في خطوة أثارت جدلاً واسعاً واستغراباً كبيراً، قدّم مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، العجوز ستافان دي ميستورا، أمام مجلس الأمن الدولي، خلال جلسة مغلقة مساء الأربعاء 16 أكتوبر، مشروعاً –تفوح منه رائحة العفن الاحتلالي- يقترح من خلاله “تقسيم” الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي.
وخلال الجلسة، قال دي ميستورا، وفقاً لمحضر الجلسة، “لقد قمت، في سرية تامة، باستئناف وإحياء مفهوم تقسيم الإقليم بمناقشة جميع الأطراف المعنية”. ورغم عدم نشر تصريحاته بشكل رسمي، فقد وردت في المحضر الذي حصلت عليه وكالات الأنباء المعتمدة. وأوضح الدبلوماسي السويدي-الإيطالي، البالغ من العمر 77 عاماً، أن المشروع يهدف إلى إنشاء دولة مستقلة في الجزء الجنوبي من الإقليم، بينما يُدمج الجزء المتبقي كجزء من الدولة المحتلة، المغرب. والأكثر غرابة أن هذا الطرح تزامن مع قرار محكمة العدل الأوروبية الذي قضى بإلغاء اتفاقيات تجارية تشمل منتجات من الصحراء الغربية، معتبراً إياها غير شرعية.
وعلى الفور، أعلنت جبهة البوليساريو رفضها القاطع لمقترح تقسيم الصحراء الغربية، مؤكدةً أن الحل الوحيد يتمثل في الاستقلال الكامل للإقليم. وترى الجبهة أن أي محاولة لحل الصراع خارج إطار استفتاء تقرير المصير تمثل انتقاصاً من حقوق الشعب الصحراوي وتجاهلاً للقرارات الدولية، مما يجعل موقفها هذا ثابتاً في خضم مفاوضات لم تثمر عن نتائج ملموسة.
وفي مطلع أوت الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن “قلق عميق” إزاء تدهور الوضع في الصحراء الغربية، وذلك في تقرير أعدّه حول هذه القضية بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعياً إلى “تجنّب أي تصعيد إضافي”. وأوضح غوتيريش أن “استمرار إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو يمثل انتكاسة واضحة في البحث عن حل سياسي لهذا الصراع الطويل الأمد”.
ويغطي هذا التقرير الفترة من 1 جويلية 2023 إلى 30 جوان 2024، وقد أُعدّ قبل أن تعلن فرنسا، في نهاية جويلية، انحيازها لموقف الاحتلال المغربي. ويشكل قرار محكمة العدل الأوروبية، بإلغاء إدراج الاتحاد الأوروبي للصحراء الغربية في اتفاقياته المتعلقة بالتجارة والصيد البحري مع المغرب، نكسة للعواصم الأوروبية، وفي مقدمتها باريس، ويعتبره الخبراء “كارثة اقتصادية” للمغرب، وفقاً لما أكده الخبير في الجيوسياسة، هايغ لوفات.
وأوضح لوفات، الباحث الرئيسي في السياسات في المجلس الأوروبي للشؤون الدولية، في مساهمة نشرها على موقع المجلس، أن قرار محكمة الاتحاد الأوروبي سيكون له مع مرور الوقت تداعيات تتجاوز قطاعي الفلاحة والصيد البحري. كما أشار إلى أن “الالتزامات القانونية للاتحاد الأوروبي سيكون لها تأثير كبير على جميع الاتفاقيات الحالية والمستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، بما في ذلك التعاون العلمي والتكنولوجي، وتطوير الطاقة الخضراء، ومشاريع البنك الأوروبي للاستثمار”. وأوضح أنه إذا كان إلغاء اتفاق الشراكة في قطاع الصيد البحري “يضر بشكل أساسي بصيادي الاتحاد الأوروبي”، فإن “المغرب قد يخسر 40 مليون يورو سنوياً من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدعم المالي لتطوير صناعة الصيد البحري في إقليم الصحراء الغربية”.
كما أكد لوفات في مساهمته أن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه “مقيد اليدين” بقرار محكمة العدل الأوروبية، وليس أمامه إلا حلّان، إما أن يضمن أن جميع الاتفاقيات الحالية والمستقبلية مع المغرب “تستثني كلياً وفعلياً الصحراء الغربية”، أو أن يحصل “على موافقة شعب الصحراء الغربية -ممثلاً بجبهة البوليساريو- على تلك الاتفاقيات”.
النكسة المغربية
وبالرغم من ذلك، وصف وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، القرار بأنه “لا حدث”، مشيراً إلى أن هذه النكسة الجديدة، التي لم تتقبلها الدبلوماسية المغربية، تذكر بحقائق تعود إلى نصف قرن، وهي أن الصحراء الغربية إقليم غير مستقل “منفصل ومختلف” عن المغرب، وأن إبرام اتفاقيات تتعلق بهذا الإقليم يجب أن يحظى بموافقة الشعب الصحراوي، ممثلاً بجبهة البوليساريو.
وكانت محكمة العدل الأوروبية قد أقرت، في 4 أكتوبر الماضي، أن “الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لسنة 2019 في مجال الصيد البحري والمنتجات الفلاحية، والتي لم تحظَ بموافقة شعب الصحراء الغربية، قد أبرمت بتجاهل لمبادئ تقرير المصير والأثر النسبي للمعاهدات”. وأشارت المحكمة في ذات القرار إلى أن “جبهة البوليساريو هي المحاور المناسب في إطار المسار الجاري تحت إشراف الأمم المتحدة لتحديد الوضع المستقبلي للصحراء الغربية”، مؤكدة أن “جبهة البوليساريو تتوفر فيها الشروط اللازمة للطعن في القرارات المتنازع عليها أمام القضاء، وذلك لمصلحة الشعب الصحراوي”.
في قراره الأخير الصادر في أكتوبر 2023، دعا مجلس الأمن الدولي أطراف القضية إلى استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى “حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يسمح لشعب الصحراء الغربية بتقرير مصيره”. وقد تم تعيين دي ميستورا في منصبه في أكتوبر 2021، وسافر إلى المنطقة عدة مرات للقاء مختلف الأطراف المعنية بالصراع، لكنه لم ينجح حتى الآن في استئناف العملية السياسية.
لطالما روجت الدبلوماسية المغربية لخطة الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع، إلا أن مقترحات دي ميستورا تسلط الضوء على التناقضات في مواقف الدول التي تدعم هذه الخطة. وعلى الرغم من أن بعض القوى الغربية تظهر تأييداً للاحتلال المغربي، فإن تكرار طرح خيار التقسيم يثير تساؤلات حول جدية هذه الدول في دعم الخيار المغربي، ويؤكد استمرار التباين في مواقف الأطراف المعنية.
