كشف تحقيق لموقع TruthAfrica المختص في تفكيك الدعاية المضللة والمعلومات الكاذبة في إفريقيا، يكشف عملية التشويه المنسقة للحقائق من قبل المغرب وحلفاءه لـ"ربط جبهة البوليساريو بالإرهاب والتعاون مع إيران في الأزمة السورية الأخيرة“، بهدف كسب دعم البيت الأبيض والغرب للرباط في إضعاف وعزل جبهة البوليساريو ولشرعنة إحتلال الصحراء الغربية.
هل قامت واشنطن بوست بتضخيم الدعاية المغربية؟
الجمعة : 26 يونيو 2025
واشنطن بوست تردد مزاعم متناقضة حول أسر مرتزقة صحراويين في حلب
ترجمة : عالي إبراهيم محمد.
في 12 أبريل/نيسان 2025، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا يصف جهود الحكومة السورية الجديدة المزعومة لتفكيك خطوط الإمداد الإيرانية غير المشروعة التي تمر عبر جنوب سوريا. وكانت خطوط الإمداد هذه تعمل من قواعد عسكرية سورية على بعد كيلومترات من مرتفعات الجولان المتنازع عليها بإشراف مستشارين عسكريين إيرانيين، وذلك لمساعدة حزب الله في حربه ضد إسرائيل.
في ثلاثين فقرة من تقريرهما في الصفحة الأولى - على سبيل المثال لا الحصر - ورّط المراسلتان، لوفداي موريس وسعاد مخنات مقاتلين من حركة تحرير قومية مقرها الجزائر في المؤامرة بين إيران وحزب الله. وكتبتا أن "إيران، على سبيل المثال"، "دربت مقاتلين من جبهة البوليساريو التي تتخذ من الجزائر مقراً لها، وهي جماعة مسلحة تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية عن المغرب"، مضيفتين أن "المئات" من هؤلاء المقاتلين "محتجزون الآن لدى قوات الأمن السورية الجديدة".
وكما يظهر تحقيق "TruthAfrica"، يبدو أن الأدلة الرئيسية لهذه الادعاءات هي تحريف لتصريحات السفير الجزائري ووثيقة غير حقيقية ظهرت لأول مرة، في عام 2023، على صفحة على فيسبوك تحتفي بالقوات المسلحة المغربية. في الواقع، لا يبدو أن هناك أي دليل يمكن التحقق منه بشكل مستقل يدعم الادعاء بأن أيًا من جنود جبهة البوليساريو مدعومين من إيران قد تم أسرهم في حلب واحتجازهم من قبل النظام السوري الجديد. موقع تروث أفريكا هو ثمرة تعاون بين جمعية برافدا وكود فور أفريكا.
على الرغم من الأرضية المهزوزة التي يستند إليها هذا الادعاء، كما يوضح موقع TruthAfrica هنا، وأصله في وسائل الإعلام المغربية، وتضخيمه من قبل النقاد والسياسيين الموالين لإسرائيل أو المناهضين لإيران، فإن هذا الادعاء يتم الاستشهاد به بالفعل من قبل قوى سياسية نافذة كسبب لتصنيف جبهة البوليساريو كجماعة إرهابية، وربط الجزائر بإيران، وتسليم الصحراء الغربية للمغرب في انتهاك لاتفاق حفظ السلام الذي أبرمته الأمم المتحدة.
لم تستجب مراسلتي "واشنطن بوست" موريس ومخنات لطلبنا للتعليق الذي أرسلناه عبر البريد الإلكتروني في 22 مايو/أيار 2025. نفت جبهة البوليساريو في بيان نُشر بعد نشر قصتهما في البداية، الادعاء بوجود أي علاقات مع إيران، قائلة إن "الإيحاء بأن مقاتلي البوليساريو سيتخلون عن نضالهم المستمر منذ عقود ضد الاحتلال المغربي لصالح صراعات بعيدة لا مصلحة لهم فيها ليس فقط غير معقول - بل هو إهانة لكرامة وتصميم شعب يناضل من أجل حريته". لم ترد جبهة البوليساريو على طلب TruthAfrica للتعليق.
