نترقب قصة الملك الطاغية من حكايات كان يا مكان التي تسامرنا بها الجدة كل ليلة نجتمع حولها في حلقة دفء تحفنا بحنانها وتغمرنا بنور بيانها، فقد توقفت في الليلة الماضية عند تولي "الطاغية" للحكم بعد موت والده ... حان الموعد نتسابق لحجز المقاعد الملاصقة للجدة ... بعد أن قبل الجميع رأسها واطمأنت على أحوالنا ساد الصمت والخشوع ... ليبدأ الجميع في الاستماع لسرد الحكاية!.
الجدة : كان يا مكان في حاضر الدهر وغريب الزمان ملك طاغية يدعي حيازة الشرف وينسب نفسه لأشرف السلف، يحكم مملكته بالحديد والنار، ويبنيها على البؤس والشقاء ويسوس الشعب بالظلم والاضطهاد فتعيش الرعية ضحية، تغرق في الإقصاء والحرمان وأوحاله المزرية حتى لم يعد يطيق الكثيرون العيش فابتكروا طرق عدة للتخلص من الواقع المرير والمعاش النكد، ففر الكثير يمتطي الموت في اتجاه البحر وفر آخرون إلى دول الجوار هربا من القمع المهين، وبقي من عجز عن الفرار، ينتظر انقضاء الأجل ليرتاح بالموت من حياة الذل والقهر ويقتص من الملك عند رب الملك ...
اصطفى الملك ـ الذي بنى عرشه على جماجم البشر ـ حاشية وجلساء يتسابقون لتقبيل يده والانحناء بالركوع لذاته، ويعم الخوف والهيبة في حضرته ... تبدأ مجالسه بالدعوات والتأمينات للملك بالعافية والصحة الموافية واليمن والدوام والسلامة من الأسقام ... اختار لصحبته مهرة السحرة والدجالين والنفاثات في العقد ومستشارين من دهاة اليهود يجيدون المكر ويحسنون التمثيل، فيما كانت المملكة على شفا جرف هار، تنذر بالزوال من شدة التذمر والاحتقان... كان بالجوار شعب يحتفل ويقيم الأفراح ويتقاسم ثقل الأتراح، يتمتع بكامل الحرية، في أرضه البهية، ومشاهد أمواج بحره الذهبية ورمال ارضه السحرية، يتنفس نسمات الهواء النقية فالناس في سلم وأمان، يتجولون بأريحية واطمئنان في أطراف الأرض الممتدة، فهي أمانة الأجداد في رقاب الأولاد والأحفاد، لم ينازعهم أحد فيها قط ،رغم كثرة الطامعين ومحاولات توغل المتربصين والحاقدين، إلا أنهم صمدوا ودفعوا من اجلها أنفس ما ملكوا ...الناس تمتهن التجارة والرعي وبقية الحرف الأخرى وتربي الماشية والإبل، الأرض ساحرة بجمالها وتنوع مناخها ومناظرها، بحرها الممتد، باطنها الغني بالثروات الثمينة كل هذه الخصائص والميزات أهلتها لتضاهي أجمل البلدان وجلبت لها الأطماع من كل حدب ومكان وفي ذلك الزمان كانت توجد قوة أجنبية استغلت خيرات الأرض الثرية وتعايشت مع الناس بإظهار الحب والوداد وإبطان البغض والخداع تفطن الناس لخطورة الوضع وجشع المحتل وان وجهه الحقيقي ليس الحب والصفاء وإنما المكر والخداع فانكشف الستار واتضحت خيوط المؤامرة ولم يعد معنى للمهادنة بدأ الناس يظهرون الاستياء من عمل الاحتيال وكان الاحتجاج يتصاعد باستمرار ويطالب برحيل الغزاة تشكلت قوات ثورية وحاربت أذناب الرجعية أدرك الغزاة أن الوقت قد أصبح موات وان عليهم الرحيل قبل الفوات وان الشعب الطيب لا يتحمل أكثر مما فات لأنه استيقظ من السبات، استجابت القوة الاسبانية لمطالب الشعب الجلية ورحلت لكنها خلف ستار الانسحاب تـأمرت ووقعت مع الجيران على استمرار الاحتلال ... هم الملك بالأمر الجلل استدعى الساحر ليكيد والمستشار ليشير اغتنم مستشاري اليهود فرصة خروج الإسبان فهمسوا في أذن الملك:
هذا الشعب لا يمكن أن ينعم وحده بكل هذه الخيرات ويجب ان تكون صاحب الملك وولي الطاعات في كل المنطقة وان تخضع أهلها لجبروتك وسلطان ملكك هضم الملك الفكرة واعد العدة للمغامرة وجمع الحاشية وخطب فيهم:
أيها العقلاء أفتوني فيما عزمت من أمري ما كنت فاعل حتى تشيرون قالوا نحن أولوا قوة وأولوا باس شديد ثم خطب في الجنود بلغة جديدة لم يألفوها: أيها المؤمنون أيها الوطنيون .. سنخوض غمار حرب لتوسيع مملكة المجد ونبني صرح العز وتشربوا الشاي في أرضكم التي ستضم ..