يُبرز اقتراح دي ميستورا بالتقسيم عمق المأزق الذي يواجهه المجتمع الدولي في معالجة القضية الصحراوية، والذي يزداد تعقيداً بسبب التدخلات السياسية والتوجهات المتناقضة للقوى الكبرى. ويعكس هذا الوضع المتأزم صعوبة تحقيق حل شامل للصراع، ويطرح تساؤلات حول جدوى المؤسسات الدولية في حماية حقوق الشعوب المضطهدة في ظل توازنات القوى التي تميل لصالح الدول ذات النفوذ السياسي والاستراتيجي.
وقد أكد السفير أبي بشرايا البشير، ممثل جبهة البوليساريو في سويسرا ولدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف، أن مقترح دي ميستورا الذي ورد في إحاطته أمام مجلس الأمن مرفوض من قبل جبهة البوليساريو لأسباب مبدئية تتعلق بالإطار القانوني للإقليم، ومبدأ تقرير المصير، والقانون الدولي. كما أشار إلى أن المقترح يشكل خرقاً لإحدى المكونات الرئيسية لتقرير المصير المتعلقة بإقليم الصحراء الغربية.
وأوضح أبي بشرايا، في تدخله على قناة فرانس 24 عربية، أن جبهة البوليساريو لم تقبل أبداً بتقسيم الإقليم مع أي جهة، خلافاً للمغرب الذي قبل بتقسيمه سنة 1975، مشيراً إلى أن الوضع الحالي يعطي انطباعاً حقيقياً بأن المجتمع الدولي بدأ يشعر بتوتر الوضع وبأن هناك مشكلة مستمرة في الصحراء الغربية، عكس ما يدعيه المغرب.
وأضاف المتحدث أن ما ورد في إحاطة دي ميستورا يمثل تسليماً ضمنياً باستحالة تعايش الشعب الصحراوي مع السلطة المغربية تحت سقف واحد، مما يعني استحالة تطبيق الحكم الذاتي الذي يروج له المغرب. كما يبعث برسالة إلى الدول التي تدعم المغرب، بأنها قد ألقت نفسها في المجهول في ظل تأييدها لمقترح مريب ومبهم.
وفي تعليقه على مسألة الشق المتعلق بتسليم المنطقة الجنوبية للصحراء الغربية للدولة الصحراوية، شدد الدبلوماسي الصحراوي على أن هذا الطرح يأتي نتيجة الاستنتاج المتزايد لدى المجتمع الدولي بقدرة الشعب الصحراوي وجبهة البوليساريو على إدارة دولة مستقلة، تكون إضافة مهمة لأمن واستقرار المنطقة، مما يشكل دحضاً للدعاية المغربية وسرديتها التي تتبنى خطاباً يخالف هذا الواقع الذي أصبح مسلّماً به على المستويين الإقليمي والدولي.
الحقائق تدعم الصحراء الغربية
وفيما يخص تقرير الأمين العام الأخير وإحاطة دي ميستورا، أوضح السفير الصحراوي أن ما ورد فيهما من حقائق هو تأكيد فعلي على أن ملف قضية الصحراء الغربية أبعد مما يكون مغلقاً، وأن حق الشعب الصحراوي لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه في أي مقترح يتعلق بالحل النهائي للصراع الدامي في الصحراء الغربية. مشيراً في السياق ذاته إلى أن “مقترح المغرب” لن يحظى بإجماع دولي، وهو ما يتجلى، إلى جانب إحاطة دي ميستورا وتقرير الأمين العام وقرارات مجلس الأمن، في القرار الذي صادقت عليه مؤخراً اللجنة الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار، حيث شددت على الإطار القانوني للإقليم بصفته غير مستقل ذاتياً، وكذلك رد محكمة العدل الأوروبية على بعض الدول الأوروبية بشكل صريح وواضح.
وفي معرض رده على سؤال حول بوادر فشل جهود المبعوث الأممي، جدد المتحدث التذكير والتأكيد على أن السبب الرئيسي الوحيد هو انقلاب المغرب على جوهر ما تم الاتفاق عليه مع جبهة البوليساريو تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي تم بموجبه نشر بعثة المينورسو لتنظيم استفتاء تقرير المصير، الذي يعد مفتاح الحل.
في ختام تدخله، خلص الدبلوماسي الصحراوي أبي بشراي البشير إلى أن سردية المغرب المضللة قد رُدَّ عليها من قبل ستافان دي ميستورا، ومن قبله محكمة العدل الأوروبية، ولعدة مرات أيضاً من قبل الاتحاد الإفريقي، مشدداً على أن تجاهل الرباط لهذه الحقائق والاستمرار في مغامرتها الاستعمارية في الصحراء الغربية ليس في مصلحة المغرب، ولا الشعبين الصحراوي والمغربي، ولا المنطقة برمتها.
ومن جانبه، أكد الدكتور سيدي محمد عمار، عضو الأمانة الوطنية، ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع المينورسو، أن الحق والقانون هما إلى جانب الشعب الصحراوي الذي يبقى متمسكاً بحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. جاء هذا التأكيد خلال المقابلة التي أجراها الدبلوماسي الصحراوي مؤخرا من نيويورك عبر تقنية سكايب مع قناة “آر تي” الدولية، حيث تناولت آخر مستجدات القضية الصحراوية دولياً.
وفي رده على سؤال حول سبب عرقلة الحل رغم الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لعدة عقود، شدد ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع المينورسو على أن الأمم المتحدة تعترف بالصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار وبحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، لكن المشكلة تكمن في مجلس الأمن، وبالتحديد في الموقف الفرنسي الداعم لدولة الاحتلال المغربية.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن إعلان فرنسا عن موقفها الجديد القديم الداعم بكل وضوح لدولة الاحتلال يظهر للعالم أن فرنسا دولة لا تحترم قواعد القانون الدولي وأنها تكيل بمكيالين، حيث نراها تطالب باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي في بعض المناطق، ولكنها تعلن جهاراً دعمها للاحتلال المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية.
كما نوّه الدبلوماسي الصحراوي بالحكم الصادر مؤخراً عن محكمة العدل الأوروبية الذي أكد عدم امتلاك دولة الاحتلال المغربية لأي سيادة على الصحراء الغربية، معتبراً أنه يشكل ضربة قوية لدولة الاحتلال ولبعض العواصم الأوروبية التي تدعمها.
وعند تناوله للوضع الدولي الحالي، ذكّر ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع المينورسو بكفاحات الشعوب في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها ضد الاستعمار والهيمنة، مؤكداً على مواصلة الشعب الصحراوي كفاحه في وجه دولة الاحتلال المغربية المدعومة من قبل قوى غربية استعمارية معروفة.
وللعلم فقد دعا المرصد الجامعي الدولي للصحراء الغربية, الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون إلى “إعادة النظر” في موقفه بشأن قضية الصحراء الغربية معتبرا أنه “من الضروري” أن تجعل فرنسا موقفها مطابقا لقرارات محكمة العدل الأوروبية التي أقرت مرة أخرى بالوضع “المنفصل” و”المتميز” الذي يتمتع به هذا الإقليم.