"آخر مستعمرة في أفريقيا"
الصحراء الغربية هي منطقة تقع على الساحل الغربي لأفريقيا تطالب بها كل من المملكة المغربية والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وهي كيان معترف به من قبل أقلية ضئيلة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وهي غنية بالموارد الطبيعية مثل صخور الفوسفات التي تستخدم في الأسمدة، ومعظم الصحراء الغربية تحت السيطرة الفعلية للحكومة المغربية منذ أن بدأ جيشها احتلال المنطقة في عام 1975 بعد انسحاب القوات الاستعمارية الإسبانية.
تم تشكيل جبهة البوليساريو، وهي اختصار للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في عام 1973، في البداية لمقاومة الاستعمار الإسباني في الصحراء الغربية نيابة عن الشعب الصحراوي، السكان الأصليين للمنطقة. بعد انسحاب القوات الإسبانية في عام 1975، قامت كل من موريتانيا والمغرب بغزو المنطقة. تخلت موريتانيا عن مطالبتها بعد ذلك بعام، وعندها أسست البوليساريو الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
كانت جبهة البوليساريو في حالة حرب مع المغرب حصرياً منذ عام 1976. وقد جمد اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991 الحدود الرئيسية للنزاع كما هي اليوم، حيث يخضع ما يقرب من 20% من الصحراء الغربية لسيطرة جبهة البوليساريو والباقي تحت سيطرة المغرب. وفي حين أن المغرب هو السلطة الفعلية في المنطقة، إلا أن الأمم المتحدة تعتبر الصحراء الغربية إقليماً غير خاضع للسيادة منذ عام 1963، حيث يتم تعريفه على أنه "الأراضي التي لم يحصل شعبها بعد على قدر كامل من الحكم الذاتي".
وتعتبر الحكومة المغربية المنطقة جزءًا من أراضيها وتعتبر جبهة البوليساريو جماعة انفصالية مذنبة بالإرهاب. وترى الجزائر، جارة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وابرز الداعمين لها، أن جبهة البوليساريو هي صاحبة الحق في الصحراء الغربية. وترى الأمم المتحدة أن إسبانيا لم يكن لديها أبداً سلطة أحادية الجانب لإعطاء الصحراء الغربية لأي دولة. وقد وصف خبراء حقوق الإنسان وعلماء السياسة والبوليساريو نفسها الصحراء الغربية بأنها "آخر مستعمرة في أفريقيا".
في حين أن الأمم المتحدة لا تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كإقليم ذي سيادة، إلا أن الأمم المتحدة تعترف بجبهة البوليساريو كممثل شرعي للشعب الصحراوي. ولدى جبهة البوليساريو سفارات في عدد قليل من الدول، بما في ذلك جنوب أفريقيا وكوبا، وتشارك في السياسة الخارجية، وتوجه الجهود العسكرية للجمهورية الصحراوية وتحكم في المنطقة الخاضعة لسيطرتها. تقع حكومة جبهة البوليساريو في المنفى في الجزائر وتدعمها الجزائر، حيث توجد مخيمات اللاجئين التي تضم النازحين بسبب النزاع.
وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991 على إنشاء قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في الصحراء الغربية ونص على إجراء استفتاء على سيادة الصحراء الغربية في تاريخ لاحق. وحتى يومنا هذا، لم يتم إحراز أي تقدم يذكر في تنفيذ مثل هذا الاستفتاء، وقد انخرط المغرب في الضغط بشدة على حلفائه لرفض مطالب جبهة البوليساريو، وغالباً ما كان ذلك من خلال وصفهم بأنهم جماعة إرهابية مرتبطة بإيران.
