كنا نسمع عن مغامرات الشباب الصحراوي عبر قوارب الموت فرارا من الجزء المحتل من الصحراء الغربية ، بسبب القمع والسجن والملاحقات البوليسية ، لكل من يطالب بإستقلال الصحراء الغربية .
لكننا لم نعهد كصحرايين رغم اللجوء وقساوة الحياة وشظف العيش وصعوبته، أن يلجأ أبناء مخيمات العزة والكرامة إلى الهجرة عبر قوارب الموت هروبا من واقع مزري لم يعودوا يطقون تحمله.
صحيح أن في مخيماتنا تغيرات نفسية وأجتماعية عميقة، لكن ليس إلى درجة تصبح التهلكة سبيلا للخلاص، كمؤشر لحرق كل ما يربط الإنسان بهويته الأصلية التي هاجر من أجل هجرها.
لا أحد ينكر الواقع المر في الثماني سنوات العجاف الأخيرة، التي خابت فيها الآمال وبلغت القلوب الحناجر، وأصبح الكلام يموت في الفم قبل أن يولد، بسبب التهميش و الفقر وقلة الحيلة، وأنعدام الأمن وسوء الأوضاع الاقتصادية، ناهيك عن إستبداد الحكام وتمسكهم بالسلطة.
لكن لا أحد كان يتصور أن يؤدي الحال بشبابنا إلى ركوب قوارب الموت، بهذه الحشود المتدفقة، والمجموعات الكبيرة، لم يعد أحد يهمه مصيره، المهم عندهم هو الهجرة (الحركة) من غير أي أوراق ثبوتية.
و الغريب في الأمر أنه تساوى فيها الذكور والإناث، الجاهل و المتعلم، لسان حالهم جميعا يقول جسر من الجحيم إلى "النعيم"، مأساة إنسانية حقيقية، أصبح معها الشاب يفر من أهله وقضيته ووطنه، هل هذا قدرهم ام فرض عليهم؟
والأخطر من هذا وذاك هو هجرة الشابة الصحراوية المحافظة، التي لم تكن لتخرج من بيت أهلها إلا إلى بيت زوجها، وأي هجرة عبر قوارب الهدروفيل السريع أو (أزداك) كما يسمى بالعامية، المرشدون فيه لا يطمئن إليهم أحد، سلوكهم سيء ومعاملتهم خشنة مع الركاب، لا تنفع معهم المهديات اللفظية، شعارهم : تبكي أمك ولا تبكي أمي.
لا حديث الآن في مخيمات العزة والكرامة إلا عن العريضة أو (الحركة) إلى أوروبا، وقد تبين معدل الرغبة في الهجرة إلى أوروبا من مخيمات اللاجئين الصحراويين من خلال إحصاء أجراه بعض الأصدقاء إلى رغبة أكثر من 90 في المائة من الشباب الصحراوي في الهجرة غير الشرعية.
الشباب تغير نمط تفكيره، ولم يعد يتجاوب مع طريقة تفكير و خطاب الجيل القديم، الذي يحتكر كل شيء ولا يقبل حتى النقاش في ذلك، ومن يخالفهم الرأي هو "خائن أوعميل" ... وينعت بأبشع الأوصاف و تتم شيطنته ، عوامل طرد قسوى تدفع الشباب دفعا إلى الهجرة، وقد تستفحل هذه الظاهرة حتى تشمل كبار السن إذا إستمر الحال على ما هو عليه.
من المؤكد أن الغربة ليست هدفا بالنسبة للصحراويين ، لكنها قد تكون غاية ظرفية للتخلص من واقع سيء تديره مجموعة إختزلت القضية في أنفسها، ولم تترك للشباب غير الخيار الأصعب.
في بداية الثورة إنطلقت أعداد كبيرة من الشباب الصحراوي كانت تعمل في أوروبا وفي دول الجوار ولها وثائق تلك الدولة، وتركت كل شيء بما في ذلك ممتلكاتها ومنازلها، وألتحقت بالثور عن قناعة تامة، وتحملت العيش في أرض قاسية، لم تكن تسمع عنها غير المثل الشعبي (يعطيك أعطش لحمادة) من أجل ماذا؟ من أجل تحرير الوطن، إذا لماذا الآن تتكرر هذه الإنطلاقات العكسية، مالذي تغير!!! أم أن هناك إكراهات قاهرة فرضت عليهم الهجرة من جديد.
لهذه الأسباب وغيرها جاءت العريضة تطالب بمؤتمر إستثنائي أو وقفة مع الذات، من أجل حوار وطني دون إقصاء أو تهميش، للخروج من هذا النفق المظلم و الواقع المتأزم، لتحقيق العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص، والمشي قدوما على طريق الإستقلال.
وطن لا تحميه لا يحق لك العيش فيه
بقلم: الغيث أمبيريك