تتجدد طبعات الملتقى الدولي لحوار الاديان من اجل السلام في الصحراء الغربية، وسط تساؤلات عن الهدف من هذه الملتقيات التي تنظم في مجتمع مسلم لم يعرف عبر التاريخ التعددية الدينية او المذهبية التي تتطلب عقد منتديات من هذا النوع لتقريب وجهات النظر او البحث في سبل التعايش بين المذاهب والطوائف المختلفة، ما يطرح الاستفهام عن سر تنظيم هذا الملتقى الديني.
وبالرجوع الى بداية الفكرة التي إنبثق منها يبطل العجب ويتضح السبب الذي جعل من مخيمات اللاجئين الصحراويين همزة وصل بين الحضارات واتباع الديانات من أئمة وعلماء مسلمين وقساوسة وباحثين من مختلف الجنسيات في هذا الملتقى السنوي، للتضامن مع الشعب الصحراوي والتعبير عن الانشغال بالوضعية السياسية والإنسانية المعقدة التي يعيشها بسبب الاحتلال المغربي للصحراء الغربية وتشريد شعبها خارج ارضه.
وهنا لا بد من وضع بعض النقاط على الحروف حتى تتضح الصورة لدى البعض عن الملتقى ويزول اللبس، وكما يقال من جهل الشيء عاداه، فقد بدأ الملتقى سنة 2005 باتفاق بين اتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب مع بعض المتضامنين الامريكيين الذين ساهموا في بناء مدارس "السلام" لتعليم اللغة الانجليزية بمخيمات اللاجئين، وهي اليوم من اكثر المشاريع الغربية نجاحا، حيث تخرج منها العشرات من الطلبة الذين يتقنون هذه اللغة مع دعم بعض العائلات في انشاء مزارع عائلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ونتيجة لعقيدة المتعاونين الانجيلية، فقد كانت فكرة الملتقى حاضرة كفضاء للحوار بين الأديان، وهي الفكرة التي تبنتها منظمة الشبيبة الصحراوية وعملت على انشاء لجان تحضيرية لمواضيع الملتقيات ومراعاة القيم المشتركة ونقاط الالتقاء وإضفاء الطابع التضامني مع الشعب الصحراوي والخروج بتوصيات وبيانات للتعبير عن الوقوف الى جانب الصحراويين في نضالهم وتحسيس العالم بمعاناتهم وعدالة قضيتهم وهو ما يشكل دعما سياسيا وإعلاميا يرافق تنظيم هذه الملتقيات وكسب اصوات متضامنة من داخل الكنيسة التي لها تأثير كبير انسانيا وسياسيا في الغرب وهو ما يترجمه تأسيس منظمة "نوت فورغيتن إنترناشيونال" الأمريكية والتي تنشط في مجال التعريف بالقضية الصحراوية وتشارك بمداخلات في الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرافعة عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وتسليط الضوء على الانتهاكات المغربية لحقوق الانسان في الصحراء الغربية.
هذا فضلا عن التقارير التي ترفعها هذه المنظمة للخارجية الامريكية حول الوضع في مخيمات اللاجئين الصحراويين وتجربة الدولة الصحراوية في بناء المؤسسات وتفنيد الشائعات التي يروجها الاحتلال المغربي حول الارهاب والتطرف الديني.
وقد تطرقت وثائق ويكيليكس عن جزء من هذه البرقيات التي تتحدث عن طبيعة الأوضاع في مخيمات اللاجئين وحالة التسامع والانفتاح على الاخر وغياب مظاهر التطرف بكافة اشكاله وانواعه، وهي التقارير التي اعتمدتها الولايات المتحدة كمعلومات ذات مصداقية
وفي خضم الحذر المشروع من الانجرار وراء الدعوة الى "وحدة الاديان" التي يحاول البعض طمس حقيقة الاسلام واطفاء نوره بظلام الكفر والضلال في دين واحد وهو المسعى الذي يسميه البعض اليوم بالدين "الإبراهيمي" الذي يناقش في الدوائر المؤطرة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والمتاجرين بالدين لخدمة الاجندات السياسة واستهداف الامة الاسلامية في عقيدتها ودينها، فإنه لا بد من التأكيد على المسلمات التي لا تقبل الجدال أو التأويل في ديننا الحنيف، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) وهي العقيدة الراسخة التي اكد عليها المولى عز وجل ايضا : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
واعتقادنا الجازم بان القرآن الكريم هو آخر الكتب نُزولاً وناسخا لكلِّ ما قبله من الكتب السماوية (الزبور والتوراة والإنجيل و صحف إبراهيم وغيرها). قالَ تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ".
ومن خلال هذا يتبين الفهم المطلوب في إدارة هذه الملتقيات، والأهداف المرجوة منها والتي تتمثل في:
- التصدي للشائعات التي تحاول الإساءة لكفاح شعبنا، وربطه بالتطرف أو الإرهاب. - التضامن مع الشعب الصحراوي من خلال دعاة السلام القادمين من مختلف القارات واطلاعهم على واقع التشريد واللجوء بسبب الاحتلال.
- مد جسور التواصل الحضاري والثقافي والوقوف الى جانب القضايا العادلة كأسس متفق عليها بين الجميع.
- فضاء فكري لمناقشة القضايا الدينية التخصصية بين العلماء والباحثين في المجال لابراز الحجج والجدال بالتي هي احسن، مصداقا لقوله تعالي :(وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
وخلال هذه الملتقيات برزت شخصيات اسلامية لها قدرة كبيرة على الاقناع وإبراز حجة الاسلام على الناس جميعا، ومن بينهم الشيخ الدكتور يزيد حمزاوي ـ رحمه الله ـ الذي لقب بـ "احمد ديدات الجزائر" لما له من دور في التصدي للمنصرين والرد على شبهاتهم وله مؤلفات في المجال، من بينها كتاب النصرانية وإلغاء العقل وكتاب الإنجيل المحرف يهين المسيح، وكتاب المسيحية البضاعة المغشوشة، وقد ساهم نشاطه الحواري في دخول بعض النصاري في الاسلام وقد قال صلى الله عليه وسلم (فو الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم) متفق عليه.
وفي الاخير يبقى الحوار منبرا للتضامن مع الشعب الصحراوي والتواصل بين رجال الدين والفكر من مختلف بقاع العالم، وهي فرصة سنوية للاستفادة من تأثير هؤلاء في بلدانهم ومجتمعاتهم وتحميلهم رسالة الشعب الصحراوي إلى العالم وكلما كان الفهم واضحا لدى القائمين على تنظيم الملتقى في تحقيق نتائج إيجابية على القضية الصحراوية وكسب متضامنين جدد، وجعله فضاءا للمرافعة عن القيم المشتركة في احترام حقوق الانسان والوقوف مع القضايا العادلة، يكون الملتقى قد حقق اهدافه التي رسمت له غداة التأسيس.
بقلم : حمة المهدي