في عام 2018، قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران. وكان السبب المعلن هو دعم إيران المزعوم لجبهة البوليساريو. وادعى وزير الخارجية المغربي أن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن إيران زودت البوليساريو بالأسلحة عبر حزب الله. وقد قرّبت هذه الخطوة المغرب، من الناحية الدبلوماسية، من الغرب ومن دول مجلس التعاون الخليجي البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
عندما ادعى المغرب لأول مرة أن حزب الله وإيران دعما جبهة البوليساريو، قال الصحفي المغربي رضا زيريج إن هذه الخطوة كانت "مقايضة دبلوماسية يستفيد منها جميع المعنيين". بالنسبة للمغرب، كما كتب في مقال رأي في موقع "ميدل إيست آي"، وهو موقع إعلامي بريطاني لم يكشف عن ملكيته، "تكمن المصلحة في تصدير نزاع الصحراء الغربية إلى الخليج تحت ستار محاربة "النفوذ الإيراني".
وقال: "بالنسبة للسعودية وحلفائها، فإن الأمر يتعلق بتصدير الصراع مع إيران إلى المغرب العربي لدفع المنطقة إلى اتخاذ موقف، وإحباط الوجود الفارسي في شمال أفريقيا، حتى لو كان ذلك يعني إضعاف الجزائر، رغبة منهم في عزل الجمهورية الإسلامية.
في كانون الأول/ديسمبر 2020، قطع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع 45 عامًا من السياسة الخارجية الأمريكية وأصدر أمرًا تنفيذيًا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وكان هذا الأمر التنفيذي جزءًا من مقايضة تتطلب من المغرب تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولا تزال الجهود الرامية إلى عزل جبهة البوليساريو سمة من سمات إدارة ترامب الحالية.
ستيفن زونيس، الخبير في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في جامعة سان فرانسيسكو ومؤلف كتاب "الصحراء الغربية: الحرب والقومية وحل النزاعات في شمال غرب أفريقيا"، قال لموقع "TruthAfrica" إن "العلاقة بين حزب الله وإيران هراء مطلق".
وفي مقابلة هاتفية أجريت معه في 21 مايو 2025، أشار زونس إلى حقيقة أن جبهة البوليساريو حركة علمانية على نطاق واسع تتألف من مسلمين سنة كأحد الأسباب التي تدعو إلى الشك في هذا الادعاء. فالحكومة الإيرانية وحزب الله كلاهما إسلامي وشيعي. وقال لنا: "إن فكرة أن [جبهة البوليساريو] مع هذه الجماعة الشيعية الاستبدادية والرجعية تبدو سخيفة للغاية".
”الجنود الأسرى في حلب“
في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، قام فهد المصري، وهو مغترب سوري مقيم في باريس، والذي عمل في السابق كمتحدث باسم الجيش السوري الحر، وهو تحالف لا مركزي من قوات المعارضة السورية المعارضة لنظام الأسد، بتوريط جبهة البوليساريو في أنشطة إيران في جنوب سوريا، وذلك في مقال رأي نشرته صحيفة واي نت الإسرائيلية:
"من المفارقات في المشهد السوري أن الحرس الثوري الإيراني أرسل ما يقرب من 200 مسلح من جبهة البوليساريو - المدعومة من الجزائر وإيران - إلى جنوب سوريا.
وقد تم نشر هؤلاء المسلحين في مطار الثعلة العسكري، وقاعدة الدفاع الجوي في السويداء، واللواء 90 الذي يقع على بعد 20 كيلومترًا فقط من مرتفعات الجولان.
والجدير بالذكر أنه على مدى السنوات الثلاث الماضية، دأبت إيران على تدريب مقاتلي جبهة البوليساريو في قواعد الجيش السوري في ريف درعا. '
وكان المصري، الذي فر من سوريا بسبب الاضطهاد السياسي من نظام الأسد في عام 1996، مؤيدًا قويًا للمغرب، حيث يعتبره شريكًا رئيسيًا للسلام من أجل سوريا الجديدة. فعلى سبيل المثال، نقل موقع al3omk.com الإعلامي المغربي على الإنترنت عن المصري في 28 مايو 2025، قوله إن الخطوة الرئيسية في إصلاح العلاقات السورية المغربية هي "الاعتراف الصريح بسيادة المملكة [المغربية] على [الصحراء الغربية]". وفي 29 مايو 2025، كتب في منشور على موقع X: "عاشت الأخوة السورية المغربية".