ففي رسالة وجهها –مؤخرا- إلى الرئيس ماكرون, أكد المرصد أنه “من الضروري أن تجعل فرنسا باعتبارها بلد يحترم حقوق الإنسان و مبادئ القانون الدولي, موقفها بشأن الصحراء الغربية مطابقا لقرارات محكمة العدل الأوروبية و جميع قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن بصفة عامة”.
كما ذكر المرصد أنه بتاريخ 4 أكتوبر الماضي, أصدرت المحكمة العليا الأوروبية حكما “هاما” ينهي الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب مؤكدا أن هذه الاتفاقيات أبرمت دون مراعاة حقوق الشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير.
من جهة أخرى, أوضح المرصد أن “هذا المبدأ ينص على أن الالتزامات التي تعهدت بها دول الاتحاد الأوروبي و المغرب في معاهدة, لا تلزم إلا الأطراف الموقعة دون خلق التزامات بالنسبة للصحراء الغربية” مؤكدا على “الطابع المنفصل والمتميز لأراضي الصحراء الغربية عن المغرب” الذي لطالما ذكرت به (ديسمبر 2016، فيفرير 2018 وسبتمبر 2021 على وجه الخصوص) المحكمة التي “قبلت فرنسا الخضوع لها بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي”.
وحسب المرصد, فإن “هذا القرار يعزز شرعية جبهة البوليساريو”, المعترف بها كالممثل الوحيد للشعب الصحراوي, والتي تتمتع الآن بحق الاستقبال من طرف القاضي الأوروبي بعد أن اعترف بقبول طلباتها. وحث المرصد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على “إعادة النظر” في موقفه من هذه المسألة, معتبرا أنه “من الضروري” أن تدعم فرنسا “حوارا شاملا يحترم حقوق الشعب الصحراوي, بما يسهم في إيجاد حل عادل ومستدام لهذا النزاع المتعلق بتصفية الاستعمار”.
وفي رسالة وجهها إلى ملك المغرب في جويلية, أكد ماكرون أنه يعتبر أن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان ضمن إطار السيادة المغربية” المزعومة. واعتبر المرصد أن هذا الموقف “يتعارض تماما مع القانون الدولي والأوروبي”, داعيا الرئيس الفرنسي إلى “إعادة النظر بعمق, وخاصة في ضوء التطورات القانونية الأخيرة”.
علاوة على ذلك, فقد حذرت ذات الهيئة بقولها “إن تأكيدكم السيادة المغربية –المزعومة- على هذا الإقليم, الذي تعتبرونه ضمانا للاستقرار والازدهار في المنطقة, يتعارض مع الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن, ولن يؤدي سوى إلى زيادة حدة التوترات في المنطقة”.
تاريخ العار الفرنسي
وفي سبتمبر الماضي، انتقدت الأمينة العامة للجمعية الفرنسية للصداقة والتضامن مع شعوب إفريقيا، ميشيل ديكاستر، دعم ماكرون، لما يسمى بخطة الحكم الذاتي الوهمية للصحراء الغربية التي أعلنها المغرب، مبرزة أن الرئيس الفرنسي لا يكتفي برفض القطع مع تاريخ فرنسا الاستعماري بل يخدم أيضا المصالح الاقتصادية لرجال الأعمال الفرنسيين.
وأشارت ديكاستر، في مساهمة نشرتها في صحيفة “لومانيتي”، إلى أن “السياسة الفرنسية مطبوعة بقوة بماض استعماري يعود إلى ما يقرب من مائتي عام”، لافتة إلى أن الرئيس الفرنسي “يحاول مواجهة فقدان فرنسا لنفوذها في القارة السمراء”. واعتبرت الأمينة العامة للجمعية أن خيار الرئيس الفرنسي الرسمي “يساعد العاهل المغربي في مساعيه لدعم الاحتلال غير الشرعي للبلد المجاور الذي استفادت المملكة من ثرواته الطبيعية منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991”.
ومن جهة أخرى، ذكرت ديكاستر أن “رجال الأعمال يحتفون بالعائدات المتوقع جنيها من السوق المغربية وآفاق استغلال باطن الأرض الصحراوية الغنية بثرواتها المعدنية غير المستغلة إلى حد كبير”.
وبخصوص دعم فرنسا المتزايد لما يسمى بالمخطط المغربي الوهمي للصحراء الغربية، أكدت أن ملك المغرب “ليست لديه أي شكوك حول الدعم الفرنسي للمغرب في مجلس الأمن الدولي في كل مرة يتم فيها تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، في حين أنها تحرص بدقة منذ ثلاثة وثلاثين سنة على عدم إدراج حقوق الإنسان في مهامها”.
وذكرت في هذا السياق بأن فرنسا “شاركت عسكريا إلى جانب المغرب ضد الشعب الصحراوي”، لافتة إلى أنه “في عام 1912, ساهمت في تدمير مدينة السمارة ومكتبتها التي كانت تحتوي على 5000 وثيقة، وفي عام 1958 انخرطت في عملية “ايكوفيون” إلى جانب إسبانيا في عهد الملك فرانكو، بينما ساهمت عامي 1977 و1978 بعملية “لامانتان” التي قصفت خلالها عناصر من جيش التحرير الشعبي الصحراوي”.
وقالت أنه بالإضافة إلى ذلك “ساهم المستشارون العسكريون الفرنسيون في عام 1986 في بناء الجدار المغربي العازل (جدار الذل والعار) الذي يبلغ طوله 2700 كلم، المليء بالألغام والمتفجرات، والذي يقسم الأراضي والعائلات الصحراوية إلى قسمين من الشمال إلى الجنوب”.
وفي إشارة إلى الحظر المفروض بحكم الأمر الواقع على دخول المراقبين والصحفيين الأجانب إلى الصحراء الغربية، قالت رئيسة الجمعية أنه “منذ جانفي 2014، طردت السلطات المغربية 296 مراقبا ينتمون لـ21 بلدا ومن أربع قارات”.
رابح لعروسي
بعدما فقد شرعيته..
دعوات لاستقالة دي ميستورا
أفاد الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، رابح لعروسي، أنه كما كان متوقعاً في شهر أكتوبر من كل سنة، يتم تقديم تقرير حول الصحراء الغربية أمام مجلس الأمن الدولي من طرف المبعوث الأممي إلى المنطقة، ستافان دي ميستورا. وكانت النقطة الأبرز في هذا التقرير هي قرار اللجنة الرابعة للأمم المتحدة الذي أقرت فيه بضرورة الذهاب إلى تقرير مصير الشعب الصحراوي، بالإضافة إلى عدم اعتراض المغرب على هذا القرار، في اعتراف أولي بأن هناك شعباً صحراوياً، وهناك إقليم متنازع عليه في الصحراء الغربية. وبالتالي، هذه نقاط قوية جداً تضاف إلى الملف الصحراوي.
