أكبر هاجس تعيشه إسبانيا الآن هو هاجس التخوف من المغرب، وهذا الهاجس يأتي قبل هاجس البطالة، الأزمة الاقتصادية، الحرب النووية، ويأتي قبل هاجس تهديد روسيا والصين.
ينظر الإسبان إلى علاقة بلدهم بالمغرب، أنها علاقة عداوة دائمة وتهديد لا يتوقف إلا ليبدأ، ورغم ما يحدث من مجاملات وعناق وتصريحات، ومن صور و”سيلفيات” وبسْمات من طرف مسؤولي البلدين أمام الكاميرات، ومن تنازلات الحكومة الإسبانية الحالية، إلا أن ذلك لا يعدو كونه مسرحيات هزلية مفتعلة تخفي وراءها تشنجا كبيرا وعدم ثقة لا نهاية لها في المغرب. يقول أحد الإسبان: “العلاقة بين المغرب وإسبانيا تشبه العلاقة بين عقربين في زجاجة. لا نعرف متى سيحدث الصدام، لكن أظن أننا الآن نعيش فترة الصمت الذي يسبق العاصفة”.
أسباب شن المخزن الآن حربًا صامتة على مدريد وكيف يُسيّرها؟
هناك سببان: الأول، خلق مشكلة خارجية لحل مشاكل الداخل
يعتقد الإسبان أن المخزن أصبح الآن، في حالة مثل حالة “الطنجرة autocuiseur”، وأنه عما قريب سيجد نفسه أمام وضع صعب: إما ينفجر داخليا، أو يقوم بالتنفيس عن غليانه الداخلي بخلق مشكلة كبيرة مع دولة مجاورة. هذا التحليل ينطلق من التاريخ. فالمغرب، كلما وجد نفسه في مآزق داخلي، يعتدي على جار من جيرانه: بين سنوات 1956م-1960م اعتدى على موريتانيا وطالب بها، لكنه خسرها؛ سنة 1963م اعتدى على الجزائر في محاولة فاشلة لاحتلال جزء منها، لكنه انهزم هزيمة شنعاء؛ سنة 1975م احتل الصحراء الغربية ولازال إلى اليوم يبتز بها شعبه. السائد الآن في السردية الإسبانية أن إسبانيا ضحت سنة 1975م بالصحراء الغربية لتفادي صدام وشيك مع المغرب، وأنه لو لم تكن الصحراء الغربية موجودة، كان المغرب اعتدى على إسبانيا نفسها. الآن، عاد المغرب إلى وضع الانفجار الداخلي الوشيك من جديد، وهذا يعني أن ورقة الصحراء الغربية قد تم استهلاكها، وأن عليه أن يُصدّر مشاكله بالاعتداء على بلد ما. يعتقد الإسبان أن بلادهم هي المؤهلة أكثر من غيرها لتكون الضحية المقبلة للشر المغربي. تقول إحدى الجرائد Eurpoasur19/7/2025 ردا على تهديد المخزن بغزو سبتة ومليلية: يُذكّر التهديد الحالي بالتكتيك الذي استخدمه المغرب في عام 1975م لاحتلال الصحراء الغربية، رغم أنه يحاول إظهاره على أساس أنه تعبئة “سلمية” و”رمزية” تسعى إلى “استعادة المدن المحتلة-سبتة ومليلية-“. أكثر من هذا، يعتقد الإسبان أن المغرب المحاصَر من جميع الجهات فشل في التمدد شرقا وجنوبا وغربا، ولم يبق له من منفذ يصرِّف من خلاله مشاكله الداخلية، ويحدث به إجماعا سياسيا حول نظامه المتهالك، ما عدا سبتة ومليلية، وأنه لا ينتظر إلا الذريعة فقط.
السبب الثاني، بالإضافة إلى المشاكل الداخلية، هو أن المغرب فقَدَ كل أمل في موقف إسباني ثابت يدعم الحكم الذاتي خاصة بعد ما قام أكبر حزب في البلاد، وهو الحزب الشعبي- المؤهل بقوة للفوز بالانتخابات القادمة-، بخطوة تاريخية في مؤتمره الأخير وهي إعلانه العودة إلى الشرعية الدولية في قضية الصحراء الغربية. فما كاد الحزب المذكور يعلن عن موقفه حتى أغلق المغرب الحدود مع سبتة ومليلية، وفعَّل لجنة يسميها لجنة تحرير المدينتين المحتلتين.