سألنا موقع "TruthAfrica" المصري عن مصدر معلوماته عن جبهة البوليساريو في جنوب سوريا ومدى معرفة مصدره المباشر بهذا الادعاء. عبر منصة التواصل الاجتماعي X، قال لنا في 22 مايو/أيار 2025، دون توضيح، أن "المعلومات التي قدمتها في مقالي مستقاة من مصادري العسكرية الموثوقة على الأرض في سوريا"، مضيفاً أنه "منذ عام 2012، كنت أحد مؤسسي القيادة المشتركة الأولى للجيش السوري الحر والمتحدث باسمها".
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، شنت قوات المعارضة هجوماً على مدينة حلب السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، إيذاناً ببدء هجوم يستمر أسبوعين للإطاحة بالرئيس المستبد بشار الأسد ونقل السيطرة على سوريا إلى تحالف من الميليشيات الإسلامية السنية المعروفة باسم هيئة تحرير الشام. بالنسبة للأجانب الذين يعيشون في سوريا من البلدان الأكثر قربًا من النظام السابق، بما في ذلك الجزائريين، كانت مشاهدة سقوط الحكومة في 8 ديسمبر 2024 تجربة مرعبة وغير مؤكدة.
في 1 كانون الأول/ديسمبر 2024، عندما أصبح من الواضح أن حلب قد تسقط، تحدث السفير الجزائري في سوريا آنذاك، كمال بوشامة، من دمشق إلى قناة النهار الجزائرية في محاولة لتهدئة مخاوف مواطنيهم في الخارج، الذين كان جزء كبير منهم يقيم في مدينة حلب المحاصرة.
ورداً على سؤال للتلفزيون الجزائري الرسمي حول هذه الجالية أفاد بوشامة أنه لم يتم الإبلاغ عن أي حالة وفاة، وأنه لم تكن هناك حاجة لإجلاء هذه الجالية في ذلك الوقت. وخلال اتصاله بتلفزيون النهار، قدّر عدد المواطنين الجزائريين في سوريا بالآلاف، وفي حلب تحديداً بـ"حوالي 500 مواطن". وسرعان ما أصبحت هذه الكلمات أساساً للادعاء بوجود 500 جزائري محاصرين في حلب، على الرغم من أن هذا تحريف واضح لتصريحاته.
ففي غضون ساعات من تصريحات بوشامة، وفقًا لتحليل أجراه موقع "كود فور أفريكا"، وصف موقع "ألجيري باتريوتيك" الجزائري الناطق بالفرنسية والمعروف بترويج نظريات المؤامرة، كلام بوشامة بأنه "500 جزائري عالق في حلب تحاصرهم الجماعات الإسلامية المسلحة".
وقد انتشر الادعاء بأن هؤلاء الجزائريين "العالقين" ليسوا مدنيين لأول مرة بفضل أحد النقاد السياسيين المغاربة، عبد الرحيم المنار السليمي، الذي يروج بشكل متكرر لمطالبة المغرب بالصحراء الغربية ويندد بالإجراءات المزعومة التي اتخذتها الجزائر. في 1 ديسمبر 2024، نشر السليمي لقطة شاشة لمقال "ألجيري باتريوتيك" على موقع X وأضاف الادعاء حول "تقارير ميدانية" تشير إلى أن هؤلاء الأفراد الـ 500 كانوا جزءًا من قوة عسكرية جزائرية:
"لم يحدد السفير الجزائري في سوريا هويتهم. وتفيد التقارير الميدانية الواردة من حلب أن الجزائريين المحاصرين هم عسكريون من الجيش الجزائري. [...] كانوا تحت إشراف قائد في الحرس الثوري الإيراني يُدعى بورهاشمي، المعروف باسم "الحاج هاشم".
