في حضرة الردى يشتعل التذكار
خديجة التي لم أعرفها إلا بعد الرحيل
بقلم: محمد مغاديلو
بأسف شديد، نتذكر خصالها بعد ما فارقتنا. يشتعل التذكار قي حضرة الردى و ينساب ماء الذكريات الجميلة بعد ما يجف نبع الوادي، تينكم هي ديدن البشر.
فنحن لئيمون حد الغرف، لا نشكر من له علينا الفضل الا بعد رحيلهم، ففي حضورهم تتغزم الكلمات و تتوارى الألسن و تيبس الصحف و تجف الأقلام و ترتعد الفرائص و يغطي الخجل محيانا و يعم الصمت حين تنطق الحارسة الاولى للثقافة الصحراوية في منكبنا المنسي.
كانت لقاءاتنا عشوائية عبر تغطيات إعلامية متنوعة و أحيانا حوارات مقتضبة في مهرجانات الفنون و الثقافة الحسانية الصحراوية، أين كانت تحمل على كاهلها هم الموروث الثقافي بكل أشكاله و تلاونيه.
اللقاء الرسمي الوحيد الذي جمعني بها كان سنة 2014 بوزارة الثقافة، و كنا بصدد اصدار عدد جديد من مجلة المنتدى الثقافي التي رأت النور على يديها، كنت محررا و مخرج فني و كانت خديجة تكتب الافتتاحية و تركز على توجيه المواضيع التي ستنشر في العدد حسب الظروف المحيطة و الاهداف و نوعية البرامج الثقافية التي تعطيها الوزارة أولوية في أنشطتها و أعمال مديرياتها.
وجدت في ذلك اللقاء المقتضب، كاريزمة فكرية و ثقافية تفهم بشكل جيد ما تريد، تخطط و تنفذ بطريقة فعالة في وقت محدد.
كنت أتتبع أسلوبها الفريد في العمل بشغف كبير، حيث كانت تقرأ الكلمات بعناية و تختار أجودها، تتمحص الصور فتختار و تلغي .. تركز على الألوان و تفضل الرمزيات في الصور و تعطي الأولويات للمخيال و السريالية تماما كما هو روح الكاتب في ذاتها.
سخرت وقتها و جهدها لتشكيل و تأسيس فسيفساء ثقافية صحراوية متنوعة بأيادي و خبرات و كفاءات وطنية جادة بعثت من جديد تلك الصورة الملونة لما يجب أن تكون عليه الثقافة الصحراوية للمجتمع البيظاني الصحراوي الأصيل.
تركت خلفها عشرات الدواوين للموزون الحساني كانت ستغيب بغياب لمغنيين البيظانيين الصحراويين لو لا إستشرافها و حرصها على كل عمليات التوثيق، و مكتبة ثرية من مؤلفات الأدب و السياسة و علم الاجتماع، اضافة الى خشبة مسرحية ثرية و مدارس متخصصة في الموسيقى و الفنون الجميلة و المسرح و مديريات و كفاءات مهنية شابة حرست على الموروث الثقافي كما تحرص الأم إبنها منذ مهده.
المرحومة خديجة حمدي، مثلت عنوان المرأة الصحراوية، نضال، فكر، تخطيط، أدب، حنان، و رمزية لن تغيب عن أذهان الذين عملوا الى جانبها و لو بشكل وجيز تماما ككاتب هذه الكلمات.