اختار نزار بولحية أن يقدّم قراءة سطحية، مغرقة، تُرجّح كفّة المغرب وتُقلّل من حضور جبهة البوليساريو باعتبارها الطرف الأصيل في معركة تقرير المصير. وإننا، إذ نحترم الحق في تعدد الآراء، نرى أن مثل هذا الطرح يُغفل جملة من الحقائق التاريخية والسياسية لا يمكن تجاهلها في أي تحليل موضوعي. لعل أهمها:
أولا: من المسلمات التي يؤكدها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة أن المغرب يُعدّ قوة احتلال في الصحراء الغربية منذ اجتياحه للأراضي الصحراوية سنة 1975.
ثانيا: ان واقع الصراع، لا يتغيّر بتطبيع سياسي أو دعم إعلامي. كما أن هذا الاحتلال مدعوم سياسيًا وعسكريًا من قوى كبرى مثل فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، فضلاً عن دعم ضمني أو مباشر من بعض دول الخليج، ما أتاح له هامشًا واسعًا للتحرّك خارج نطاق الشرعية الدولية، على حساب الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي.
ثالثا: اختزال البوليساريو في أنها "أداة للجزائر" فيه إجحاف بحق شعب ناضل لعقود من أجل التحرر، وقدّم آلاف الشهداء في سبيل استقلاله. الجزائر قدّمت دعماً سياسياً وإنسانياً، فالجزائر تدعم وتساعد كل الشعور المظلومة والمضطهدة عبر االعالم ، اما جبهة البوليساريو وُلدت في قلب الصحراء، من صلب المعاناة، ككيان يعكس الإرادة الشعبية، لا كوكيل إقليمي.
الرابعة: الحكم الذاتي ليس نهاية التاريخ ومحاولة تسويقه " كحل أمثل"، دون العودة إلى جوهر القضية، أي حق تقرير المصير، هو قفز على المبادئ التي قامت عليها الشرعية الدولية. فالحل لا يُفرض بالقوة أو بالدعاية، بل يُبنى على طاولة مفاوضات نزيهة، يُعطى فيها الشعب الصحراوي كامل الحرية ليختار مصيره دون وصاية.
خامسا : تسوية حقيقية لا تكون بتجاهل طرف النزاع، فأي حل واقعي لا يمكن أن يتحقق بتفاهمات فوقية بين الرباط والجزائر، أو بإقصاء البوليساريو من المعادلة. فالجبهة ليست طرفًا طارئًا، بل الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي بشهادة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
السادسة : من نافلة القول أن الكاتب نزار بولحية، وهو تونسي الجنسية، قد يكتب في بعض الأحيان بدافع مصلحة أو مغنمة ذاتية قد لا تكون بالضرورة مرتبطة بقناعة موضوعية أو مبدئية في قضايا مثل نزاع الصحراء الغربية. إن التعاطي مع هذا الملف المعقد يتطلب مسافة موضوعية، بعيدًا عن الانحيازات التي قد تنبع من مصالح خاصة أو ضغوطات خارجية.
في النهاية، قد تختلف وجهات النظر حول التكتيك السياسي، لكن الحقيقة تبقى راسخة، الثابت فيها، هو أن الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، والمغرب قوة احتلال، والبوليساريو حركة تحرير. فلتكن مقارباتنا للملف نزيهة، متجردة من منطق اللصطفاف، ومستنيرة بميزان العدالة، لا موازين المصالح ...
سلامة مولود اباعلي