ولأن الحاج هاشم هو إشارة إلى مستشار عسكري إيراني كان يعمل إلى جانب حزب الله في جنوب سوريا، يبدو أن "التقارير الميدانية" هي إشارة إلى الادعاءات الواردة في مقال الرأي الذي كتبه المصري في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد أوضحت وسيلة الإعلام المغربية "أخبارنا"، التي يتابعها 5 ملايين متابع على فيسبوك، هذا الربط، والإشارة إلى جبهة البوليساريو، بشكل واضح بعد ثلاثة أيام.
وقد ربطت "أخبارنا" في خبرنا بتاريخ 3 ديسمبر 2024 بين تحريف تصريحات بوشامة ومزاعم المصري قبل الهجوم حول مشاركة جنود جبهة البوليساريو في جنوب سوريا، مستخدمةً لغة مشابهة لما جاء في منشور السليمي: (ترجمة من العربية):
تشير التقارير إلى أن معظم المحاصرين ينتمون إلى جماعة البوليساريو المسلحة ويحملون جوازات سفر جزائرية. وقد تم العثور على هؤلاء الأفراد في حلب بعد أن نقلتهم الجزائر بدعم من إيران لدعم قوات النظام السوري وتلقي تدريبات عسكرية قبل أن يعودوا إلى تندوف لاستخدام هذه الخبرة في عمليات ضد الأراضي المغربية.
وكان فهد المصري، رئيس جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا، قد كشف قبل أسبوع عن دور الحرس الثوري الإيراني في نقل ما يقرب من 200 من مرتزقة البوليساريو إلى مواقع استراتيجية في جنوب سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية".
وأكد بوشامة لموقع TruthAfrica في رسالة إلكترونية بتاريخ 3 يونيو/حزيران 2025 أن تصريحاته تتعلق بالجالية الجزائرية المقيمة بسلام في سوريا "منذ قرون"، وليس بأي قوة عسكرية. ووصف بوشامة في رسالته الإلكترونية المترجمة من الفرنسية ما نقلته أخبارنا عن تصريحاته للصحافة الجزائرية بـ "الأكاذيب والافتراءات".
وردا على سؤال حول التواجد المزعوم لجنود البوليساريو في سوريا، قال بوشامة لموقع "الحقيقة أفريقيا" إن "هذه محض افتراءات وهمية وجزء من مخطط لزعزعة الاستقرار واستفزاز خطير ضد بلدنا، لأننا ندعم القضية العادلة لنضالهم [جبهة البوليساريو]".
ومع ذلك، وبحلول 4 ديسمبر، اكتسبت القصة زخمًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى منشور على موقع X لعضو سابق في البرلمان العراقي، عمر عبد الستار. في منشور صححه جزئيًا في وقت لاحق، أعاد عبد الستار قراءة نسخة أخرى محرفة من تصريحات بوشامة التي يؤكد فيها السفير الجزائري نفسه وجود جنود جبهة البوليساريو.
يحظى ساتر بمتابعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو مقدم، وفقًا لملفه الشخصي على فيسبوك، لبرنامج مناهض لإيران يحمل اسم "إيران فليمز". وقد أضفت منشوراته على "إكس" انتشارًا ووزنًا على هذا الادعاء. بدأت وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة "نورث أفريكا بوست" في 11 ديسمبر، في الاستشهاد بستار نفسه على أنه مصدر الادعاء بأسر جنود جبهة البوليساريو في حلب.
وتكررت سلالة مماثلة من المعلومات الخاطئة المستندة إلى هذا التحريف الأولي لكلمات بوشامة في فبراير 2025، عندما أشارت إحدى وسائل الإعلام المغربية إلى أن الاجتماع الذي تم تداوله على نطاق واسع بين وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف والزعيم السوري الجديد أحمد الشرع لمناقشة مستقبل سوريا الجديدة كان في الواقع حول عودة الجنود الجزائريين والبوليساريو. وقد كررت هذه التقارير الادعاء الذي لا أساس له من الصحة حول "ما يقرب من 500 جندي من الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو".
