

 الجزائر بتنوعها الجغرافي والتاريخي والثقافي وبعراقتها، هي بلدٌ محفّز على الكتابة
وتزيد الدهشة أكثر حين يستمع إلى سكان تلك الأماكن يتحدّثون عن الأساطير، والخوارق التي تحدث في صحرائهم؛ فالأجانب مهتمون كثيرا بالكتابة عن الجزائر؛ فهي، بالنسبة لهم، خزّان لا ينضب من الأساطير، والتاريخ، والتنوّع الثقافي والإثني.

ومن جهة ثانية، الكتابة عن الجزائر هي محاولة للتقرّب أكثر من هذا البلد، الذي يراه الأجانب من بعيد، بلدا مليئا بالأشياء العجيبة والجميلة.  نعم، الكتابة عن الصحراء الجزائرية راجعة بالإضافة إلى ما قلت سابقا، إلى وجود الكثير من الأساطير، والتاريخ، والأشياء الغريبة التي تُعد ركيزة الرواية.
ومن وجهة نظري الشخصية، الرواية حينما لا تعتمد على التاريخ والأسطورة تفقد الكثير من حيويتها، وتتحوّل إلى تقارير عن الحياة العادية، وبالتالي فالكتابة عن الصحراء الجزائرية هي نوع من الاحتفاء الأدبي بها، وبثقافتها، وتاريخها.

❊ كتبت عن أحداث تاريخية مهمة وأخرى تمسّ التراث الجزائري العتيق؛ كيف كانت رحلة البحث عن هذه المعلومات؟
❊ في الحقيقة، لم أجمع الكثير من المعلومات الميدانية عن المنطقة التي كتبتُ، حتى أؤثث رواياتي. هناك معلومات معروفة عند الجميع؛ سواء في تمنطيط، أو في رقان، أو في سيفار، جعلتُها ركائز في الروايات؛ مثل هجرة اليهود إلى مراكش بعد طردهم على يد المغيلي، وتفجيرات القنبلة في رقان، أو الآثار في سيفار.
لست أنا وحدي المهتم بالكتابة عن الجزائر، الكُتّاب الأجانب مهتمون، أيضا، بالكتابة عن الجزائر، وعن صحرائها، فتجدهم يكتبون عن سيفار، وتينهينان، والطوارق، وعن عالم التصوّف في أماكن أخرى من الصحراء.

 كتبتُ الكثير من الروايات عن الجزائر، خاصة عن صحرائها
❊ ما هي وصفتك لإضافة الخيال لأحداث تنزف واقعية؟
❊ حين نكتب رواية يكون من البديهي أن الخيال هو الطاغي، ويشكّل متن النص والأحداث، بينما يكون الواقع والوقائع والتاريخ طريقة، فقط، لتقريب النصّ من القارئ، أو لإقناعه بأنّنا نكتب عن بلاده وبيئته، ومدينته.
صحيح أنّ هناك أحداثا واقعية تتحدى الخيال، مثلما حدث في تفجيرات رقان، أو مثل سرقة الغرب الأفكار والأشكال المرسومة في كهوف سيفار، وبالفعل يمكن توظيفها في النص كتاريخ يضاهي الخيال.

❊ سيفار، تمنطيط ورقان، أيُّ رواية أثرت فيك أكثر؟
 ❊ في الواقع تأثرت كثيرا برواية سيفار مدينة الشياطين الطيّبين بعد اكتشاف أنّ الكثير من منجزات الغرب؛ مثل المركبات الفضائية ولباس رجال الفضاء، مرسومة، منذ آلاف السنوات، في كهوف سيفار، وأنّ الغرب سرقها من هناك، وجسّدها، وبدأ يفتخر بأنه هو الذي اخترعها!
هذه الرواية كُتبت عنها، إلى حدّ الآن، دراستان لرسالة ماجستير، وهذا يعكس قيمتها كرواية متميّزة في موضوعها، وفي أسلوبها.

 الجزائر بلد مسقيٌّ بدماء الشهداء
❊  ركّزت في رواياتك الثلاث على العدوّ الخارجي للجزائر؛ "فرنسا المستعمرة" والكيان الصهيوني"، وكذا عن السرطان الذي قد يصيب الذهن، ويكون أكثر شراسة من سرطان الجسد، حدثنا عن ذلك.
❊  نعم، موضوع العدو الخارجي حاضر في الروايات الثلاث. وهو راجع إلى الإحساس الجماعي للغيورين على الجزائر وأمنها القومي. وأظن أنّني تناولته بطرق مختلفة؛ مثلا، أتحدّث عن محاولة المخابرات الصهيونية القيام بعملية في مدينة تمنطيط. وسبب كتابتي عن هذا الموضوع أنّني قرأت في كثير من المواقع الصهيونية، اهتماما كبيرا بتاريخ اليهود في تمنطيط.
وما حدث، أيضا، في رقان من تفجيرات إجرامية، يفرض الإصرار على محاسبة فرنسا باستمرار.

