القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة في موضوع الكاتب، الإطار، محمد الفاروق.

   


النص الذي كتبه محمد الفاروق ليس مجرد مقالة، بل هو مرآة حزينة تعكس وجعًا ممتدًا، وصوتًا داخليًا يصرخ وسط صمت خانق. يتلبس النص بنبرة تأملية حادة، كأن صاحبه لا يكتب، بل ينزف من قلبٍ مثقل، وعقلٍ مأزوم، يرى المصير يتهاوى أمامه، ويعجز عن التدخل، سوى بالتنبيه، وربما البكاء الحذر.

السرد، متقطع كأنفاس مرهقة، تتخلله وقفات طويلة (...) تبوح أكثر مما تقول، وتحيل إلى مساحات من الأسى لا يمكن تلخيصها. الجمل قصيرة، لكنها مشبعة بالمشاعر، تتأرجح بين الحزن النبيل والغضب المقموع، وكأن الكاتب يكتب بمدادٍ من المرارة، ويصيغ كلماته على إيقاع خذلان طويل.

يتحدث محمد الفاروق، عن جهلٍ قاتل، جهلٍ لا يتمثل في غفلة عابرة، بل في فقدان القدرة على قراءة الواقع، وعلى استشراف ما يُحاك في الغرف الخلفية، ضد مشروع وطني أصبح يدفع الثمن في كل منعطف. الجهل هنا ليس بريئًا، بل مركبًا من قصر نظر، وضيق أفق، واندفاع غير محسوب، تغذيه حماسةٌ عاطفية، لا تستند إلى إدراك حقيقي لمتغيرات الزمن وموازين القوى.

هناك نقد صريح لأولئك الذين يدفعون بالتخطيط المرتبك، ويصنعون قرارات كارثية، من موقع الإصرار لا الإدراك، ومن داخل عقل محدود لا يرى إلا ما يُرضي قناعاته القديمة. هذا "القصد" الذي ينبع من معرفة سطحية، ليس سوى هروبٍ مقنّع، وانتحارٍ مؤجل.

المشهد الذي يرسمه الكاتب هو، عبارة عن مركبة مسرعة نحو ارتطام لا مفر منه، في طريق أُفرغ من حكمته، بعدما جرى التخلص من النخبة الفكرية والعقلانية في مفترقات الطريق، بفعل سوء التدبير أو ربما بفعل مقصود. والمفارقة الموجعة أن زمن المعركة تغيّر، وجاء جيل جديد لاستلام الدفة – كما هو الحال في التجربة الإيرانية التي يستشهد بها الكاتب – بينما لا يزال بعض من ينتمون إلى جيل مضى، يصرّون على قيادة معركة لا ينتمون لها، زمنًا أو فهمًا، متمسكين بكبرياء فارغ، أطلق عليه الكاتب "الأنانية الثورية".

كل هذا لا يفضي في نهاية المطاف إلا إلى خيبة كبرى، خيبة لا تداويها الكلمات، بل تأخذ صاحبها إلى لحظة صفاء روحي، فيها يرفع اليد بالدعاء، لا كطقسٍ ديني، بل كاعتراف صادق بأن الجهد قد قصر، والعمل قد خاب، وأننا بلغنا من الضيق ما يجعلنا نلجأ إلى الرجاء.

نص محمد الفاروق لا يطلب كثيرًا، هو فقط يريد من هذا الوطن أن ينجو، ومن عقله السياسي أن يُبصر. أما هو، فيقف على حافة السؤال، مسكونًا برغبة الإصلاح، لكنه مثقل بوجعٍ قديم، لا دواء له إلا بصدق النية، وبركة العمل، ورجاحة العقول.

سلامة مولود اباعلي

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...