في اليوم الوطني للإعلام، وذكرى تأسيس الإذاعة الوطنية للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، نقف بكل فخر واعتزاز أمام محطة تاريخية ذات دلالات وطنية عميقة، نستحضر فيها مسيرة إعلامية نضالية كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من معركة الشعب الصحراوي من أجل الحرية والإستقلال، وركنا أساسيا من أركان الصمود والدفاع عن الهوية والوجود.
لقد ولد الإعلام الصحراوي من رحم المعاناة والكفاح، فكان منذ اللحظات الأولى للثورة أداة تعبئة وتوعية، ومنبرا لنقل صوت شعب أعزل إلى العالم، في مواجهة آلة القمع والتعتيم والتضليل. وفي هذا السياق، شكّل تأسيس الإذاعة الوطنية للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية حدثا مفصليا في تاريخ النضال الوطني، حيث تحولت إلى نبض يومي يرافق الصحراويين في مخيمات اللجوء، وفي الأراضي المحتلة، وفي مواقع جيش التحرير الشعبي الصحراوي، ناقلة الأخبار، ورافعة للمعنويات، ومجسدة لوحدة المصير والهدف.
لم تكن الإذاعة الوطنية مجرد وسيلة إعلامية، بل كانت مدرسة وطنية للتكوين والتأطير، وفضاء لترسيخ القيم الثورية، وحفظ الذاكرة الجماعية، ونشر الثقافة الصحراوية الأصيلة بمختلف تجلياتها. فمن خلالها تعرف المواطن الصحراوي على تاريخه، وتشبع بروح المقاومة، واستلهم معاني التضحية من بطولات الشهداء وصمود الأسرى ومعاناة الجرحى واللاجئين.
ومع تطور التجربة الإعلامية، اتسع المشهد الإعلامي الصحراوي ليشمل الصحافة المكتوبة، والتلفزيون، ووكالات الأنباء، والمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث واصل الإعلاميون الصحراويون أداء رسالتهم في ظروف صعبة وإمكانات محدودة، لكن بإرادة قوية وإيمان راسخ بعدالة القضية. فكان الإعلام الصحراوي حاضرا في مختلف المحافل، مواكبا للأحداث، وموثقا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومدافعا عن حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والإستقلال.
وفي هذا السياق، تبرز تجربة الإعلام المقاوم في المناطق المحتلة كأحد أنبل وأشجع فصول الإعلام الصحراوي، حيث خاض إعلاميون وإعلاميات معركة غير متكافئة في مواجهة الإحتلال المغربي، متحدين القمع والحصار والمنع. فقد تحولت الكلمة الحرة، والكاميرا البسيطة، والهاتف المحمول إلى أدوات مقاومة حقيقية، تنقل معاناة المدنيين، وتفضح الإنتهاكات، وتكسر جدار الصمت المفروض على الأرض المحتلة.
لقد دفع إعلاميونا في المناطق المحتلة ضريبة باهظة لالتزامهم بالحقيقة، فتعرضوا للاعتقال التعسفي، والاختطاف، والمحاكمات الجائرة، والطرد من العمل، وسياسة قطع الأرزاق، إضافة إلى الملاحقة المستمرة والتهديد والتضييق على أسرهم. ورغم ذلك، ظلوا أوفياء لرسالتهم، صامدين في وجه الترهيب، مؤمنين بأن الكلمة الصادقة أقوى من كل أدوات القمع.
إن ما يميز الإعلام الصحراوي، داخل الوطن وخارجه، هو إلتزامه الوطني والأخلاقي، وارتباطه الوثيق بقضايا الجماهير، وحرصه الدائم على المصداقية والمسؤولية، رغم الاستهداف ومحاولات الإقصاء والتجريم.
وبهذه المناسبة الوطنية الخالدة، اليوم الوطني للإعلام وذكرى تأسيس الإذاعة الوطنية، نتوجه بأسمى عبارات الشكر والتقدير والإحترام إلى كافة إعلاميينا، بكل الوسائط الإعلامية الصحراوية، ونحييهم على صمودهم وتضحياتهم الجسيمة، كما نترحم على شهداء الكلمة الحرة الذين كتبوا تاريخا مشرفا بمداد المعاناة والوفاء.
مجددين العهد على مواصلة السير في درب الحقيقة والحرية، حتى النصر الكامل والاستقلال التام.
كما نغتنم هذه المناسبة لنجدد مطالبتنا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المعتقلين السياسيين الصحراويين في السجون المغربية، وفي مقدمتهم الإعلاميون الصحراويون، ونحمل الدولة المغربية كامل المسؤولية عن سلامتهم الجسدية والنفسية، مؤكدين أن حرية التعبير والإعلام حق إنساني لا يسقط بالقمع ولا بالاعتقال.
بقلم:يوسف محمد عبد القادر