❊ في كلّ رواية قصة حب تحاول أن تحيا رغم كلّ شيء. هل يعود ذلك إلى رغبتك في زرع الأمل في تربة قاحلة؟
❊ العلاقة العاطفية هي من شروط الرواية. ورواية بلا قصة حب خاصة إذا كانت رواية موجّهة للكبار، تُعد ناقصة بلا ملح. ومن وجهة نظري، أيُّ رواية لا تكون فيها الأسطورة وقصص الحب، تكون غير مكتملة.

❊ ما هي الأعمال الأخرى التي كتبتَها عن الجزائر، والتي هي قيد النشر؟
❊ في الحقيقة كتبت الكثير من الروايات عن الجزائر، خاصة عن صحرائها. وبالمناسبة، هناك عدّة أنواع من الصحراء في الجزائر، تختلف عن بعضها البعض. هناك صحراء بشار، والعبادلة، وتندوف. وهناك صحراء مناطق توات تيميمون، وتيديكلت، وقورارة، وتاغيت، وبني عباس. وهناك صحراء الهقار، والطاسيلي. وهناك صحراء ميزاب والقرارة. وهناك صحراء وادي سوف، وبسكرة. والغريب رغم أنّنا نطلق عليها كلّها صحراء، إلاّ أن كل نوع من الأنواع التي ذكرتُ، يختلف عن الآخر من حيث التنوّع البشري، والبيئي، والتضاريس الجغرافية، والثقافة. وهناك تكمن أهميتها.

 هذه بداية هزيمة الكيان الصهيوني التاريخية، وزواله
❊ من الأعمال الأخرى التي كتبت عن صحراء الجزائر والتي لم تُنشر أذكر رواية "بحيرة تاغيت الخضراء"، و "أسرار قصر تماسخت"، و "تيميمون"، و "ألحان وألوان"، و "قصر تحت الرمال أو أساطير قصر الذراع"، و "قلادة ملكة الهقار"، و "لثام إيموهاغ"، و "هدارة"، و "المتصوف الذي صلّى مع النعام"، و "صيف في تيسمسيلت"، و "تندوف" … ماذا عن أعمالك الأخرى؟
❊ كتبت الكثير في السياسة والتاريخ. وكما تعرفون، نحن في الصحراء الغربية نخوض نضالا طويلا ضدّ الاحتلال، وهذا يفرض علينا الكتابة عن قضيتنا من كلّ جوانبها، والتعريف بها.
عندي الكثير من الكتب منها ما هو مطبوع مثل "الأمم المتحدة وإدارة الفشل في الصحراء الغربية"، وكتاب "الصحراء الغربية آخر مستعمرة في إفريقيا"، و "الولايات المتحدة وقضية الصحراء الغربية"، و "فرنسا وقضية الصحراء الغربية"، و "البوليساريو"، و "الحركة الوطنية الصحراوية"، بالإضافة إلى أكثر من عشرين مؤلَّفا غير مطبوع، أذكر منها، مثلا، كتاب "وادي الساقية الحمراء"، و "التاريخ، الحقيقة والأسطورة"، وكتاب "عائلات الجزائر أصلها من الساقية الحمراء"، وكتاب "دولة المرابطين ودور العصبية القبلية في زوالها"، وكتاب "شعب البيظان"، وكتاب " وثائق تدحض مزاعم المغرب في وادي نون والصحراء الغربية"، وكتاب "تفاصيل الأطماع المغربية في دور الجوار ومن بينها الجزائر"، وكتاب "الجزائر وقضية الصحراء الغربية"، وكتاب "موريتانيا وقضية الصحراء الغربية"، وكتاب "جذور اسم الصحراء الغربية"، وهناك كتب كثيرة.

❊ في هذا السياق، كيف تفسّر عجز منظمة الأمم المتحدة عن إدارة قضية احتلال الصحراء الغربية؟
❊ في الحقيقة، نحن وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها الأمم المتحدة متجاوزة، لم يعد لها دور؛ بسبب عدم وجود العدالة، خاصة في ما يخصّ تشكيلة مجلس الأمن.
من جهة أخرى، قانون ما أصبح يسمى الأمم المتحدة، هو قانون به فجوة كبيرة، وهي عدم وجود آلية لتطبيق هذا القانون.
أظن أنّ العالم الآن أصبح يفكّر في مرحلة ما بعد الأمم المتحدة، مرحلة قد يطبعها نوع من التوازن، وعودة الأقطاب، والقضاء على الأمر الواقع الذي يفرضه القطب الواحد؛ إذن عجز الأمم المتحدة في الصحراء الغربية راجع، من جهة، إلى عدم وجود آلية لتطبيق القانون الدولي. ومن جهة أخرى، إلى نفاق الدول الأعضاء في مجلس الأمن؛ حيث تقول دولتان صراحة؛ أمريكا وفرنسا، إنّهما ضدّ تطبيق القانون الدولي في الصحراء الغربية.