بدلا مما اعتادوه من صفهم بأقبح الألقاب وأشنع اللمز والسباب أيها العبيد أيها الكلاب ... جيش الجيوش ونادى الحشود جمع الفقراء والمشردين واللصوص وقطاع الطرق والمتسولين لإعلان المسيرة والتهام الوطن الذي أصبح وليمة.. وأوصاهم إذا لقيتم الإسبان فقاسموهم الزاد والطعام وإذا لقيتم غيرهم من الرعاة فاقتلوهم فإنهم لا يستحقون الحياة ... خاض المغامرة المخزية فاحرق البلاد البريئة وقتل وشرد العباد وحولهم إلى شتات وزرع الرعب في الأزقة والممرات والشوك والألغام في المدن والطرقات بنيرانه الحربية حرق البرية وحولها من مسرات شعب يقيم الأفراح إلى مسيرات الجياع توقظ الأتراح قتل ومثل وقنبل وكسر وفجر ودمر شرد وهجر ... ما من ذنب إلا وارتكبه وما من حرام إلا واستحله بعد أن أنهكته الحرب حاول أن يخادع فتقاسم الأرض مع من كان الشعب يظنه اقرب سند لكن عزيمة الشعب أفشلت كل تخطيط ومكر وأرغمت المختار على الانسحاب من الأرض والاستسلام فلم يقبل حتى وقع هجوم الحصار وتمخضت عنه وثيقة السلام لان الشعبين أبو إلا السلام واحترام حق الجار أصبح الملك في عزلة أشار إليه مستشاريه اليهود بفكرة شيطانية ملخصها أن يبني جدار ذل وعار، لصد أي هجوم للثوار وتقسيم الأرض للتستر على استنزاف الثروات باطمئنان، وعزل الأراضي التي يسيطر عليها الأحرار، وبعدها نطلب وقف القتال ونخدعهم بالتفاوض والحوار، كانت الفكرة في الأساس يهودية طبخت في دوائرهم الفكرية وصدرت عبر وكلائهم في المملكة الصورية، من سدنة القصر ومستشاري المكر، أمر الجميع بالتصفيق والعمل الفوري للمشروع، بدأ بناء خط النار فشتت شمل الأهل الأحباب وفرق بين الأبناء والآباء والأحبة والأصدقاء... فاحت رائحة الخيانة في كل مكان واشربها كل هوا وسالت دماء الجريمة في الوديان وعم الخراب والدمار في كل مكان ... اشتكى الناس إلى أهل الزمان، من حيف الملك الجائر، وارتكابه لأبشع الجازر، واكبر الجرائم، فكان التدخل في آخر المطاف وتقرر وقف القتال ووضع نقاطا للحوار ... اجعلوا بيننا وبينكم موعد نتفاوض فيه ولا نخلفه، قالوا موعدكم في الصباح، فبات الملك ينظر ويجمع كيده، يرغب فجر الصباح ثم انتهى إلى فكرة، أرسل الدهاة الذين اختارهم وزودهم بأمكر ما نظر واخطر ما فكر، واختار القوم من أهل الحل والعقد ممن عرفوا بالتفاني في العمل والجدية في الامر.
حملهم الشعب رسالة واضحة تطالب بحقه في العيش بأمان، وان يعود لأرضه كما كان في سابق العهد وسالف الزمان وختمها بشعار "الاستقلال الاستقلال سلما أو بالقتال " التقى الخصمان وألقى الظلمة أفكهم دون حياء وجاء دور العقلاء فعرضوا رسالة الشعب بأمان وانه لا يقبل الضم ولا الامتهان ولا يرضى غير العزة والعيش في حرية واستقلال تام ... فصرخ الخصم مقاطعا لابد من جولة قادمة تكون أكثر فائدة .. بدأت دعوات المظلومين والأيتام تتعالى وتعرج إلى السماء على الملك بالهلاك و مملكته بالشتات، فلم ينعم بعدها بأمان، أصبحت تلك المجازر توقظه من نومه، ويسمع صراخ الأمهات الثكلى، وبكاء الصبية وأشباح وأجسام غريبة، رؤوس مقطوعة، أيادي وأرجل مبتورة، لكل الذين قتلهم وشردهم ومثلت قواته الغادرة بهم فيجزع مذعورا من فراشه ماذا تريد بي ههذه الججثث .. السدنة والخدام من هي يا مولاي؟
الملك: آه آه الأشكال الغريبة...أي أشكال؟ هدي من روعك يا مولاي .. إنها مجرد كوابيس أحلام... لا لا .. إنها حقيقية كالعيان ... لكنها بقيت تلاحقه في كل مكان حتى بعد موته زاحمته في قبره أخرج من موتك أيها الطاغية الغادر الجبار.. أيها الدكتاتور الجبان اخرج للمسالة والعقاب مرت سنوات التفاوض والحوار حتى صيف ليس ببعيد انتزعت فيه روح الطاغية فرحل فكان العيد مخلفا دمارا مر وميراث عكر أعلنت المملكة الحداد أربعين وظن الشعب أن بموته ينكسر قيد الاحتلال وتشرق شمس الحرية والاستقلال لأن الطاغية هلك وهان فعمت أجواء الاحتفال...
احدنا مقاطعا: لماذا لم يتحقق بموته الاستقلال ؟؟ الجدة تنشد وتغني:
لميليك ادخل فالشفرة .. والظباط بكاو يزوكو ..
ويدور الصحراء والصحراء .. شي محتوم يموت فشوكو...
بقلم: حمة المهدي
باتنة في 14 ابريل 2008