بالإضافة إلى صفعة الحزب الشعبي، اعتبر الإسبان، في سبر آراء رسمي، وبنسبة 55%- ( BRIE) معهد الكانو- إن المغرب هو العدو الرئيسي والتاريخي لإسبانيا، وهو العامل الذي جعل المغرب يفقد صوابه وأعصابه.
تجليات الحرب المغربية الصامتة ضد إسبانيا
يقول الكاتب والصحفي الإسباني الكبير انطونيو.م. فيغيريس في جريدة Escudedigital بتاريخ 19 جويلية 2025م: “يمكن وصف الدبلوماسية المغربية العدائية (تجاه إسبانيا) بأنها حرب هجينة منخفضة الشدة، ومن تجلياتها التهديدات بإطلاق العنان للهجرة أو الحملات ضد إسبانيا، ومن ثم الانتقال إلى تنظيم أعمال شغب سعياً وراء الصراع”. من جهة أخرى، يحاول المغرب الاستقواء بقِوى خارجية مثل الولايات المتحدة الأمريكية لتقف إلى صفه في اعتداءاته غير المعلنة على إسبانيا. بعد عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، خان المخزن، سريا، إسبانيا، وبدأ يناقش مع واشنطن، من وراء ظهر إسبانيا، خطة نقل القواعد الأمريكية في إسبانيا إلى المغرب في خرق سافر لكل الاتفاقيات بينه وإسبانيا. هذه الطعنة في الظهر زادت من توقعات الإسبان أن المخزن هو العدو رقم واحد لهم، وأن لا ثقة فيه ولا يؤتمن جانبه. ولا يستقوي المخزن في صراعه مع إسبانيا بالولايات المتحدة الأمريكية وحدها، لكنه يستقوي بالكيان الصهيوني، ويحرضه على إسبانيا بسبب موقفها المتقدم من القضية الفلسطينية. في نفس الوقت الذي يضغط فيه المخزن على إسبانيا في قضيتي سبتة وقضية الصحراء الغربية، يقوم بحرب شاملة لا هوادة فيها تشمل الهجرة والمخدرات والتجسس والتخريب والتجنيس، والحصول على أوراق الإقامة بطرق مزورة. بسبب سياسته العدوانية في كل الاتجاهات وضد كل جيرانه، وبسبب خداعه وغياب الثقة فيه، وبسبب التجسس على الحكومة الإسبانية، أصبح الإسبان يتوجسون منه شرا، وأصبحوا على قناعة ثابتة أن أية مشكلة تحدث في بلادهم مصدرها المغرب. فمثلا، حين حدث انقطاع شامل للكهرباء في إسبانيا في ابريل 2025م، اتهم 45%من الإسبان المغرب بتخريب شبكة الكهرباء بواسطة برنامج إسرائيلي، وحين حدث عطل في شبكة القطارات بعد ذلك، أُشير بالسبابة إلى المخزن أيضا.
كخلاصة، يعتقد المتابعون للعلاقات المعقدة بين إسبانيا والمغرب أن أزمة كبيرة وشيكة بين البلدين ستحدث في يوم ما، خاصة إذا فاز الحزب الشعبي الإسباني في الانتخابات القادمة، وأن هذه الأزمة ستكون سبتة ومليلية مسرحا لها، وأنه ما إن يعلن الحزب الشعبي عن تراجعه عن موقف بيدرو سانتشيز الرجعي من قضية الصحراء الغربية، حتى تتم محاصرة سبتة ومليلية برا وبحرا، وقطع أي اتصال لهما مع المغرب، وهو ما يفرض على إسبانيا القيام برد فعل لا يبدو إنها مستعدة لها في الوقت الحالي، وليس لها تصور للتعامل معها مستقبلا.
السيد حمدي يحظيه