لم يرد ممثلو الحكومة السورية الجديدة على طلبنا للتعليق على صحة هذه الادعاءات. وبدلًا من وجود أدلة فوتوغرافية تدعم هذه الادعاءات، نشرت بعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي صورًا تحمل أعلامًا مزيفة لإعطاء مظهر الدعم العسكري الجزائري للأسد:
وعلى الرغم من أن الأساس الفعلي الوحيد لادعاء وجود مقاتلين جزائريين مدعومين من إيران ومدربين من حزب الله تم أسرهم في حلب هو مقال رأي كتبه مغترب سوري قبل الهجوم، فإن هذا التحريف المستمر للتصريحات والادعاءات والمصادر يعني أنه بحلول أواخر ديسمبر 2024، بدا أن صحيفتين كبيرتين على الأقل (نورث أفريكا بوست وأخبارنا) وثلاثة مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى (المصري وستار وبوشامة) أكدت جميعها صحة التقرير نفسه الذي ثبت كذبه بشكل واضح.
"مذكرة الفرع 279"
في خضم الانتشار المتزايد للادعاء بأن الجنود الجزائريين وجنود البوليساريو كانوا أسرى لدى النظام السوري الجديد، ظهر دليل إضافي مزعوم على وسائل التواصل الاجتماعي - وثيقة يُزعم أنها من أرشيف نظام الأسد المخلوع الآن.
في 10 ديسمبر 2024، نشر السياسي المغربي السابق لحسن حداد وثيقة على موقع X يُزعم أنها كُتبت في عام 2012 للفرع 279 التابع لوزارة الدفاع السورية، وهي منظمة استخباراتية قمعية في عهد الأسد مكلفة بمراقبة الأجانب في الخارج. وتظهر المذكرة على ما يبدو تطور علاقة عمل مزعومة بين إيران وجبهة البوليساريو والجزائر وحزب الله.
وحسب وصف حداد، في الأصل باللغة الفرنسية، فإن "هذه الوثيقة المسربة من أجهزة المخابرات السورية تكشف تورط الجزائر في إرسال مقاتلين من البوليساريو لدعم نظام بشار الأسد في سوريا"، مضيفا أن الوثيقة "تؤكد الاستخدام المثير للجدل لعناصر البوليساريو من قبل الجزائر، ليس فقط لزعزعة استقرار الصحراء الغربية، بل أيضا كأداة لتعزيز أجندة إيران الجيوسياسية في الخارج". وأشار حداد في منشوره إلى العديد من وسائل الإعلام.
وسرعان ما كررت وسائل الإعلام المغربية هذه المزاعم. وزعمت جميع التقارير الإعلامية تقريبًا أو ألمحت إلى أن هذه الوثائق تم اكتشافها بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024. على سبيل المثال، ذكرت صحيفة Le360، وهي وسيلة إعلامية فرنسية تحمل اسم حداد على موقع X، أن المذكرة جاءت من "صناديق الوثائق التي تركها الديكتاتور السوري السابق بشار الأسد أثناء هروبه السريع من سوريا"، متفاخرةً بأن وسيلتها الإعلامية قد تمكنت من "الوصول" إلى أحدها.
يمكن لموقع TruthAfrica أن يؤكد أن هذه الوثيقة لم تأت من صندوق وثائق "تركها الديكتاتور السوري السابق بشار الأسد أثناء هروبه المتعجل من سوريا". ويبدو أن نسخة ذات جودة أعلى من هذه الوثيقة "السرية" نفسها تمت مشاركتها لأول مرة على ما يبدو من قبل صفحة "القوات المسلحة الملكية المغربية - صفحة غير رسمية" على فيسبوك في 13 أبريل 2023:
لا يمكن لموقع TruthAfrica تحديد حالة سابقة لظهور هذه الصورة على الإنترنت. لا يدير هذه الصفحة "غير الرسمية" مستخدمون مغاربة فحسب، بل يديرها مستخدمون في فرنسا وقطر أيضًا، وفقًا لخاصية شفافية الصفحات على فيسبوك:
وبصرف النظر عن أصولها الواضحة في مجموعة مغربية على فيسبوك، هناك أسباب أخرى تدعو للشك في صحة مذكرة الفرع 279.
