يا من حملتم راية الكرامة منذ فجر النضال ...
نخاطبكم اليوم لا بخطاب العتاب، بل بنداء الإيمان بكم… بثقتنا في وعيكم، وفي قدرتكم على أن تكونوا كما كنتم دوماً ، وقود الثورة وروح الصمود وحملة مشاعل الحرية .
إن المرحلة الحالية من كفاحنا التحرري ، بما تحمله من تحديات داخلية وضغوطات خارجية ، تتطلب منا جميعاً وقفة تأمل مسؤولة ، وتحملاً جماعياً راقياً للمسؤولية الوطنية ، يتجاوز الانفعالات العابرة والانقسامات الهامشية ، يرتكز على قيمنا الأصيلة في الحكمة ، والصبر، والتماسك ، والإيمان بعدالة قضيتنا.
نقف اليوم على أعتاب مرحلة لا تشبه سابقاتها. من كوننا لا نواجه الاحتلال العسكري فقط ، بل نواجه حربًا خفية على الوعي، على الروح والقيم ، على الثقة في النفس وفي المشروع الوطني. إنها حرب تستهدف قلب القضية .الإنسان الصحراوي نفسه.
نحن أمام مرحلة دقيقة من مسيرتنا التحررية، مرحلة تتطلب أكثر من الشعارات… لحظة تتطلب منا اليقظة لا الغفلة، والوحدة لا التشتت، والثبات لا التردد، وتغليب مصلحة الوطن قبل أي شيئ اخر .
مرحلة لا تقبل التراخي ولا المزايدات، بل تحتاج إلى حكمة الشجعان، وإرادة الأوفياء، ونقاء السريرة.
لقد تعبنا، نعم... طال بنا الطريق، نعم... لكننا لم نبدأ هذا المسير لنرجع إلى الوراء، ولم نضحِ بكل هذا لنساوم على الكرامة أو نرضى بالفتات.
نعم، الطريق طويل، والمحن تتوالى، لكن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا ينصف المترددين … بل يكتب أسماء الصامدين الذين لم ينحنوا للعاصفة، ولم يخونوا أحلام الشهداء.
إن هذا الشعب الذي صمد خمسين سنة تحت الشمس وفي العراء، قادر أن يصمد خمسين أخرى، لكنه بحاجة إلى وعي جديد، إلى نهضة داخلية، إلى تجديد في العزيمة لا في المبادئ.
يا أبناء الشعب الصحراوي الذين خبروا الرمال والنار ...واحتملوا الجراح والشتات ... يامن علمتم العالم أن الكرامة لا تشترى ، وأن الحرية لا تستعطى بل تنتزع انتزاعا ....
إن نضالنا لم يكن يوماً سهلاً، وقد خضنا معارك طويلة من أجل الحرية والكرامة، قدمنا خلالها الغالي والنفيس. واليوم، ونحن أمام مفترق طرق، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تحكيم العقل، وضبط النفس، والتسلح بالإيمان والقناعة ، والتمسك بالوحدة ، ولنجعل من كل كلمة وفعل سلاحاً في وجه النسيان والانقسام ، ولنُجدّد العهد مع قضيتنا، ومع شعبنا، ومع دماء الشهداء التي تنتظر منا الوفاء.
إن ما نواجهه اليوم من تحديات هو امتحان حقيقي للوعي، للتماسك، ولقدرتنا على تجاوز العواصف دون أن نفقد البوصلة. هذه ليست نهاية الطريق، بل بدايته من جديد. فلنقم جميعًا، شعبا وقيادةً ، لنُعلن يقظتنا الكبرى، ونجعل من هذه المرحلة ولادة جديدة للثورة، لا انكسارًا لها.
فلنُعد ترتيب صفوفنا، ولنُحسن إدارة اختلافاتنا، ولنستثمر في شبابنا، في ثقافتنا، في ذاكرتنا، في إعلامنا، في مسرحنا، في صوتنا الحر. لنحوّل المعاناة إلى وقود، والخذلان إلى قوة، والتحدي إلى فرصة .... لنكن دعاة وعي لا وقود فتنة. بناة وحدة لا أدوات هدم. ولننتصر معاً على محاولات التشتيت والإحباط، ولنجعل من كل خطوة نخطوها فرصة لتعزيز الصف الوطني، وتكريس ثقافة التفاؤل والأمل ، ولنتحمل كل من موقعه المسؤولية التاريخية تجاه الأجيال القادمة.