في سياق متصل، أشار الدكتور لعروسي، في تصريح له لصحيفة “الأيام نيوز”، إلى خرجة دي ميستورا الأخيرة، التي جاءت بعد زيارته إلى الإقليم قبل نحو شهر تقريباً ولقائه عدداً من المسؤولين وأطراف القضية هناك، في إطار تحضير التقرير الذي رفعه أمام مجلس الأمن الدولي، وتقديمه مقترح تقسيم إقليم الصحراء الغربية بين جبهة البوليساريو ونظام المخزن.
وفي هذا الشأن، أوضح محدثنا أن هذا المقترح هو إقرار واعتراف صريح بأن هناك إقليماً اسمه الصحراء الغربية، وأن هناك احتلالاً، وبالتالي هذا يضاف إلى القانون الدولي وإلى الشرعية الدولية بأن من الضروري اليوم أن يتم تنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي في المنطقة وأن هناك محتلًا هو السلطة المخزنية المغربية. وبالتالي، أعتقد أنه شيء طبيعي جداً أن نجد مثل هذه التصريحات. لكن الغريب والمفاجئ هو الحديث عن تقسيم الإقليم ما بين المغرب وجبهة البوليساريو، ما يمكن اعتباره أكبر سقطة للقانون الدولي من جهة.
من جهة أخرى، يرى الأستاذ في العلوم السياسية أن هذا المقترح يأتي في ظروف غريبة جداً، خاصة عندما يأتي من طرف مبعوث أممي، الأصل في مهامه هو تمكين بعثة المينورسو في إقليم الصحراء الغربية من تنظيم استفتاء تقرير المصير. فحديثه عن مقترح التقسيم يعطي انطباعاً بأنه يخدم أجندة أجنبية غربية بامتياز، في ظل وجود تواطؤ صهيوني في المنطقة، وأجندة مغربية خالصة. وبالتالي، أعتقد الآن أن العالم أصبح مفضوحاً ومكشوفاً للعلن، والجميع أصبح يعي جيداً أن هناك تلاعباً بالشرعية الدولية، واستهتاراً دولياً وتجاوزاً للقانون الدولي، وأيضاً هناك إخفاق كبير لهذه البعثة.
ختاماً، أبرز الدكتور لعروسي أن الوقت قد حان لانسحاب واستقالة دي ميستورا من مهامه، فمن غير المنطقي أن يخضع مبعوث أممي إلى إملاءات غربية وتوجهات استعمارية. فخرجته الأخيرة هي سقطة قوية جداً لمبعوث أممي، الأصل فيه أن يرعى ويعيد ويرافع لإعادة حقوق الشعوب المضطهدة، وليس تقسيم حق صاحب الأرض مع مستعمر معتدي. وبالتالي، لا يعقل اليوم الحديث عن تقسيم الصحراء الغربية ما بين المستعمر وبين صاحب الشرعية وصاحب الأرض. فهذا التصريح يبقى تصريحاً معزولاً، وعلى المجتمع الدولي وأحرار العالم رفض هذا المقترح وعدم التجاوب معه وعدم قبوله، والتمسك بالشرعية الدولية وهي القرار الأممي المتعلق بتصفية الاستعمار وتنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي في أقرب وقت ممكن.
محمد حسنة الطالب
دي ميستورا في قفص الاتهام..
هروب من الحقيقة أم محاولة لإنقاذ سلطة المخزن؟
يرى الكاتب والصحفي الصحراوي، محمد حسنة الطالب، أن “اقتراح دي ميستورا تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو هو محاولة منه لتبرئة ذمته من الفشل الواضح وإنقاذ النظام المغربي الغارق في الكثير من الأزمات التي أصبحت تثقل كاهله وتهدد مصيره”.
وفي هذا الإطار، لم يستبعد الكاتب والصحفي الصحراوي أن يكون دي ميستورا قد اتفق سرًا مع سلطة المخزن بهذا الخصوص، لتخليصه من مشكلة الصراع في الصحراء الغربية التي باتت تؤرقه وتحول دون أدنى تحسن في شأن الشعب المغربي الذي تتقاذفه المآسي والويلات منذ زمن بعيد. مشيرًا إلى أن “دي ميستورا كان قد فشل سابقًا في حل العديد من القضايا، ويريد بدوره مخرجًا مبررًا لعجزه عن التوصل لحل مقنع لقضية الصحراء الغربية”.
لكن ما لا يضعه دي ميستورا وسلطة المخزن في الحسبان، حسب محمد حسنة الطالب، هو أن الشعب الصحراوي بقيادة البوليساريو لن يرضى بتاتًا بأنصاف الحلول، لأن قضيته عادلة، وفوق ذلك تكفل له مواثيق وقرارات الشرعية الدولية حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير. ولعل مخطط السلام الأممي المتمثل في تنظيم استفتاء حر عادل ونزيه خير دليل على ذلك.
وفي هذا الإطار، يتساءل الكاتب والصحفي الصحراوي: لماذا التهرب من هذا الحل الديمقراطي المشروع الذي يتيح للشعب الصحراوي حرية الاختيار بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب؟
وأرجع المتحدث ذلك إلى سياسة الكيل بمكيالين التي تفرضها المصالح وتزكيها بعض الدول النافذة في تجاوز صارخ لقوانين ومواثيق الشرعية الدولية. فليس من العدل ولا من مهام منظمة الأمم المتحدة انتهاك حرية وإرادة الشعوب المشروعة في تقرير مصيرها، والانصياع بدلًا من ذلك لضغوطات ومصالح الدول العظمى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، الطامحتين إلى تعزيز نفوذهما في شمال غرب إفريقيا من خلال الاحتلال المغربي للصحراء الغربية. كما تتجاريان في ذلك بشكل متذبذب مع بعض الدول خاصة من أوروبا بسبب استفادتها من ثروات الصحراء الغربية، طبقًا للتسهيلات التي يمنحها إياها المغرب الذي لا يمتلك أي سيادة شرعية على الصحراء الغربية وشعبها.
وفي ختام حديثه مع “الأيام نيوز”، أبرز الكاتب والصحفي الصحراوي، محمد حسنة الطالب، أن “دي ميستورا، ومن خلال هذه الرؤية وهذا الاقتراح الظالم، يريد ضرب عصفورين بحجر واحد، وذلك بتمهيد الطريق لاستقالته من جهة، ومحاولة إخراج سلطة المخزن من دائرة الخطر الذي أصبح يتهدده أكثر من أي وقت مضى من جهة أخرى، لا سيما بعد الحكم النهائي لمحكمة العدل الأوروبية الذي صدر في الرابع من الشهر الجاري وأثبت بما لا يدع مجالًا للشك عدم وجود أي سيادة للمغرب على الصحراء الغربية. وبالتالي، يبدو أن لسان النظام المغربي في هذه الحالة يقول: “اللهم نص خسارة ولا خسارة تامة”، وهذا ما يرفضه الشعب الصحراوي جملةً وتفصيلًا.