فهي غير مؤرخة على عكس معظم المذكرات الأخرى التي تم التحقق منها أو المزعومة من جهاز الأمن السوري القديم. علاوة على ذلك، تستخدم الوثيقة التي تزعم إثبات التواطؤ بين إيران والبوليساريو الأرقام العربية الغربية، وليس نظام الأرقام العربية الشرقية المستخدم في سوريا. وقد نشر موقع "درج ميديا" الاستقصائي العربي مذكرة الفرع 279 التي توثق مراقبة الصحفية البولندية آنا البوث في مارس/آذار 2025، وهذه الوثيقة مؤرخة ومرقمة بالأرقام العربية الشرقية.
وبالنظر إلى أصولها وأوجه عدم الدقة المحتملة فيها، فإن الوثيقة دليل ضعيف للغاية على تواطؤ البوليساريو وسوريا وإيران. وحتى لو كان للوثيقة أصول حقيقية، فإنها تشير إلى تطورات يُزعم أنها حدثت في عام 2011، وبالتالي لا يمكن اعتبارها تأكيداً لتقارير لاحقة عن إرسال جنود البوليساريو إلى جنوب سوريا في السنوات الثلاث الأخيرة من النزاع.
التحقق أم التضخيم؟
عندما نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرها في منتصف أبريل من هذا العام، اعتبر الكثيرون في المغرب وعلى الصعيد الدولي أن ما نشرته صحيفة واشنطن بوست عن جبهة البوليساريو هو تأكيد لتلك المزاعم القائمة والمثيرة للإشكالات حول إيران وجبهة البوليساريو - وهو حديث لا يقتصر على وسائل الإعلام المغربية والكيانات السياسية المناهضة لإيران أو المؤيدة لإسرائيل ومراكز الأبحاث وأعضاء الكونغرس الأمريكي.
إن المصادر التي استندت إليها صحيفة "واشنطن بوست" غامضة، مما يجعل من المستحيل معرفة ما إذا كان عملهم يوفر حقًا تأكيدًا مستقلًا للادعاء بأن المئات من جنود جبهة البوليساريو والجزائريين المدعومين من إيران كانوا أسرى لدى النظام السوري الجديد.
في حين أن صحيفة "واشنطن بوست" قدمت في وقت سابق من تقريرها معلومات مجهولة المصدر إلى "اثنين من المسؤولين الأمنيين الأوروبيين" حتى يتمكنوا من "مناقشة مسائل أمنية حساسة"، إلا أنهم لم يقدموا سببًا لحجب أسماء مصادرهم في إدعاء البوليساريو. وبدلاً من ذلك، إكتفوا بنسب المعلومات إلى "مسؤول أوروبي ثالث" و"مسؤول إقليمي". هذان الشخصان، أياً كان هذان الشخصان، يمكن أن يكونا مجرد تكرار للمعلومات الخاطئة المنتشرة حول مقاتلي البوليساريو التي كانت متداولة في ديسمبر 2024.
سألت منظمة "TruthAfrica" مراسلي "واشنطن بوست" موريس ومخينات عما إذا كانا قد تحدثا مباشرة مع المسؤول الأوروبي الثالث أو المسؤول الإقليمي، أو إذا كانا ينقلان التصريحات المنشورة لأشخاص تنطبق عليهم هذه الأوصاف. سألنا أيضًا عن مدى ثقتهم في أن مصادرهم كانت تنقل معلومات مباشرة. لم يستجيبوا لطلبنا للتعليق.
سألنا "TruthAfrica" فهد المصري عما إذا كان، ولو عن غير قصد، أحد مصادر صحيفة "واشنطن بوست". وردًا على ذلك، أخبرنا في 22 مايو/أيار 2025 أن نسأل ذات الصحيفة (بوست).