لنكن قلب النضال النابض، وقوة التغيير الحقيقي، منا تنبثق روح الإبداع والمقاومة والصمود.
لنكن على قدر اللحظة ، رجالاً ونساءً أشداء على الظلم، رحماء فيما بيننا ، وحدتنا ووعينا هما السلاح الأقوى في وجه الاحتلال ، وان لا نسمح لليأس بأن يتسلل إلى صفوفنا. ولنكن دائماً على قدر المسؤولية، أوفياء لدماء الشهداء، متمسكين بثوابتنا الوطنية، سائرين بثقة نحو الحرية والاستقلال .
إنها مرحلة مفصلية بكل ما تعنيه الكلمة من معان، مرحلة تكثر فيها الأصوات وتختلط فيها النوايا، وتشتد فيها الضغوطات من كل الجهات . ولكن في مثل هذه اللحظات ، لا نحتاج فقط إلى الحناجر العالية، بل نحتاج قبل كل شيء إلى العقول الراجحة، والقلوب المؤمنة، والنفوس الصبورة. نحتاج إلى أن نعود إلى الحكمة الصحراوية المتجذرة، تلك التي علمتنا أن “الزمن الطويل لا يرهق من عرف الطريق”، وأن الصحراء، مهما جفّ ماؤها، تنبت من رحمها الحياة .
فلا تسمحوا للإحباط أن يتسلل إلى أرواحكم، ولا تتركوا لليأس مكانًا بين أفكاركم. استحضروا قصص الأجداد، استحضروا دموع الأمهات في ليالي الانتظار، استحضروا صمود الأسرى وإرادة وعزيمة المعتقلين، وصبر اللاجئين، ورفعة الشهداء. هذه ليست مجرد تضحيات، إنها أعمدة خيمتنا الكبيرة ، وهي أمانة في أعناقنا .
هذه ليست فقط لحظة صعبة ومعقدة ، إنها أيضًا فرصة لإعادة ترتيب الصفوف، ولإعادة الاعتبار لقيمنا، وللتجديد في الفكر والعمل. فلنكن حراس الحلم، وصنّاع الأمل، وورثة الوفاء للشهداء. لنكن الجسر بين الأمس المضيء والغد الذي سنصنعه بأيدينا.
المرحلة تحتاج إلى أن نكون أكثر وعيًا من أي وقت مضى. أن نتحرر من الغضب المشتت، ونُحكّم لغة العقل والتبصّر. أن نختلف، نعم، لكن باحترام. أن ننتقد، نعم، لكن بصدق ونُبل، لا لمجرد التشويش. فالمشروع الوطني الصحراوي أكبر من الذات والأنا، وأسمى من اللحظات العابرة، فهو مشروع بناء الإنسان الصحراوي الحرّ، الواعي، والمُخلص . ودولة صحراوية لكل الصحراويين .
دعونا لا نضيع ونتيه في التفاصيل الصغيرة ، ولا ننشغل بالثانوي عن الجوهري.
العدو يراهن على تفتتنا، فلنراهن نحن على وحدتنا. يراهن على تعبنا، فلنراهن على صبرنا. يراهن على غفلتنا، فلنراهن على وعينا ووعي شبابنا الذي أثبت في كل مرة أنه أهل للثقة، وأنه ينهض من الرماد كلما اعتقدوا أنه انطفأ.
وفي الأخير فإننا اليوم لا نناشد فقط العقول، بل نطرق أبواب القلوب، نوقظ ذاكرة المقاومة، وننادي ضمير كل صحراوي حر : إن الوطن يناديكم ... فهل من مجيب ؟ إن الشهداء ينتظرون من يُكمل الطريق بصدق ، فهل من وفاء ؟
وختاما ليكن شعارنا اليوم وغد وبعد غد : الوعي قبل الانفعال، والوحدة قبل الانقسام، والعمل قبل الكلام.
ولا تنسوا إن الأجيال القادمة تستحق أن نورثها دولة ، لا خيبة امل .....
والله المستعان
بقلم المناضل الثائر من جذور الساقية والواد قبل أن يكون الوزير / موسى سلمى لعبيد