❊ كيف يمكن ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، أن تظل الصحراء الغربية مستعمَرة؟
❊ من الأسباب التي جعلت الصحراء الغربية تبقى مستعمرة ونحن في القرن الواحد والعشرين، ضعف الأمم المتحدة، وضعف قانونها، وخداع الأمم المتحدة نفسها للشعب الصحراوي. أضرب لك مثلا، بأن مجلس الأمن والجمعية العامة سنة 1991م، عرضا على الشعب الصحراوي خطة لتنظيم استفتاء تقرير المصير، وفعلا وافق الصحراويون ووافق المغرب وحدث وقف إطلاق النار، وأُعطي وعد بأنّ الاستفتاء سينظم في أشهر قليلة. ماذا حدث بعد ذلك؟ تواجدت بعثة الأمم المتحدة لحراسة وقف إطلاق النار فقط، بينما تملّص المغرب بغطاء من الأمم المتحدة، من الاستفتاء. وظهر واضحا أنّ الهدف من الاستفتاء هو انتزاع من الصحراويين ورقة الضغط، وهي الحرب. وبعد فوات الأوان اكتشف الصحراويون أنّ الأمم المتحدة خدعتهم؛ فبدل أن تساعد في الحلّ أصبحت جزءا من المشكلة، وأدخلتها في متاهة بلا مَخرج؛ فلا هي نظّمت الاستفتاء وأشرفت عليه، ولا هي نفضت يدها من القضية وتركت الصحراويين يقاتلون.

 الصحراويون مؤمنون بأنّ أيَّ قضية عادلة تقف معها الجزائر، لن يكون مآلها الفشل
❊ هل تؤمن بالكفاح المسلح في حال عدم نجاعة الحلول السياسية؟
❊ المنطق يقول إنّ القوة هي التي تقود السياسة. القويّ عسكريا هو الذي يفرض شروطه. وأيُّ حركة حصلت على استقلال دون كفاح مسلح، هو "استقلال مزيَّف".

❊ أمام تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة ولبنان ومناطق أخرى، كيف ترى مستقبل هذه المنطقة؟
❊ صعب جدا التنبؤ بمستقبل المنطقة؛ لأنّ الحرب غير متكافئة. من جهة، العالم الغربي والدول العربية المطبّعة والكيان الصهيوني، ومن جهة حركات تحرير صغيرة. مثل هذه الحرب رغم دمارها أظهرت أنّ المنطقة لا بدّ أن تتغيّر. وهذا التغيير لن يكون في صالح الكيان الصهيوني. ورغم الأخطاء التي حدثت، إلاّ أن الكيان الصهيوني لن يكون له دور في المرحلة القادمة. هذه بداية هزيمته التاريخية وزواله. والصهاينة أنفسهم يعترفون بهذا.

❊ ماذا تمثل لك الجزائر؟
❊ في مخيّلتي، الجزائر ترتبط ارتباطا وثيقا بدماء ملايين الشهداء الذين سقطوا دفاعا عنها. إنّها أرض مسقية بدماء الشهداء. وهذه الجملة اللغوية لها قيمة أدبية كبيرة.
حين نقول مسقية بدماء الشهداء يجعلنا هذا التعبير نصعد بخيالاتنا وأعيننا، إلى أعلى، ونتصوّر تلك الدماء مطرا ينزل من السماء، ويسقي هذه الأرض، ويجعلها على ما هي عليه من جمال وبهاء.

❊ ماذا عن الموقف الجزائري الصامد مع حق الصحراويين في تقرير مصيرهم؟
❊ أوّلا، الموقف الجزائري في دعم القضية الصحراوية والفلسطينية وكلّ القضايا العادلة، أملته مبادئ أوّل نوفمبر. ومع مرور الوقت تحوّل هذا الموقف إلى عقيدة.
من جهة أخرى، هو موقف منسجم مع الشرعية الدولية. الجزائر تدعم، فقط، الحركات التحرّرية التي تعترف بها الأمم المتحدة، ولا نجدها تدعم الفصائل أو الحركات الانفصالية، أو تتدخّل في الشؤون الداخلية للآخرين.
الصحراويون مؤمنون بأنّ أيَّ قضية عادلة تقف معها الجزائر، لن يكون مآلها الفشل.
الآن الجزائر تدافع عن القضايا العادلة، وهي في قمة قوّتها الدبلوماسية والاقتصادية، وهذا يعطيها قوّة أكثر؛ كي تمضي قدما في الدفاع عن مبادئها.

❊ كتبت عدة مؤلفات؛ هل تؤمن بقدرة الكتابة على تغيير مصائر الشعوب؟
❊ قد لا تُغيّر الكتابة مصير الشعوب، لكنّها تغيّر وعيها؛ تفتح عيونها على المعرفة، وعلى التاريخ، وعلى التفاعل مع الواقع. الشعب المثقف الذي يقرأ ويكتب هو شعبٌ متغيّرٌ باستمرار.

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...