ضعف المصدر، ذات دلالات مهمة
إذا كان لدى واشنطن بوست معلومات استخباراتية موثوقة حول التواطؤ بين إيران وجبهة البوليساريو مستقلة عن مزاعم ديسمبر 2024 المنتشرة، فإنهم لم يظهروا ذلك. أما إذا كانوا، أو مصادرهم، يكررون فقط ادعاءً نابعًا من تحريف تصريح السفير بوشامة أو مذكرة مزورة للفرع 279، فإن تقاريرهم تضخم معلومات كاذبة.
إن إشارة صحيفة واشنطن بوست إلى "مئات" من مقاتلي البوليساريو "محتجزين الآن لدى قوات الأمن السورية الجديدة" يشبه الادعاء الكاذب بأن هناك 500 جندي جزائري وجبهة البوليساريو محتجزين لدى قوات الأمن السورية الجديدة بعد أسرهم في حلب.
وبالمثل، فإن ادعاء واشنطن بوست بأن إيران، عبر حزب الله، كانت تدرب جنود البوليساريو في جنوب سوريا، يبدو مشابهًا للادعاء الصادر عن مذكرة الفرع 279 المزيفة، وهو ما تجدر الإشارة إليه أيضًا مشابه للادعاءات الواردة في مقال الرأي الذي كتبه المصري في نوفمبر 2024.
وعلى الرغم من هذا الدليل على التضليل المحتمل والمصادر الضعيفة، إلا أن الفقرة القصيرة التي نشرتها الصحيفة عن جبهة البوليساريو رفعت من شأن الادعاء بالتواطؤ بين إيران وجبهة البوليساريو بشكل كبير.
على سبيل المثال، بعد يومين فقط من تقرير واشنطن بوست في نيسان/أبريل، على سبيل المثال، قبلت المؤسسة الأمريكية للدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية تابعة للمحافظين الجدد، توصف عمومًا بأنها مناهضة لإيران ومؤيدة لإسرائيل، هذه النتيجة كحقيقة. واستشهدت المؤسسة بما نشرته صحيفة واشنطن بوست كدليل على فرضيتها بأن إيران تكتسب "موطئ قدم" في شمال أفريقيا عبر جماعات مثل جبهة البوليساريو.
وفي اليوم التالي، نشر معهد هدسون، وهو مركز أبحاث مؤثر يركز على السياسة الخارجية الأمريكية، تقريرًا بعنوان "القضية الاستراتيجية لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية"، مستشهدًا بما نشرته واشنطن بوست كجزء من حجته.
جو ويلسون، عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية كارولينا الجنوبية والذي يشغل منصب الرئيس المشارك لتجمع المغرب في الكونجرس "وهو مجموعة من أعضاء الحزبين الملتزمين بتعميق العلاقة الاقتصادية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمغرب"، وهو من المدافعين منذ فترة طويلة عن تصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية أجنبية، نشر تقرير معهد هدسون على موقع X في ذلك اليوم:
وجاء في التقرير أن "تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية من شأنه أن يعزز التحالف بين الولايات المتحدة والمغرب، ويضعف عقدة رئيسية في بنية النفوذ الإيراني والروسي والصيني، ويثبت أن الالتزامات الأمريكية تحمل عواقب استراتيجية".
هذه ادعاءات ثقيلة الوزن لإلصاقها بمصدرين لم يتم تسميتهما في تقرير "واشنطن بوست"، خاصة عندما تتطابق هذه الادعاءات مع معلومات مضللة سابقة. وفي حين أن تحقيق "TruthAfrica" هذا لا يمكن أن يستبعد وجود تورط إيراني في جبهة البوليساريو بشكل عام، إلا أنه يوضح أن أكثر الأدلة التي يتم الاستشهاد بها لدعم هذا الادعاء في الوقت الحاضر تستند إلى تشويه الحقائق وتلفيق الأدلة.
كتب هذا التقرير أليكس كاسبراك كجزء من مبادرة TruthAfrica. تهدف هذه المبادرة إلى فضح المعلومات المضللة والتلاعب بالمعلومات الأجنبية والتدخل في المعلومات في جميع أنحاء أفريقيا ومواجهتها مع بناء مناعة عامة ضد تهديداتها للقيم الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي.