القائمة الرئيسية

الصفحات


في ذكرى رحيله .. نستعرض في خربشة متواضعة نشرت سابقة جوانب مشرقة من حياة الدبلوماسي المثقف البخاري احمد
 *أفول نجم دبلوماسي ..* 
ملاحظة .. هذا الموقف الطريف ذو الدلالة سمعته من البخاري نفسه وقد كان يحكيه لمجموعة من أصدقائه في ليلة رمضانية في خيمة بمخيم بوجدور، وقتها كنت إلتقيته صدفة مع تلك المجموعة ولم أكنة وقتها أعرفه ولا هو يعرفني ..
في ذلك اليوم، كانت الصحافة العالمية تنتظر تصريحي مندوبي البلدين المعنيين طرفي النزاع في الصحراء الغربية البوليساريو والمملكة المغربية وذلك في المقر المخصص للندوات الصحفية التي تعقب عادة إجتماعات مجلس الامن الدولي، فجأة وأمام عدسات الكامرات والوجوه الإعلامية البارزة من مختلف القنوات ذات الصيت المتلهفة لإلتقاط حتى الانفاس بحثا عن السبق الصحفي، خرج رجل وسيم المظهر ببدلة أنيقة يحمل بيده اليمنى ملفا، إقترب من مكرفونات الصحفيين وتحدث بلغة إنجليزية رائعة ثم أخذ يجيب على أسئلة وسائل الإعلام، وفجأة رفعت صحفية يدها للسؤال فأشار إليها بيده وهو يبتسم قائلا: يمكنك طرح السؤال، قالت الصحفية: ما موقف المغرب من قرار مجلس الأمن المعتمد اليوم؟، إبتسم الرجل الوسيم ثم رد عليها: يمكنك سؤال ممثل المغرب الذي سيقف من بعدي هنا وهو سيخبرك عن ردهم وليس أنا، إنفجر كل الذين حضروا لتغطية الندوة الصحفية ضحكا، وضحك الرجل الأنيق معهم ثم لوح لهم بيده شاكرا حضورهم في ختام الندوة وخرج بخطوات ثابتة تتبعه عدسات المصورين.

لكن الصحفية لاحقته مقدمة إعتذارها قائلة أنها حضرت متأخرة وأنها إعتقدت انه ممثل المغرب وأنها كذلك تحضر لأول مرة مبعوثة من طرف الصحيفة التي تعمل بها وأنها وبسبب ما كانت تسمع في وسائل إعلام أمريكية عن الصحراء الغربية والصحراويين لم تكن تعتقد ان هذا الرجل المتحضر الذي يتحدث أمامها مجيدا اللغة الإنجليزية سيكون ممثل الشعب الصحراوي.

إعتذر البخاري للصحفية بشكل لائق ولطيف وهو يبتسم عن الإحراج الذي قد يكون قد سببه لها عندما ضحك الحاضرون بعد رده عليها، لكنها أخبرته انها هي من كانت غبية بسبب سيطرة الأحكام المسبقة على تصرفاتها حين اعتقدت انه لا يمكن أن يكون ممثل الصحراويين بهذا الشكل والحضور والشخصية.

بعد ذلك ستذهب تلك الصحفية التي تعمل في صحيفة ذائعة الصيت، واسعة الإنتشار وستكتب مقالا مطولا وغير مسبوق حول القضية الصحراوية وحق الصحراويين في الحرية وستغير ليس فقط من نظرتها الشخصية للشعب الصحراوي وقضيته وإنما ايضا من نظرة الصحيفة وبالتالي من نظرة جمهورها الكبير من الأمريكيين الذين ضللهم كذب وزيف الدعاية المعادية التي تصور الصحراويين وكأنهم وحوش لا تجيد لغة ولا تعرف كيف تتصرف او تلبس او تتحدث.

ولابد ان تلك الصحفية بكت رحيل الرجل الراقي الذي غير من نظرتها حول شعبه وقضيته بأسلوبه السلس وثقافته الغزيرة ومنظره المتحضر والذي يتحدث لغة العصر بطلاقة.

وأعترف شخصيا وللأمانة والتاريخ ان البخاري احمد من بين قلائل من القياديين الذين كنت أستمتع بإطلالاتهم التلفزيونية، وكنت اقول دائما في قرارات نفسي كل ما رأيته يتحدث، هذا الرجل المثقف الأنيق المظهر الواسع الخيال يمثلني.

لقد ظل البخاري مزاولا لنشاطاته مؤديا واجبه بشكل اعتيادي في كل الظروف، ويتذكر الجميع أن الرجل حتى وهو في أخر ساعاته على فراش المرض بعث برسالة قوية الى رئيس مجلس الأمن الدولي حول أخر التطورات الميدانية شارحا موقف شعبه وحكومته ومبديا رغبتهم في تحقيق السلام والعدل حقنا لدماء ذوي القربى ومن أجل مصلحة المنطقة ومن أجل الوصول الى حل دائم بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية بالنزاع يكفل لشعبه حقه في تقرير المصير.

ولا شك ان المبنى الزجاجي بنيويورك فقد برحيله إطلالة دبلوماسي أنيق وفقدت الصحافة العالمية رجلا محنكا عصريا متحضرا لطالما ملأ تلك القاعات نشاطا وحيوية كلما حان موعد مناقشة القضية الصحراوية كما ملأ قاعات الجامعات العالمية والمنتديات الدولية والساحات والسفارات بحضور قل مثيله تاركا بصمة لا تمحى أينما حل وأرتحل.

آمن البخاري بعدالة القضية الصحراوية باعتبارها قضية تحرر إفريقية عالمية وعمل بكل ما اوتي من قوة منذ ريعان شبابه بشكل جريء ومبدئي على ترسيخها بالفكر والذات الصحراويين بشكل رائع وراقي جدا.

 وبعد مسيرة حافلة للرجل النظيف السمعة المؤدب والحسن الخلق الذي عرف بإبتعاده عن المس من مشاعر الناس او من أموالها او من إمكانياتها قيد حياته السياسية ولم يثبت او يروج عنه قضايا فساد او تقصير في أداء الواجب، إختار البخاري مؤمنا بقضاء الله وقدره ان يرحل في صمت، وكما كان إنسانا رائعا خفيف الدم بارز الشخصية وقت قوته ونشاطه قرر الرجل اللبق واللطيف أيضا ان يكتم آلامه وأوجاعه وضعفه حين أحس بأن النهاية تقترب وان لا يلجأ ولا يشكوا لغير الله ليرحل بهدوء ودون ان يكلف الدولة سنتيما واحدا ودون ان يشكل عبئا على أي كان فرحل في صمت يختصر شخصية الفريدة.

وبرحيل البخاري فقدت الدبلوماسية الصحراوية قامة مجيدة ونموذجا فريدا من أبنائها كان رمزا من رموز السياسة المنفتحة والعملية والإستراتيجية وقد ترك رحيله المفاجيء فراغا كبيرا.
في ذكرى رحيله ونحن نخرج من الشهر الفضيل نتذكره فندعوا له بالرحمة والجنة.
عبداتي الرشيد

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...