وكالة الأنباء المستقلة تمنح المجاهد، الشهيد ابراهيم الصالح حيمد "البوليساريو" احد بواسل جيش التحرير ومجموعة أبطال ال66 شخصية العام 2025
ولد إبراهيم الصالح حيمد، سنة 1942 بمنطقة گور انخالة بقلتة زمور، في بيئة صحراوية محافظة، نشأ على قيم الكرامة ورفض الخضوع. في سن مبكرة جدا، حمل السلاح وهو في الرابعة عشرة من عمره، حين حصل على بندقية من الغنائم التي جلبها شقيقه محمد من عملية الطانطان، في مؤشر مبكر على انخراطه العملي في مسار المقاومة. التحق لاحقا بالجيش الإسباني، شأنه شأن كثير من الشباب الصحراويين آنذاك، وهو ما أتاح له معرفة دقيقة ببنية الجيش الاستعماري وأساليبه.
في أواخر ستينيات القرن الماضي، انخرط المناضل إبراهيم الصالح حيمد مبكرا في حركة الشهيد محمد سيد إبراهيم بصيري، بقلعة المقاومة بمدينة السمارة المحتلة، وتعد من اللبنات الأولى للعمل السري المنظم في تلك المرحلة.
شكلت انتفاضة الزملة محطة مفصلية في وعيه ومساره، ابتداء من 13 يونيو 1970، سادت أجواء من الترقب في مدن الصحراء الغربية، خاصة السمارة، مع إشاعات عن إعلان سياسي مهم في العيون. كانت حركة الشهيد محمد سيد إبراهيم بصيري قد استنفرت مناضليها للتوجه إلى العيون، بالتوازي مع تعبئة السلطات الاستعمارية لموظفيها ومجنديها.
بعد قمع المظاهرة يوم 17 يونيو بالقوة، دخل إبراهيم مرحلة المطاردة. قرر الاختفاء رفقة الشهيد محمد السالك، وكان من آخر من شاهدوا بصيري حيا في منزل بمحيط العيون، حيث رفض مغادرة المكان رغم تحذيرات رفاقه. بعد ذلك بدأت الاعتقالات والمداهمات، وورد اسم إبراهيم ضمن المطلوبين، فاختفى في حي الرملة قرب السمارة، قبل أن يعود لاحقا إلى ثكنته العسكرية.
في بداية السبعينيات، وجد إبراهيم نفسه منخرطا في جبهة البوليساريو دون طقوس تنظيمية واضحة، كما حدث مع عدد من مناضلي حركة بصيري، نتيجة انتقال لوائح المناضلين مباشرة إلى الجبهة الجديدة. أُعطي اسما حركيا هو علين محمود، وبدأ يدفع اشتراكه الشهري، معتقدا أن الأمر امتداد طبيعي للحركة الوطنية السابقة.
مع حلول سنة 1974، أصبحت مدينة المحبس معقلا حقيقيا للجبهة، وتحولت عمليا إلى منطقة محررة، رغم الوجود الرمزي للعلم الإسباني. كان المجندون الصحراويون في الجيش الإسباني يؤدون مهامهم نهارا، ويتحولون ليلا إلى مناضلين وثوار، يجمعون الدعم، ويحضرون الاجتماعات، وينقلون المراسلات إلى الرابوني.
في مايو 1975، وبعد عملية المحبس الشهيرة وأسر جنود إسبان، اكتشفت السلطات الإسبانية لوائح المناضلين إثر كمين نصب لسيارة كانت تنقل الدعم إلى الرابوني. كان اسم إبراهيم ضمن تلك اللوائح. اعتقل رفقة عدد من رفاقه، وتعرضوا للتقييد والمعاملة القاسية، ثم نقلوا إلى السمارة فالعيون، حيث حوكموا عسكريا بتهمة الخيانة العظمى التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.
قضى فترة في السجن الإسباني، قبل أن يفرج عنه في سياق تفاهمات غير معلنة، ويعاد إلى عمله مع حرمانه من الترقية وفرض عقوبات إدارية عليه.
لم يعد إبراهيم يطيق البقاء في صفوف الجيش الإسباني. تعمد افتعال المشاكل، وانتهى به الأمر إلى شجار مع ضابط إسباني ضربه خلاله بساعة يده، فعوقب بالإقامة الجبرية والحرمان من الراتب والترقية. بعد ذلك التحق نهائيا بـ جيش التحرير الشعبي الصحراوي.
كان أول من التقى به من القادة العسكريين الشهيد حمدي السالك، ثم الشهيد الولي مصطفى السيد، الذي عينه رسميا قائد فصيلة، وسلمه السلاح، وكلفه بالتحضير لمواجهة الغزو المغربي.
شارك إبراهيم في أصعب مراحل الحرب، في ظروف شديدة القسوة، حيث شح السلاح والغذاء والملابس. قاد فصيلته في مناطق الفرسية وبنزكة وأم الشعاب. أصيب بجروح، ونجا من انفجارات ألغام، وشارك في معركة أمكالا الثانية (14 فبراير 1976)، ثم في المحبس (1979)، لبيرات، لمسائل، الكلتة، بئر نزران، وغيرها من المعارك والملاحم البطولية.
في هذه المرحلة، التصق به لقب بوليساريو، ليصبح اسمه الحركي والرمزي في آن واحد.
في معركة حريشة ردي، وأثناء تغطية انسحاب الوحدات الصحراوية، أصر إبراهيم على العودة لإنقاذ من ظنهم شهداء داخل سيارة محترقة. أصيبت سيارته بصاروخ مباشر، فدمرت وأُسر جريحا رفقة رفاقه. نقل في ظروف لا إنسانية إلى العيون، ثم إلى أغادير المغربية.
خضع إبراهيم لاستنطاق قاس دام أكثر من سبعة أشهر، كان ثاني من خضع للتحقيق من مجموعة الـ66. واجه ضباطا كبارا، من بينهم الجنرال البناني، ورفض تقديم أي معلومات، متمسكا بموقفه بأن الحرب فُرضت على الصحراويين دفاعا عن وطنهم.
قضى ثلاثة عشر عاما في السجون المغربية، قبل أن يفرج عنه سنة 1996 ضمن الإفراج عن مجموعة الـ66.
تنتمي سيرة إبراهيم إلى عائلة قدمت نموذجا نادرا للتضحية: استشهد شقيقه محمد في معركة بطولية، واستُشهد شقيقه المحفوظ، وأصيب شقيقه بشاري مرات عدة. وكانت زوجته المناضلة ملوحة أحمد عمار من أوائل عريفات التنظيم السياسي.
رحل المناضل إبراهيم الصالح حيمَّد (بوليساريو) إلى جوار ربه يوم 27 ديسمبر 2025، بعد مسيرة نضالية استثنائية، ليبقى اسمه شاهدا على جيل آمن بالقضية حتى النهاية، وكتب تاريخه بالفعل والتضحية، تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فيسح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.
إنا لله وانا اليه راجعون.