ماء العينين لكحل
مغامرة استعمارية قديمة..
لماذا يعود دي ميستورا إلى فكرة التقسيم الآن؟
بقلم: ماء العينين لكحل (كاتب ودبلوماسي – الصحراء الغربية)
عرض المبعوث الأممي الخاص إلى الصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، خلال اجتماع مغلق لمجلس الأمن يوم 16 أكتوبر الماضي، مقترحًا جديدًا-قديمًا مثيرًا للجدل، يتناول تقسيم الصحراء الغربية المحتلة بين المغرب وجبهة البوليساريو. وينص المقترح على منح الصحراويين الجزء الجنوبي من البلاد المحتلة لتقوم عليه دولة صحراوية مستقلة، بينما تخضع المناطق الشمالية للسيادة المغربية.
ويمثل هذا المقترح انحرافًا خطيرًا عن القانون الدولي واستهتارًا منقطع النظير بكل قرارات الأمم المتحدة، الصادرة منذ 1963 وحتى اليوم، والتي تكرس جميعها حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. فكيف يمكن فهم إحياء هذا الاقتراح القديم، الذي سبق أن تسبب في إشعال حرب ضروس في المنطقة منذ 1975؟ وهل هو أيضًا ضرب لخطة الحكم الذاتي المغربية، لتجاهله لها؟ أم هل هو مجرد طلقة أخيرة لمبعوث يستعد للاستقالة، أراد بها إحراج الدول الراعية للمغرب والحامية له، وتعطيل حل الصراع من داخل مجلس الأمن؟
تجاهل للمرجعيات القانونية والدولية
مبدئيًا، لا شك أن اقتراح تقسيم الصحراء الغربية متناقض شكلًا ومضمونًا مع أبسط قواعد القانون الدولي، إذ إن هذا البلد الشمال أفريقي خاضع وفقًا للقانون الدولي لعملية تصفية استعمار كبلد محتل، يجب تمكين شعبه من ممارسة حقه في تقرير المصير مثل جميع الشعوب الأفريقية التي نالت استقلالها خلال ستينيات وسبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، يتجاهل مقترح التقسيم هذه الحقيقة، ويتعارض مع القرارات الأممية ذات الصلة، التي تدعو باستمرار إلى تسوية الصراع عبر استفتاء الشعب الصحراوي، الذي يُعتبر المالك الوحيد للسيادة في الإقليم باعتراف كل آليات القانون الدولي ومحاكمه وهيئاته.
ولا ينتهك المقترح الوضع القانوني للصحراء الغربية فقط، بل يعيد إلى الأذهان جريمة تقسيم هذا الإقليم في 1975، عندما تواطأت إسبانيا، المستعمرة السابقة، مع المغرب وموريتانيا، بدعم من فرنسا، لتقسيمه على حساب الشعب الصحراوي. هذه الخطوة أدت، كما يتذكر الجميع، إلى اندلاع حرب استمرت 16 عامًا بين المغرب وجبهة البوليساريو، قبل أن يتم توقيع اتفاق السلام الأممي الأفريقي ووقف إطلاق النار في 1991 على أساس تنظيم استفتاء حر وعادل للشعب الصحراوي.
لماذا العودة إلى هذا المقترح الآن؟
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يعود دي ميستورا إلى التقسيم الآن، بعد مرور نصف قرن على فشل هذا المقترح-الجريمة؟ ربما يكمن السبب الرئيسي في عجز مجلس الأمن عن إيجاد حل نهائي للنزاع بسبب تعنت بعض الأعضاء الدائمين الداعمين للاحتلال المغربي، الذين يصرون على الدفع بالمنطقة المغاربية، وربما القارة الأفريقية بأسرها، إلى مرحلة جديدة من الحروب وعدم الاستقرار.
لكن، لماذا لا نقرأ خطوة دي ميستورا أيضًا على أنها محاولة أخيرة لتسليط الضوء على فشل المجتمع الدولي، وكأنه يرغب في فضح تقاعس هذا المجتمع عن الدفاع عن القانون الدولي الذي يدعي حمايته والحرص على تطبيقه في نزاعات معينة، بينما يتجاهل نفس هذا القانون، بل ويسعى إلى انتهاكه وتشريع الاحتلال في أماكن أخرى مثل الصحراء الغربية وفلسطين؟ وكأن دي ميستورا يقول لمجلس الأمن: “حسناً، ما دمتم تعرفون أن هذه القضية هي مسألة تصفية استعمار، وما دمتم ترفضون تمكين الشعب الصحراوي من حقه، فلماذا لا تقسمون هذا الشعب وأرضه بين الطرفين وتنهوا مأساته بأمر واقع استعماري؟”.
من جهة أخرى، قد يُقرأ تقديم هذا الاقتراح الآن كإعلان إفلاس وفشل من قبل دي ميستورا، الذي هو بالتأكيد مستعد الآن للاستقالة على غرار مبعوثين سابقين عانوا قبله من العقبات الفرنسية والصهيونية، الحليفة للسلطة المخزنية. لكن الأكيد أن المبعوث الأممي واجه طريقًا مسدودًا في جهوده لمحاولة تليين مواقف طرفي الصراع، المغرب وجبهة البوليساريو، اللذين اتفقا، على ما يبدو، على رفض أي حديث عن تقسيم الإقليم، ولو من منطلقين مختلفين. فبالنسبة للمغرب، كانت تجربته في تقسيم البلاد كغنيمة حرب سنة 1975 فاشلة ولم تُنهِ الصراع، أما بالنسبة لجبهة البوليساريو، فلا تقبل بأي حل يتناقض مع الشرعية الدولية ومع حق الشعب الصحراوي، الذي تمثله، في السيادة الكاملة على وطنه وثرواته.
ضربة قاسية لخطة الحكم الذاتي المغربية
والمثير للسخرية أن هذا المقترح، رغم ما سبق وأكدنا من لا شرعيته، يوجه ضربة قاسية لخطة الحكم الذاتي التي تروج لها الرباط كحل للنزاع. فمنذ سنوات، تسعى الدبلوماسية المغربية إلى إقناع المجتمع الدولي بأن الحل الوحيد الممكن هو حكم ذاتي موسع للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، وهو ما لاقى دعمًا، ولو إعلاميًا، من بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وإسبانيا. ورغم ذلك، لم تحظَ ولو بأبسط نقاش من قبل المجلس، لكن إحاطة دي ميستورا الأخيرة أمام مجلس الأمن كشفت أنه حتى هذه الخطة المغربية ليست سوى خطوط عريضة غير مكتملة وغير مفهومة، كما قال دي ميستورا.
بل ازداد الموقف المغربي ارتباكًا عندما اعترف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عقب إحاطة المبعوث الشخصي، بأن خطة بلاده لن تتبلور إلا إذا تم اعتمادها من قبل مجلس الأمن كحل وحيد للنزاع. هذا التصريح يكشف أن هذه الخطة ليست سوى طرح سياسي لم يرقَ قط إلى مستوى خطة عملية قابلة للتطبيق، وبالتالي، فإن الدول التي أعلنت دعمها لها، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا، تبدو وكأنها دعمت حلاً خياليًا لم يتشكل بعد، وهو ما يظهر أن مواقفها المعلنة مجرد مزايدات ومناورات سياسية مقابل مصالح آنية لا أكثر.
