وفي رسالة تلاها أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، نقل عن ملك المغرب الدعوة إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة".
وأضافت رسالة الملك أنه سيقوم بذبح الأضحية "نيابة عن الشعب المغربي.
وفيما اختار البعض الالتزام بالقرار الملكي خوفا من العقاب البوليسي، يتمسك آخرون بأداء الشعيرة الإسلامية.
ما مدى إلزامية التوجيه الملكي؟
بحسب عدد من وسائل الإعلام المغربية، قررت السلطات المحلية إغلاق أسواق الماشية ببعض المناطق، فيما أظهرت مقاطع مصورة منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي مصادرة أضاحي العيد من بعض محلات بيعها، مبررة ذلك بـ "محاولات التحايل على الاوامر الملكية".
سنوات عجاف
تسببت ست سنوات من الجفاف في فقد عدد كبير من فرص العمل في قطاع الزراعة وتراجع الثروة الحيوانية من الماشية والأغنام بنسبة 38 بالمئة هذا العام، مقارنة بآخر إحصاء قبل تسع سنوات.
وأدى نقص المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف الحيوانية إلى ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في المغرب، الذي يتجه إلى الاستيراد لتلبية احتياجاته المحلية من الماشية والأغنام واللحوم الحمراء.
وفقا لما ذكر وزير الفلاحة أحمد البواري لفرانس24، فإن تراجع كمية التساقطات المطرية بالمملكة خلال السنوات الأخيرة تسبب في ضرر كبير للقطاع الفلاحي، ما دفع السلطات إلى فرض قيود على ماء السقي، بل التوقف التام لعملية السقي لعدة سنوات في عدد من المناطق.
ليست المرة الأولى
ليست هذه المرة الأولى التي يُطلب فيها من المغاربة عدم ذبح أضاحي العيد، فقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أصدر قرار مماثلا في أعوام 1963 و1981 و1996 لأسباب مختلفة.
ففي عام 1963، أعلن العاهل المغربي الراحل إلغاء شعيرة النحر بسبب ما يعرف بـ "حرب الرمال" بين المغرب والجزائر والتي أثرت على الوضع الاقتصادي للبلاد.
أما سبب إلغاء شعيرة الذبح عام 1981، فارتبط بموجة الجفاف الشديد الذي أصاب البلاد وأدى إلى نفوق الكثير من الماشية، تماما مثل سنة 1996، حين وصلت موجة الجفاف ذروتها سنة 1995 والتي أعلنتها الحكومة سنة كارثة وطنية.
المحامي ورئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب الحبيب حجي أوضح لفرانس24 أنه "لا يوجد أي نص في القانون الجنائي يُعاقب على ذبح الأضحية، لا بالحبس ولا بالغرامة. ومع ذلك، وبالاستناد إلى مفهوم المصلحة العليا، قد تُتخذ إجراءات إدارية بناء على التوجيهات الملكية، خاصة تلك التي تهدف إلى حماية النظام العام".
من جهة أخرى، أوضح المتحدث أن "ما يجري اليوم يمكن اعتباره اختبارا لسلطة إمارة المؤمنين: فإذا اختار جزء من الشعب عصيان توجيهات الملك، فإن ذلك يكشف عن خلل في التماسك العام ويمس استقرار النظام العام."
وأضاف حجي أن "التوجيه الملكي لا يرتبط فقط بالجانب الديني، بل يتصل أيضا بضرورات التوازن البيئي والاقتصادي، وبالجهود المبذولة للحد من موجات الغلاء. وفي هذا السياق، ينبغي أن يكون هناك تشدد في منع ذبح الأضاحي خارج الأطر القانونية، بل وحتى مصادرتها عند الاقتضاء، مع إعادة توجيهها إلى دور المسنين أو الإقامات المخصصة للطالبات، تحقيقا للعدالة الاجتماعية وتفاديا لمظاهر التفاوت الصارخ".
خلافا للسنوات الفارطة، بدت أجواء العيد مختلفة بالمدن المغربية، حيث حركة الأسواق والبيع راكدة، لكن رغم ذلك اختار البعض ذبح الأضاحي أياما قبل موعد العيد خشية الملاحقة أم المنع.
أما آخرون، فيعتزمون التذرع بمناسبات احتفالية أخرى لتبرير حقهم في اقتناء الأكباش وذبحها.
ونتيجة الإقبال السريع قبل غلق الأسواق ارتفعت أسعار اللحوم بشدة مما جعل عددا من المغاربة يستهجنون هذا السلوك.
مراقبون رأوا في ذلك مظهرا من مظاهر التدين المرتبطة بالعادات والتقاليد أكثر منه حرصا على تعظيم الشعيرة والالتزام الشرعي.
ويرى الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية منتصر حمادة، في تصريح لفرانس24 أن "إصرار فئة مجتمعية من المغاربة على شراء أضحية العيد، سلوك يصنف في غلبة المحدد الثقافي على المحدد الديني، وبالتالي تقزيم الخطاب الديني في عز إقامة إحدى الشعائر الدينية، وهذه مفارقة مجتمعية نعاينها في الساحة، سواء في المغرب أو الوطن العربي".
ويضيف: "ليس هذا فحسب، في الحالة الخاصة بأضحية العيد، وبالرغم من أن الأضحية سنة مؤكدة وليست فرضا على المذهب المالكي، لكنها عند نسبة معتبرة من المغاربة، تكاد تكون فرضا، ولهذا نعاين ممارسات بعيدة أساسا عن المحدد الديني في التعامل معها، من قبيل اللجوء إلى القروض البنكية أو الاقتراض من المؤسسات والأقارب ضمن ممارسات أخرى، بسبب غلبة المحدد الثقافي المجتمعي على نظيره الديني كما سلف الذكر".
في مشهد يختزل واقع الاستبداد وعبث سلطة "أمير المؤمنين" بالشعائر الدينية، يمنع المواطن المغربي المغلوب على أمره حتى من ذبح أضحيته، بأكاذيب وأباطيل وقرارات تعسفية، وكأن النعجة باتت تشكل تهديدا لأمن الدولة! قرار كهذا لا يجسد فقط انتهاكا لشعيرة دينية، بل يكشف مدى إمعان النظام المغربي في سلب الناس حريتهم وكرامتهم، حتى وإن تعلق الأمر بممارسة شعائرهم المقدسة.
وفي ظل عجز النظام الملكي عن أداء دوره في حماية المواطنين وتوفير الحد الأدنى من شروط العيش الكريم وسط تفاقم الوضع المزري الذي يموت على إثره الآلاف بين الجوع وزوارق الموت، لم يعد له من شغل سوى مطاردة الأغنام وتوقيفها بتهمة "التحضير للأضحية"، بينما تترك النعاج السمان، وفي مقدمتها الملك المفترس وزمرته من ناهبي المال العام، أحرارا دون مساءلة.
وعلى رأس هذا العبث يقف ملك لا أحد يعرف مكانه، ولا كيف تدار شؤون المملكة في غيابه، بعد أن رهنت مؤسسات البلاد لصالح دويلات وكيانات وظيفية مثل دويلة الإمارات والكيان الصهيوني، توظف المغرب في خدمة قوى الشر وتهديد استقرار المنطقة، بينما يمعن النظام الملكي بالمغرب في مواصلة مخططاته ومسرحياته لشرعنة احتلاله للصحراء الغربية وبكل الوسائل، ضاربا عرض الحائط بالمواثيق والشرعية الدولية.