أيها الصحراويون والحرائر الصحراويات في مخيمات العزة والكرامة ، في المدن المحتلة ، في الشتات والمهجر...
يا من سكنتم الرمل كما تسكن الروح الجسد ... يا أبناء الرمال النقية ... يا من ولدتم من رحم الكرامة ، ورضعتم من ثدي الأرض طهارة الانتماء...
يا من حملتم الصحراء في نبضكم كما تُحمل الأم في الدعاء...يا من خبأتم الوطن في الأغاني ، في القصائد ، في الصورة واللوحة ، وفي ظلال الخيام...
نخاطبكم اليوم لا بلسان وزارة ، بل بصوتِ وطنٍ يخاف على ذاكرته أن تُسرق ، وعلى هويته أن تُشوّه ، وعلى أجياله أن تُنسى .
نوجه إليكم نداءً لا يشبه سواه... نداءً يخرج من قلب الصحراء إلى ضمير كل صحراوي أينما حل وارتحل .
إن الاحتلال المغربي، ومن وراءه من المتواطئين يشن حرباً ممنهجة لتذويب ثقافتنا، وتزييف تاريخنا، وتشويه رموزنا، في محاولة يائسة لطمس وجودنا وقطع جذورنا.
فهو لا يكتفي باغتصاب الأرض، بل يشن حرباً خفية على هويتنا ، ذاكرتنا، على قصصنا، وأغانينا، على لهجتنا، على ملابسنا وملامحنا التي تميزنا عن كل شعوب الأرض . هو لا يريد أن نُهزَم فقط ، بل يريد أن ننسى أننا كنا هنا، وأننا لا نزال هنا، وأننا باقون.
هو لا يُريد فقط أرضنا ، بل يسعى لسلب أرواحنا من داخلها ، لطمس صوت الجدّات ، ولهجة الأمّهات ، وإيقاع الرُّقصة ، ونبرة الحكاية ، وملامح الزي ، وعطر الرمل حين يختلط بالقصيدة ... يريدنا غرباء في مرايانا، صامتين عن ذواتنا ، لا نعرف من نحن، ولا نعرف من نكون.
ياشبابنا ، يا فنّانينا ومثقفينا ، يا إطاراتنا ومسؤولينا وجميع مكونات شعبنا ، ندعوكم في هذه المرحلة الحاسمة من كفاحنا الوطني إلى جعل الثقافة أداة تحصين للوجدان الوطني ، وسلاحاً ناعماً لمواجهة الغزو الثقافي ، وحصناً منيعاً للدفاع عن كرامتنا وحقنا في الحرية والاستقلال .
كونوا كما أرادكم شعبكم ووطنكم طليعة وعيه ، وفرسان هويته ، ورسل ذاكرته. و اجعلوا من ثقافتنا درعاً ، ومن لغتنا سيفاً ، ومن قصصنا ناراً لا تنطفئ.
نناشدكم جميعاً للتمسك الراسخ بهويتنا الثقافية الوطنية، وبقيمنا الحضارية الأصيلة التي تشكل روح شعبنا ومصدر قوته عبر الزمن .
فالثقافة ليست ترفاً كما يراها البعض للأسف ، وليست مجرد تعبير فني أو تراث مادي ومعنوي، بل هي سلاحٌ في معركة المصير ، وجبهة متقدمة من جبهات النضال والمقاومة والصمود في وجه سياسات الاحتلال المغربي وحلفائه الذين يسعون بكل الوسائل إلى طمس هويتنا وتزييف قيمنا وتشويه موروثنا الحضاري .
الواجب الآن ، كل الواجب ، أن نعي جميعا دون استثناء بوضوح وبمسؤولية وبكل وعي وإدراك ، إن في أعناقنا عهدٌ أمام الشعب والوطن ، وأننا مطالبون كل من موقعه أن نرفع صوت الثقافة فوق الضجيج ، أن نصون الكلمة ، ونحمي الذاكرة، وأن نغذي روح هذا الشعب بمعاني الانتماء والكرامة. وان نستحضر جميعا شئنا ام ابينا ، أن الثقافة رفيقة لسلاحنا ... وذخيرة معنوية ونفسية لخطابنا الوطني ... وسندا ناعما لدبلوماسيتنا ، واساس وجوهر تربية الأجيال .
فلنقف صفاً واحداً ، مواطنين وإطارات مسؤولين لا متفرجين في معركة المصير التي تُخاض اليوم بالكلمة كما تُخاض بالبندقية.
لنجعل الثقافة راية صمود ومشعل مقاومة ، ولنجعل الأغنية الصحراوية والكلمة الموزونة موقفا وشهادة ، والكتاب والسينما والمسرح والحكاية صرخة ، والرسم والمعارض جداراً في وجه النسيان ، وكل تعبير ثقافي خندقا متقدما في الدفاع عن وطننا وهويتنا.
لتصدح حناجرنا عاليا دون تردد ... أن الثقافة ليست ترف او زينة او كرنفال كما يتصور البعض ، بل ذاكرة مقاومة ...
وأن الأغنية التي وُلدت في خيمة لاجئة أشدّ وقعاً من ألف بندقية. وأن لوحة طفل يرسم وطنه المنسيّ أخطر على الاحتلال من ألف ندوة ومؤتمر .... وأن الصحراء ليست أرضاً فقط ، بل هي روح ، وتاريخ ، وثقافة لا تُقهر ... وأن التمسك بالثقافة ليس خياراً ، بل هو وفاء... وفاء للشهداء الذين سخوا بدمائهم من اجل الكرامة ... وفاء لأمّ غنّت لـولدها كي لا ينسى وطنه ...وفاء لطفلٍ لم يرَ الوطن ، لكنه يحلم به كل ليلة.
إننا هنا... لم نغادر يوماً ، ولن نغادر أبداً .... فلنوقظ في الأجيال الجديدة حكاية الشعب الصامد .. الفريد .. الابي ... الذي لم ولن يُهزم رغم الشتات والالم والجراح
بقلم المناضل الثائر من جذور الساقية والواد قبل ان يكون الوزير / موسى سلمى لعبيد