تمر قضيتنا الوطنية اليوم بلحظة وطنية فارقة ، لحظة تتقاطع فيها التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتتضاعف فيها تحديات اللجوء، وتتسع فيها جبهات حرب التحرير التي يخوضها شعبنا منذ أكثر من نصف قرن، في ظل مشهد دولي متسارع ومعقد، ومتغيرات إقليمية ودولية عميقة، كان آخرها تداعيات قرار مجلس الأمن الأخير وما حمله من رسائل وإشارات تتطلب قراءة واعية ومسؤولة ، مما يستدعي وعياً أعمق، ووحدة أصلب، وإرادة أكبر في مواجهة المرحلة.
لحظة يمكن اعتبارها اختبار وطني وأخلاقي حقيقي لكل صحراوي حر كريم . بل يمكن القول عنها بانها وقت ذروة معركة الوجود ، الشيء الذي يتطلب منا مناضلين ، إطارات ومؤسسات على حد السواء أن نرتقي إلى مستوى هذه اللحظة التاريخية في تفكيرنا ، عملنا ، نوايانا ، اقلامنا ، أصواتنا ، وأن نوحد جهودنا ، ونوجه طاقاتنا نحو ساحات الفعل الحقيقية.
إنها لحظة تتطلب وضوحًا أكبر في المواقف والنوايا ، وحسمًا أشد ، وإرادة وجرأة لتوجيه الطاقات والكفاءات نحو ساحات الصراع المتعددة مع العدو : الجبهة العسكرية ، الدبلوماسية ، القانونية والحقوقية ، الإعلامية والثقافية والاجتماعية والفكرية .
هذه اللحظة لا تحتاج شكليات او بروتوكلات ، أو محطات للظهور الإعلامي .بل تحتاج موقفًا واضحا . فالعدو واضح، والخونة واضحون، والجبهات مفتوحة .
إن هذه اللحظة – بتعقيداتها وضغوطاتها – استغلها العدو الاحتلال المغربي بكل قوته لاختراق وعينا والتأثير على قناعاتنا، وضخ الشائعات، ونشر اليأس والقنوط بين صفوفنا ، مستخدما في ذلك كل إمكانياته وأدواته وأوراقه لإرباك الصف الوطني. وهو ما يستدعي منا جميعا دون استثناء أن نتبنى مواقف أكثر جرأة ، وتوجها أكثر انضباطا ، وخطابا أكثر صراحة ، منسجما مع طبيعة المعركة ومتطلباتها ، لا منحرفا عنها ولا مشغولا بما يبدد الجهد ويشتت الوعي . خطابًا يفضح المحتل باسمه ، يفضح سياساته الهمجية ، يفضح حلفاءه ، ويكشف الخونة والعملاء دون تردّد.
خطابا مباشرا، صريحا لا يُهادن ولا يُساوم ، لا ينتظر الضوء الأخضر من أحد. ، يهزّ الوعي ويوقظ الغافلين، ويُحرر العقول من الخوف والتردد . خطاب يعيد للمناضلين ثقتهم بذاتهم وبمشروعهم الوطني ، وللجماهير ثقتها بقدرتها على الفعل والإبداع في أساليب المقاومة . وان نتفق جميعا إطارات ومناضلين ومؤسسات ــ رغم إدراكنا بإن الظروف الراهنة ليست هي تلك التي عاشتها الأجيال السابقة ، ( السياق الأمني ، التحولات والتوازنات السياسية ، التحديات الاقتصادية والاجتماعية ) ــ على أن ما نعيشه اليوم هو فصل حاسم من معركة الوجود التي يخوضها شعبنا الصحراوي ضدّ احتلال غاشم لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يحترم إلا صوت المقاومة، ولا يخشى إلا وعي الجماهير حين تثور من أجل حقوقها وكرامتها . وأن مستقبل قضيتنا الوطنية برُمّته، ومصير دولتنا المنشودة، واستمرارية المشروع التحرري للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، في هذه المرحلة الحساسة ، كلها قضايا مرهونة ــ حسب رأينا الشخصي المتواضع ــ بإعادة قراءة التجربة الوطنية ومراجعتها بعمق وواقعية ومسؤولية ووضوح، لفهم مكامن القوة والضعف، وتحليل الأخطاء والتحديات السابقة، واستشراف الطريق الأمثل لتفاديها مستقبلاً ، بعيدًا عن المزايدات أو الحسابات الضيقة. والاعتراف بأن الواقع عموما الذي نعيشه اليوم لا يمكن حصر أسبابه في جهة واحدة أو فرد واحد، بل مسؤولية مشتركة ، والابتعاد عن شخصنة النقد الإيجابي وخوصصة المؤسسات التنظيمية .
وكخلاصة ادق . بديهية الحاجة إلى مقاربة جديدة تحدد المهام المطلوبة من كل ادوات التنظيم ، وتُعيد ترتيب أولويات العمل المؤسساتي والفعل التنظيمي بما يستجيب لحجم وطبيعة التحديات. ويعيد للخطاب الوطني زخمه ، وللجماهير ثقتها، وللمعركة التحررية مصداقيتها الثورية المتجددة.
وفي الأخير من الهام التأكيد باننا لا نريد بأي حال من الأحوال أن ننتقد أو أن نسفه أي توجه أو جهد يعزّز مقومات الصمود، أو يساهم في تثبيت ركائز سليمة ومتينة لمشروعنا الوطني. ولا نريد أن يفهم البعض بإننا نهاجم او ننتقد سلبا أية خطوة في هذا الاتجاه ، بل نباركها ونؤيدها . فكل خطوة وطنية صادقة، وكل عمل واضح يُقوّي أسس دولتنا الفتية هو جزء أصيل من معركة التحرير . لكننا نرفض رفضا مطلقا أن يظل البعض منشغل في مسارات ثانوية، تنظيرية لا تخدم لحظة الصراع الحالية المحتدمة مع العدو على كل الجبهات ـ العسكرية ، الدبلوماسية ، القانونية والحقوقية ، الفكرية والاعلامية والثقافية والاجتماعية ، ونرى بان واجب اللحظة يفرض علينا أن نعيد ضبط البوصلة، وأن ننتقل بوعينا وخطابنا وتنظيمنا إلى مستوى المرحلة الأنية من نضالنا الوطني .
وختاما لْيعلَم الجميع – من يفهم ومن لا يفهم – أننا كمناضلين اخترنا المساهمة من حين لاخر بافكارنا واقلامنا .لا ولن نهتزّ لما قد يُقال عنا من صفات ونعوت زائفة لا تمتّ للواقع بصلة. فليقولوا ما يشاؤون ، وليختلقوا ما يشاؤون… وليكتبوا ما يشاؤون ... فنحن أكبر من كل ذلك. كنا ومازلنا وسنبقى – من المناضلين الحريصين على صون وقدسية قضيتنا، الغيورين على مصلحتنا الوطنية، دون أن نطلب من أحد جزاءً ولا شُكورا .
هذا موقف اخترناه عن قناعة، وسلوك ترسّخ فينا منذ أن قطعنا عهدًا لرفاقٍ فقدناهم في ساحات العزة والشرف . رفاقٌ استشهدوا وهم ثابتون، وما بدّلوا تبديلاً. وقيمة رضعناها من ثدي أمهات رحلن وهنّ على العهد، وتعلمناها من آباء غادروا هذه الدنيا بشرف وقلوبهم وإيمانهم متعلقة بقضيتهم الوطنية .
نحن أبناء شعبٍ لا يساوم، لا ينحني، لا يطلب إذنًا ليعيش. لا يحتاج من يخبره كيف يقاوم… بل من يقف معه حين يقاوم . هذه معركتنا… وهذه أرضنا…والنصر آتٍ ، لا لأنه وعد… بل لأنه حق، وماضاع حق وراءه مطالب .
بقلم عبيد الله الضعيف قبل أن يكون الوزير / موسى سلمى لعبيد
