القائمة الرئيسية

الصفحات

قرار اللجنة الرابعة الجديد حول الصحراء الغربية: تأكيد على حق تقرير المصير وتحذير من محاولات الالتفاف

 


جاءت مخرجات اجتماع اللجنة الرابعة (اللجنة الخاصة بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار) في دورتها الثمانين لتعيد التأكيد بوضوح على الطابع القانوني والسياسي لقضية الصحراء الغربية باعتبارها قضية تصفية استعمار لم تُستكمل بعد، في انسجام تام مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرار الجمعية العامة رقم 1514 (د-15) لعام 1960، الذي ينص على منح الاستقلال للشعوب والأقاليم المستعمَرة.
ولا يضيف القرار فقط إلى رصيد الشرعية الدولية للشعب الصحراوي دعما جديدا، بل يوجه أيضًا رسالة سياسية قوية في توقيت حساس يشهد تصاعد محاولات مغربية (مدعومة بدعم أمريكي وأوروبي ضمني) لفرض مايسمى “الحكم الذاتي” كأمر واقع استعماري مفروض بالقوة، خارج سياق الشرعية الدولية.

القرار، ورغم طابعه التقليدي من حيث الصياغة، يحمل دلالات دقيقة ومقصودة، من أبرزها:

- إعادة التأكيد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، وهو تعبير قانوني واضح يستبعد فرض أي “حلول جاهزة” لا تستند إلى الإرادة الحرة للشعب المعني.

- تثبيت مسؤولية الأمم المتحدة تجاه الإقليم كبلد مستعمر، وهو تذكير مباشر بأن الصحراء الغربية لا تزال مدرجة ضمن قائمة الأقاليم غير المستقلة ذاتيا، وبالتالي لا يمكن لأي طرف آخر (سواء المغرب أو أطراف إقليمية أو دولية) أن يتصرف في وضعها القانوني.

- الإشادة باستمرار مسار المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، بما يؤكد أن أي تسوية يجب أن تمر عبر الإطار الأممي حصراً، وليس عبر صفقات ثنائية أو ترتيبات اقتصادية ملتوية كما يحاول البعض فرضه.

- دعوة الأطراف إلى التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهو بند إنساني لكنه في عمقه يعكس إدراك المجتمع الدولي لوجود أوضاع إنسانية غير مستقرة تستوجب احترام القانون الدولي الإنساني، خاصة في الأراضي المحتلة.

من جهة اخرى، لا ينبغي ان نغفل تزامن القرار مع معارك دبلوماسية حاسمة على المستوى الدولي، والاوروبي خاصة، حيث أن صدور القرار في هذا التوقيت يحمل أبعادًا استراتيجية بالغة الأهمية منها على سبيل المثال ان القرار يأتي قبل أسابيع من تجديد مجلس الأمن لولاية بعثة المينورسو، وسط جدل متجدد حول مدى التزام البعثة بمهمتها الأصلية، ومع احتمال ان تحاول الولايات المتحدة بصفتها حاملة القلم فرض مقترحات حلول خارج السياق الاممي، او ان تحاول فرض ما يسمى الحكم الذاتي كحل وحيد، وهو ما سيكون نكسة حقيقية للشرعية الدولية لو تم باي صيغة كانت.
وبالتالي يمنح قرار اللجنة الرابعة الدول المناصرة لحقوق الشعب الصحراوي سندًا قانونيًا وسياسيًا قويًا للدفاع عن إدراج مبدأ تقرير المصير بوضوح في نص قرار مجلس الأمن المقبل ومعارضة اي محاولة لفرض حلول تدعم الاحتلال.

اما في السياق الاوروبي، ياتي القرار الأممي في وقت أقدم فيه الاتحاد الأوروبي والمغرب على تعديل اتفاق الشراكة التجارية وتنفيذه مؤقتًا دون الرجوع للبرلمان الأوروبي وفي انتهاك سافر لاحكام محكمة العدل الأوروبية التي أكدت أن الصحراء الغربية إقليم منفصل عن المغرب، ولا يجوز تطبيق الاتفاقيات الأوروبية عليه دون موافقة الشعب الصحراوي.
وبالتالي، يمثل قرار اللجنة الرابعة إدانة ضمنية لهذا التوجه الأوروبي الذي ينتهك القانون الدولي والاوروبي ويكرّس استغلال ثروات إقليم خاضع لتصفية استعمار.

وبعيدا عن اوروبا، تشهد الدبلوماسية الأمريكية منذ 2020 تحولاً تدريجيًا نحو دعم الطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي، خاصة بعد إعلان إدارة ترامب الاعتراف بـ”السيادة المغربية” على الإقليم. القرار الجديد للجنة الرابعة يضع حدودًا واضحة لأي مسعى أمريكي أو مغربي لإخراج النزاع من سياقه الأممي، مؤكداً أنه قضية تصفية استعمار لا نزاع حدودي، وأن الحل الوحيد المشروع هو استفتاء حر ونزيه يعبّر فيه الشعب الصحراوي عن إرادته.

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى إلى هندسة “تسوية سياسية” سريعة تتجاوز جوهر النزاع، من خلال الدفع باتجاه حل الحكم الذاتي الموسّع الذي يقدّمه المغرب بوصفه “الخيـار الواقعي الوحيد”.
إلا أن هذا الطرح يتعارض جوهريًا مع قرارات الأمم المتحدة، التي لا تعترف بأي سيادة مغربية على الإقليم، وتعتبر أن كل الخيارات مفتوحة بما فيها الاستقلال الكامل.
وهو ما يجعل أي محاولة لإخراج الملف من سياق تصفية الاستعمار تعقيدا للأزمة وزيادة التوتر الإقليمي، خصوصًا في ظل تزايد الانخراط الإسرائيلي في المنطقة وتنامي التنافس الأمريكي–الأوروبي–الروسي على النفوذ في شمال إفريقيا.

وفي الاخير يمكن القول ان قرار اللجنة الرابعة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين ليس مجرد تكرار سنوي روتيني، بل هو رسالة سياسية قوية في وجه محاولات الالتفاف على الشرعية الدولية.
لقد أعاد القرار التأكيد على أن قضية الصحراء الغربية تبقى قضية تصفية استعمار غير قابلة للمساومة، وأن أي حل خارج إطار الأمم المتحدة وحق تقرير المصير باطل قانونًا وسياسيًا.
وفي ظل تسارع الأحداث، فإن هذا القرار يشكل صمام أمان قانوني ودبلوماسي للشعب الصحراوي ولقوى السلم والعدالة الدولية، في مواجهة محاولات تزييف الواقع وفرض الأمر الواقع بالقوة أو عبر المصالح الاقتصادية.
السفير ماء العينين لكحل 

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...