الحكم الأوروبي والضغوط الدولية
من جهة أخرى، جاء مقترح دي ميستورا بعد حكم محكمة العدل الأوروبية الذي ألغى الاتفاقيات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالصيد والمنتجات الزراعية، والذي أكد أن المغرب لا يملك أية سيادة قانونية على الصحراء الغربية. ويعيد هذا إلى الأذهان قرار محكمة العدل الدولية لسنة 1975، الذي أكد عدم وجود أي روابط سيادة بين المغرب والصحراء الغربية، وثبّت هذه القضية في إطار تصفية الاستعمار داخل أروقة الأمم المتحدة وهيئاتها.
ومن الواضح أن مقترح التقسيم هذا ليس بريئًا، بل يحمل بصمات التدخلات الدولية، خصوصًا من فرنسا والولايات المتحدة. فبالنسبة لفرنسا، الحامي الأول للمملكة المغربية وعرابة الأسرة الحاكمة فيها حاليًا، فقد دعمت دائمًا احتلال الأرض بالقوة أو تقسيمها لمصلحة محميتها. فقبل دي ميستورا، اقترح الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان عام 1975 تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، ووافقت عليه إسبانيا وموريتانيا آنذاك، وهو ما يعيدنا إلى التاريخ الاستعماري الفرنسي في المنطقة.
كما لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة في هذه اللعبة، فهي تُعد “حاملة القلم” في مجلس الأمن فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، أي أنها تلعب الدور الأكبر في صياغة القرارات المتعلقة بالصراع. وبالتالي، من المحتمل أن تكون واشنطن تعمل وراء الكواليس لطرح هذا الاقتراح، في إطار مساعيها لتحقيق توازن سياسي يرضي حلفاءها في المنطقة. غير أن الأكيد أن مجرد طرح الفكرة ينزع كل مصداقية من المبعوث الشخصي، ومن يقف وراءه، ويضع المنظومة الدولية برمتها في قفص الاتهام. فمن غير المقبول أن تسعى الأمم المتحدة، ومن يمثلها، إلى البحث عن حلول خارج الشرعية الدولية، لحل نزاع راسخ في أدبيات ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة حق الشعوب غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير والاستقلال.
رفض جبهة البوليساريو
الأكيد أن جبهة البوليساريو لم تتردد لحظة واحدة في التعبير عن رفضها القاطع لأي مقترح خارج الإطار القانوني المعترف به دوليًا لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، وهو موقف متسق مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، الذي يشكل حجر الزاوية في أي عملية سلام. ولذلك، كانت الجبهة واضحة في إعلانها للجميع، وبشكل رسمي عبر مراسلات ومواقف مكتوبة، أن أي محاولة للالتفاف على هذا الحق ستقابل بمعارضة شديدة من الشعب الصحراوي، الذي يستند إلى قرارات دولية واضحة تؤكد حقه في الاستقلال وتؤكد أساسًا حقه في المقاومة والنضال بكل الطرق المشروعة، بما في ذلك عبر الكفاح المسلح، لانتزاع حقوقه كاملة غير منقوصة.
والأهم من ذلك، أن مجرد اقتراح تقسيم الصحراء الغربية، في إحاطة رسمية وراء الأبواب المغلقة لمجلس الأمن، يثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل القانون الدولي وشرعية الأمم المتحدة. فإذا ما تم قبول هذا المقترح تحت أي مسمى أو مبرر، فسيكون بمثابة مكافأة للاحتلال العسكري والتوسع على حساب حقوق الشعوب، وسيشكل ذلك سابقة خطيرة، ليس فقط في الصحراء الغربية، بل في كل الصراعات التي تسعى فيها قوى أكبر إلى فرض حلول تتعارض مع إرادة الشعوب.
وفي الختام، يمكن القول إن ارتداد المسؤولين الأمميين إلى مقترح التقسيم الاستعماري للصحراء الغربية ليس إلا خطوة رجعية تعيد الصراع إلى المربع الأول، وتكشف عن عجز المجتمع الدولي في تطبيق مبادئه الأساسية، وتبعث رسالة واضحة لجميع الشعوب بأن الوقت قد حان للوقوف في وجه كل الحكومات الرجعية والاستعمارية التي تريد العودة بالإنسانية إلى قانون الغاب، وإلى عصور الظلم والظلام.
حمة المهدي
هذه خلفياتها..
الصفقة المشؤومة
بقلم: حمة المهدي (كاتب وإعلامي – الصحراء الغربية)
على الرغم من أن القضية الصحراوية مدرجة على طاولة الجمعية العامة للأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار منذ عام 1963، بعد أن أحالت إسبانيا معلومات بشأن الصحراء الإسبانية بموجب المادة 73 (هـ) من ميثاق الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين تعتمد الجمعية العامة كل عام قرارًا بشأن الصحراء الغربية ينص بشكل واضح على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، إلا أن المحاولات المتكررة للالتفاف على هذا الحق لم تتوقف يومًا، واستمرت بطرق شتى. وآخر هذه المحاولات كانت إعادة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستيفان دي ميستورا، لاستنساخ فكرة التقسيم التي بدأت مع الغزو العسكري المغربي للصحراء الغربية عبر اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975، والتي بموجبها تخلت إسبانيا عن مسؤوليتها في تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية وتقسيمها بين المغرب وموريتانيا. ما أدى إلى حرب إبادة جماعية ضد الشعب الصحراوي وتهجيره من أرضه، والسيطرة على خيراته وممتلكاته.
وقد استطاعت جبهة البوليساريو إفشال مخطط التقسيم الذي بدأت به هذه القوى الاستعمارية الجديدة (المغرب ونظام ولد داداه) في 14 أفريل 1976، وبدعم من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد الهزائم المتكررة لتقدم الجيوش الغازية، وخروج موريتانيا من الحرب على وقع الهزائم الميدانية، وتوقيعها اتفاقية سلام مع جبهة البوليساريو في 5 أوت 1979، والتي توجت فيما بعد باعتراف الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالجمهورية الصحراوية، وهو ما أنهى اتفاقية مدريد إلى الأبد.
وبعد خمسة عقود من المقاومة والصمود والتصدي لمؤامرات التقسيم والقضاء على الشعب الصحراوي بشتى الوسائل والأساليب، يحاول المبعوث الشخصي إحياء الأطماع التوسعية المغربية بتقديمه لمقترح التقسيم، في تناقض صارخ مع مهمته في الالتزام بمأمورية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، والتي تتحدد مهمتها في الاسم الذي تحمله بقبول طرفي الصراع. وهذا ما جعل جبهة البوليساريو تجدد التأكيد بأنها لا تقبل بشكل قاطع وحاسم الخوض في مناقشة أي مقترح أو فكرة من تقسيم وغيره يقع خارج الإطار القانوني لنزاع الصحراء الغربية، ويتعارض مع مأمورية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، والتي تحدد سياق مهمة المبعوث الشخصي نفسه.
