مع اقتراب انعقاد دورة الأمانة الوطنية، تعود الأسئلة الكبرى إلى واجهة النقاش: ماذا ننتظر من هذه الدورة؟ وما الذي يجب أن تفضي إليه في ظل هذا الظرف الدقيق والحساس؟
تزداد الترقبات وتتسع دائرة الجدل، فيما تختزل الإشكالات المطروحة في خيارين محدودين: التمديد و تأجيل المؤتمر أو عقد هذا الأخير في آجاله القانونية ، وهذا الاختزال - للأسف - يحول المؤتمر من وسيلة إلى غاية، ومن أداة للتقييم ورسم الاستراتيجيات والتداول والتجديد إلى هاجس مؤجل أو مؤجل دائما.
لكن المسألة أعمق من مجرد تحديد موعد مؤتمر أو نقاش حول آجاله، ما ينتظر من هذه الدورة ليس تقديم التقارير الشكلية، ولا اجترار الخطابات أو النقاشات العقيمة التي لا تلامس جوهر التحديات التي يفرضها واقع داخلي صعب، وسياق دولي متغير، يتسم بتصاعد الضغوط، وتكالب قوى الشر التي تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع، وسط دعم دولي صامت أو متواطئ، تقوده أطراف كبرى تعمل على إجهاض كل مسعى حقيقي لتفعيل حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
إن دورة الأمانة الوطنية يجب أن تتحول من محطة تنظيمية إلى وقفة مراجعة شاملة وجادة، تطرح الأسئلة العميقة، وتبعث رسالة تطمين للشعب الصحراوي تعزز ثقته في مؤسساته، وتجدد أمله في المشروع الوطني الجامع.
وفي هذا السياق، لم يعد الرهان محصورا في توقيت المؤتمر، بل في مضمونه، وشفافيته، وطبيعة مخرجاته، وهل آلية المؤتمر، بصيغتها الحالية، لاتزال صالحة لإحداث النقلة المطلوبة؟، مؤتمر يعكس تطلعات الشعب الصحراوي، ويفتح المجال أمام الكفاءات والتجديد، بدل إعادة إنتاج نفس الوجوه والمقاربات التي كرست حالة الجمود والإحباط.
وفي زمن الشعارات التي لا اثر لها، وغياب آليات المحاسبة، وهيمنة الأساليب الدخيلة على ثقافة الشعب الصحراوي وتقاليده الثورية والتنظيمية، يظل الأمل معقودا على أصوات مخلصة داخل الأمانة الوطنية، تملك الشجاعة للدفع بخيار الإصلاح من الداخل، وإطلاق نقاش جاد ومسؤول يعيد للتنظيم هيبته، وللقضية مكانتها، وللشعب ثقته في مستقبله.تلك الأصوات ،وإن عدمت في السابق ،فهي تبقى أمل الذين يؤمنون بأن انعطافة جادة نحو الذات ،كفيلة بصون الصورة والأهداف، وحتى ضمان الوحدة المطلوبة أمام تحديات ظرفية حساسة وغير مسبوقة.والإصلاح من داخل الهيئات أسلم و أكثر سلاسة وأقل نتائج عكسية.
إن اضاعة الوقت بإجترار ذات الأدوات والنقاشات والرزنامات العادية في وضع استثنائي و غير عادي ، هو ملمح للفشل والتخبط والتيه، وهي موجبات الهدر الجماعي للمكتسبات ،تستدعي صدقا من الجميع قبل فوات الأوان. وأجراس الخطر الخاصة بنا قد دقت منذ سنوات .والمؤتمر محطة للوثبة التالية، لا ارتهان إداري بيروقراطي جامد ومثبط!
فهل تكون هذه الدورة بداية الانطلاقة، أم مجرد محطة أخرى في مسلسل الانتظار والمضي نحو المجهول؟
ابن البوليساريو