عقب انتهاء زيارته للجزائر ودول مغاربية أخرى يجدد السيد مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط وشمال افريقيا موقف إدارة اترامب من نزاع الصحراء الغربية، القاضي بالاعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم وتأييد مبادرة "الحكم الذاتي" المغربية.
ففي تصريح خص به صحيفة الوطن الجزائرية الناطقة بالفرنسية نشرته يوم أمس يقول السيد بولس: " أكد وزير الخارجية روبيو مجدداً اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ودعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع. ولا تزال الولايات المتحدة تعتقد أن الحكم الذاتي الهادف تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن. وأكد الوزير مجدداً دعوة الرئيس ترامب للأطراف إلى الانخراط في مناقشات فورية، باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد، للتفاوض على حل مقبول للطرفين."
نعتقد ان مستشار الرئيس الأمريكي مشكورا كان واضحا في تصريحه ولم يدع لبسا أو غموضا يفتح الباب للتأويل ولا لقراءة سياسية أخرى. السيد بولس في لقائه مع السلطات الجزائرية قدم لها خطة حكومته متمثلة في نقطة واحدة " الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية " الجزائر لم تقبلها ولم ترفضها، بل كان الجواب "اطرحوا هذا، على الصحراويين" بما يعني أن الموضوع يتعلق بالشعب الصحراوي وحكومته، الطرف الوحيد المعني بمستقبل الصحراء الغربية. بذلك غلقت الجزائر الباب أمام مسعى صهر ومستشار اترامب الشيء الذي ربما دفعه الى الغاء أو تأجيل زيارته الى المغرب لأن موقف هذا الأخير معروف وواضح هو الحكم الذاتي. إذا تبقى الكرة في مرمى جبهة البوليساريو ومستوى تقيمها للمخاطر وكيف التعامل معها بحنكة سياسية عالية قبل شهر أكتوبر القادم. فأغلبية الأوساط الدبلوماسية الغربية ووسائل إعلامها لا ترى اليوم كحل للنزاع سوى خطة المغرب للحكم الذاتي وذلك راجع الى أسباب عديدة لكن أهمها ترك الساحة الأوروبية والأمريكية للخصم يصول فيها ويجول واستثماره لثروات الصحراء الغربية لشراء الذمم، دون أي رادع، حيث يطرح السؤال أين هو تفعيل قرار محكمة العدل الأوروبية؟
في شهر أكتوبر القادم ربما قد يُدق آخر مسمار في نعش الاستفتاء بمناسبة الدورة القادمة لمجلس الأمن حول القضية الصحراوية. فمن المتوقع حسب التوجه الأمريكي الحالي المؤيد فرنسيا والى حد ما بريطانيا بوصفهما دولتان دائمتا العضوية أن يشهد شهر أكتوبر المقبل – إذا لم تظهر معطيات أخرى- خطوة قد تعد بمثابة الفصل الأخير في مسار الاستفتاء، بحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي حاملة القلم أي المكلفة أو كلفت نفسها ضمن ما يسمى مجموعة "أصدقاء الصحراء الغربية!" بصياغة مسودة قرارات مجلس الأمن حول الصحراء الغربية، ستسعى الى فرض مبادرة "الحكم الذاتي" كخطة وحيدة للتفاوض من أجل حل النزاع وإسقاط نهائيا كلمة "استفتاء" من القرار القادم، وليس من الصعب تحويل مهمة بعثة الأمم المتحدة للإشراف على الاستفتاء الى الإشراف على تطبيق الحكم الذاتي أو ببساطة حصر مهمتها على وقف إطلاق النار وتجريدها رسميا من مهمتها السياسية التي هي فاقدتها عمليا. قد يتساءل البعض هل يمكن أن يتخلى مجلس الأمن عن قرار اتخذه بالإجماع في وقت ماض وسخر لتجسيده على الأرض طاقات مالية وبشرية هائلة؟ هل يمكن للأمم المتحدة أن تلغي حق تقرير المصير لذي هو إحدى ركائز القانون الدولي؟
الجواب نعم، يمكن ذلك، التاريخ يذكرنا بالحالة الإريترية. فشعب اريتريا قاتل ببسالة من أجل الاستقلال عن المستعمر الإيطالي وثانيا ضد الانتداب البريطاني وثالثا ضد اثيوبيا وأعترف له بحق تقرير المصير بقرار من الجمعية العامة سنة 1950 يحمل رقم 390 A/F كما هو الحال بالنسبة للشعب الصحراوي تماما، لكن في ظرف سياسي ودولي معين لا يتسع المجال هنا لتفصيله، غضت الأمم المتحدة الطرف – حتى لا نقول تخلت - عن تقويض حق تقرير مصير الإرتريين وساندت خطة الحكم الذاتي التي حولها في وقت قصير نظام الأمبراطور "هيلاسي لاسي" الى انضمام كلي تحت سيادة إثيوبيا. بعد سقوط الدكتاتور هيلاسي لاسي حكم اثيوبيا نظام شيوعي أكثر دموية من سابقه وكرس انضمام الإقليم أمام صمت المجتمع الدولي وتحديا للقانون ومواثيق المنظمات الدولية مما كلف شعب اريتيريا البطل عقود أخرى من الكفاح المسلح انتهى بدخول الجبهة الشعبية لتحرير اريتيريا منتصرة بالسلاح، العاصمة أسمرة في ماي 1991 وفي ابريل 1993، تتقدم "السيـّــدة" الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء يصوت فيه الشعب الإرتيري ب 99 في المئة لصالح الاستقلال. إن في ذلك عبرة لأولي الألباب إن كانوا يعتبرون.
إنه من باب اليقظة والحزم يلزم ان لا يستبعد إصدار مجلس الأمن لقرار تكريم الاستفتاء بالتعجيل بدفه تماشيا مع رغبة الإدارة الأمريكية التي تجد تحفيزا من حكومتي فرنسا وبريطانيا وبالضغط على بقية الدول ذات العضوية المؤقتة في مجلس الأمن وقطعا لن يواجه القرار بفيتو روسي والأحرى صيني، مما يفرض العودة الى الذات الوطنية وتجاهل المجتمع الدولي ولو الى حين ويؤخذ من الدرس الإريتري المثال. فالتصريحات والبيانات غير المعززة بالفعل الميداني لا تصل الى أذن أصحاب المصالح الذين لا يرون في الصحراء الغربية إلا فاكهة نضجت وحان قطفها وأي تقاعس وانتظار سيكلف الشعب الصحراوي كثيرا.
بقلم: محمد فاضل محمد سالم الهيط