وبالنظر إلى الضجة الإعلامية التي أحدثها المقترح وتوقيته في ظل التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، وانسياق غالبية الأنظمة العربية في صفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وخذلان المقاومة، ومقايضة النظام المغربي للاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء الغربية مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني، يمكن أن يفسر مشروع التقسيم الذي وُلِد ميتًا مع الاجتياح المغربي للصحراء الغربية.
كما أن الضربات المتواصلة لجيش التحرير الشعبي الصحراوي، مستهدفة معاقل قوات الاحتلال المغربي واستنزافه، ظهرت آثارها على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية في المملكة المغربية، وارتفاع المديونية العامة لأرقام قياسية غير مسبوقة، مع فشل النظام المغربي في احتواء هذه الأزمات الداخلية. كل هذه العوامل دفعت المبعوث الشخصي إلى تقديم أنصاف الحلول في محاولة منه لكسب دعم الدول المؤثرة في مجلس الأمن الدولي، خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد فشل تسويق مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحته إسبانيا على الشعب الصحراوي عام 1965 قبل أن يستنسخه المغرب في سنة 2007، ولكنه أصبح اليوم متجاوزًا، في ظل الاعتراف الدولي بعدالة القضية الصحراوية والانتصارات التي يحققها الشعب الصحراوي على مختلف واجهات الصراع مع الاحتلال المغربي، والتي كان آخرها حكم المحكمة الأوروبية لصالح الشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير والسيادة على موارده الطبيعية.
حمدي يحظيه
خطأ تاريخي يلاحق المغرب..
كيف يُحرج اقتراح تقسيم الصحراء موقف الرباط؟
بقلم: السيد حمدي يحظيه (كاتب – الصحراء الغربية)
تناول المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، في إحاطته لمجلس الأمن “حل تقسيم الصحراء الغربية” بين المغرب وجبهة البوليساريو. وحسب المعلومات، فقد أخبر دي ميستورا الطرف المغربي بهذا الاقتراح في أفريل الماضي، وأبلغ جبهة البوليساريو في بداية أكتوبر.
جنت براقش على أهلها
يُعتبر تقسيم الصحراء الغربية خطأ ارتكبه الاحتلال المغربي سنة 1976، عندما قسّمها -الصحراء الغربية- مع موريتانيا. تلك الفكرة الغريبة جرّت على المغرب الكثير من الويلات السياسية، وقزّمته وحوّلته إلى دويلة غير متأكدة مما تقوم به. العالم، كله، الآن، يسأل المغرب السؤال الدائم المحرج: إذا كانت الصحراء الغربية لك، ضمن حدودك التاريخية، فلماذا قسمتها مع موريتانيا؟ كان المغرب يجيب بتعجرف أن ذلك الجزء هو أرض موريتانية.
المشكلة الثانية المرتبطة بالتقسيم هي أن موريتانيا خرجت من الحرب وتخلت عن الجزء الذي كانت تحتله، مما فرض على المغرب أن يحتله. احتلال المغرب للجزء الذي كانت تحتله موريتانيا جعل العالم يلتفت إلى المغرب من جديد ويسأله: بما أنك كنت تقول إن هذا الجزء هو تراب موريتاني، فلماذا تحتله الآن؟ حتى الآن، لا تزال تلك الأسئلة مطروحة على المغرب، ولا يزال غير قادر على الإجابة عليها، وجوابه الوحيد هو الهروب إلى الأمام.
التقسيم فكرة فرنسية تعود إلى سنة 1979
في سنة 1979، بعد خروج موريتانيا من الحرب، اقترحت فرنسا أن يتم تسليم الجزء الذي كانت تحتله موريتانيا للبوليساريو لتؤسس عليه دولة، ويتم الاعتراف الدولي للمغرب بالجزء الشمالي من الصحراء الغربية، ويتم تعديل الحدود بين الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية، لكن تم رفض الاقتراح من طرف البوليساريو.
الاقتراح المرفوض إحراج كبير للمغرب
فعلًا، تم تداول خطة التقسيم في الأمم المتحدة، واقترحها دي ميستورا على مجلس الأمن، إلا أن الناطق الرسمي باسم الأمين العام قد صرح بأن الاقتراح ليس اقتراحًا رسميًا. بالنسبة إلى الصحراويين، وبالنسبة إلى القانون الدولي، قضية الصحراء الغربية لا تقبل القسمة على اثنين، والأرض معروفة وحدودها مرسومة ومودعة في أرشيف الأمم المتحدة منذ سنة 1947. هي أرض غير متنازع بشأنها، وهي فقط محتلة بالقوة.
يمكن أن يحدث التقسيم في الأراضي المتنازع بشأنها فقط، أما الأراضي المحتلة بوضوح فلا يصلح فيها التقسيم. إذن، فكرة التقسيم التي جاء بها دي ميستورا، بالنسبة إلى الصحراويين، مرفوضة الخوض فيها والاستماع إلى تفاصيلها، ومرفوض الاستماع إلى من أتى بها، فما بالك بقبولها أو نقاشها.
ورغم أنها خطة مرفوضة، فإن مجرد طرحها أو الحديث عنها في الأمم المتحدة يُعتبر محرجًا بالنسبة إلى المغرب. فهذا الاقتراح -التقسيم- يعني أن الدول التي تؤيد الحكم الذاتي لا تزال لا تعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، ومستعدة لنقاش حلول أخرى غير الحكم الذاتي. والأمر الآخر المهم هو أن حلًا آخر يتم مناقشته في الأمم المتحدة وتستمع الدول إليه، مثل حل التقسيم، يعني أن الحكم الذاتي لم يعد مطروحًا على الطاولة وتم سحبه.
محمد فاضل محمد سالم الهيط
دي مستورا يكشف ما كانت تخفيه فرنسا..
من مشروع “تيرس الغربية” إلى دعوات التقسيم
بقلم: محمد فاضل محمد سالم الهيط
استغرب الجميع اقتراح المبعوث الأممي العجوز الإيطالي دي ميستورا بتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، باستثناء الشعب الصحراوي الذي سبق وأن عُرضت عليه الفكرة أكثر من مرة في السابق، وكان موقفه ولا يزال “كل الوطن أو الشهادة”. إن الوطن وحدة لا تتجزأ، ومن يفرط في شبر منه يفرط فيه بالكامل.
إن ستيفان دي ميستورا لم يأتِ بجديد، وإنما أحيا مشروعًا قديمًا كان مخبأً في رفوف الخارجية الفرنسية. أيام الرئيس جيسكار ديستان، روجت الدعاية الفرنسية لما سُمي وقتها بمشروع “تيرس الغربية”، والمقصود به تحديدًا ما ورد في اقتراح العجوز الإيطالي، أي منطقة “وادي الذهب”، لتؤسس البوليساريو عليها دولتها، كما توهمت مكاتب المخابرات الفرنسية في ذلك الوقت.
ساومت فرنسا الصحراويين في الموضوع، خاصة بعد عجز الجيش موريتانيا الحكم الدادهي (خلال حكم ولد داداه) عن السيطرة على حصته من تقسيم الصحراء الغربية بموجب اتفاقية مدريد المشؤومة في 14 نوفمبر سنة 1975. وبعد عملية زويرات التاريخية يوم فاتح ماي 1977، التي استهدفت المصالح الفرنسية مباشرة، المتمثلة في استغلال منجم الحديد وأسر عدد من المتعاونين الفرنسيين، من بينهم عناصر دعم للقوات الموريتانية من المخابرات العسكرية الفرنسية، وما حققه هذا الهجوم المظفر من صدى محلي ودولي، ومن انعكاسات مباشرة على الدولة الفرنسية، سارعت حكومة جيسكار ديستان من خلال مفاوضيها الذين كانوا يسعون إلى إطلاق سراح الأسرى الفرنسيين إلى محاولة إغراء نظرائهم الصحراويين بدعم دولة مستقلة في الجزء الذي تحتله موريتانيا، أو ما تُعرِّفه الدوائر الفرنسية بـ “تيرس الغربية”، أي وادي الذهب.
لقد خاب أمل الحكومة الفرنسية في إخضاع القادة الصحراويين لإغراءاتهم، فلجأت إلى القوة تطبيقًا لسياسة “العصا أو الجزرة”. فكان تدخل الطيران العسكري الفرنسي المباشر في الحرب، حيث هاجمت طائرات الجاكوار الفرنسية من قاعدتها في “سان لويس” في السنغال وحدات من جيش التحرير الشعبي الصحراوي بهدف قلب ميزان القوة لصالح الاحتلال والغزو الموريتاني الذي أصبح على وشك الانهيار والاستسلام، رغم خطة الدفاع المشترك مع الجيش الملكي المغربي. إلا أن هذا التدخل المباشر للدولة الفرنسية، العضو الدائم في مجلس الأمن، لم يحسم الصراع ولم يغير من المعادلة، بل توسعت رقعة الحرب بحيث لم تعد مقتصرة على الصحراء الغربية، بل شملت كل التراب الموريتاني وهددت القواعد العسكرية الفرنسية في السنغال، حيث كانت الهجمات تطال النعمة، وكيفه، وولايات وباسكنو وغيرها.
عندها، فكرت فرنسا حفاظًا على مصالحها في موريتانيا والشمال الأفريقي، بعدما تأكدت من أن نظام ولد داداه أصبح لا جدوى من بقائه، في مناورة أخرى لعله تسحب البساط من تحت أقدام جبهة البوليساريو. حيث رُوجت في منتصف سنة 1978 لفكرة نوع من الاندماج الصحراوي الموريتاني في مكون واحد، مع الاستفادة من نجاح تجربة النظام الصحراوي في الحكم، إذ كما كان قد روج وقتها: “موريتانيا دولة بلا نظام، والبوليساريو نظام بلا دولة”. وبالتالي، حسب “العبقرية” الفرنسية، يمكن للصحراويين أن يتخلوا عن مطلبهم بالاستقلال التام للصحراء الغربية ويكتفوا بتشريع ضم وادي الذهب إلى موريتانيا، مقابل تقاسم السلطة في نواكشوط، أو حتى السيطرة عليه بما لا يتعارض مع المصالح الفرنسية واستراتيجيتها في المنطقة.
تلك محاولة باءت بالفشل، ولما تجد الحكومة الفرنسية بدًا من الإطاحة بالنظام في نواكشوط، لكي ترفع البوليساريو يدها عن ضرب المصالح الفرنسية في هذا البلد. واليوم، ربما يعيد التاريخ نفسه وتكرر فرنسا الغبية نفس السيناريو الذي فشلت فيه سابقًا. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن الاستثمارات التي يسعى ماكرون إلى بسطها على المناطق المحتلة من الصحراء الغربية، عقب زيارته المرتقبة في أواخر هذا الشهر إلى المغرب، لن يجد لها ضمانات وحماية كافية، فضلاً عن حماية الملكية نفسها في المغرب من خطر الانهيار وخروج المنطقة بالكامل عن الهيمنة الفرنسية. لذا، تدفع فرنسا ودول غربية أخرى، ولا شك بموافقة المغرب، إلى إبعاد الخطر القادم بتطور الحرب في الصحراء الغربية، بمنح البوليساريو إقليم وادي الذهب – وكفى المؤمنين شر القتال.
إن العجوز الإيطالي دي ميستورا، الذي يمتلك سيرة ذاتية مليئة بالفشل من العراق إلى أفغانستان ثم سوريا، يعلن صراحة أنه عاجز عن الاستمرار في المهمة ويطلب إعفاءه، وهذا كان متوقعًا. لكن المهم في كل هذا هو، بعد تأكيد قرار المحكمة العليا الأوروبية بأن لا سيادة للمغرب على الصحراء الغربية، وأن البوليساريو هي الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، وغير ذلك من القرارات الأممية، فضلاً عن العودة إلى الحرب ونسف قرار وقف إطلاق النار، أصبح العالم مقتنعًا، بما فيهم أعداء الشعب الصحراوي، بأنه لا تنمية ولا استثمار ولا استقرار وسلام في المنطقة إلا بتمكين الصحراويين من إقامة دولة لهم يمارسون عليها سيادتهم.
ثانيًا، إن كثرة الاقتراحات وأشباه الحلول وعجز الأمم المتحدة عن الوفاء بالتزامها للشعب الصحراوي في تقرير المصير يظهر الارتباك الحقيقي الذي وقع فيه المجتمع الدولي، مما حدا بدي ميستورا إلى التصريح بما كان مخفيًا. وإن ما أبدته دول أوروبية، خاصة فرنسا وإسبانيا، من اندفاع نحو المغرب، يعكس الخوف الفعلي على مصالحها الاقتصادية التي أصبحت مهددة، خاصة بسبب ضعف النظام الملكي والاحتقان الشعبي الذي إذا انفجر، فعواقبه لا يعلمها أحد. ولكنها مهددة أيضًا باستمرار جبهة البوليساريو في تطوير قدراتها العسكرية وما يمكن أن تفاجئ به خصومها في الميدان مستقبلاً.
إذ نهنئ العجوز الإيطالي ستيفان دي ميستورا على شجاعته في كشف جزء من المستور، ونتمنى له الحصول من الأمم المتحدة على معاش محترم. أما الشعب الصحراوي، فقد حنكته التجارب وشعاره الدائم: “كل الوطن أو الشهادة”.
حميد سعدون - جريدة الأيام نيوز